top of page

خصائص الشريعة الإسلامية

بسم الله الرحمان الرحيم
- مفهوم الشريعة :
في اللغة هي المواضع التي يُنحدر إلى الماء منها. أما في الإصطلاحً  فقد عرفها التهانوي بأنها ” ما شرع الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها الأنبياء صلى الله عليهم وعلى نبيّنا وسلّم، سواء كانت متعلقة بكيفية عمل، وتسمى فرعية عملية، ودوّن لها الفقه، أو بكيفية الاعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية، ودوّن لها علم الكلام“.
- أما الفقه :  فهو في اللغة الفهم واختلف العلماء حوله فذهب فريق الى أنه هومطلق الفهم ، وذهب المحققون الى أنه هو الفهم الدقيق العميق النافذ الى جوهر الأشياء وحقيقتها وفي ذلك يقول تعالى " فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا " النساء 78 وقال الرسول الكريم عليه السلام "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " صحيح البخاري. وفي الاصطلاح هو كما عرفه الشافعي " العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسب من ادلتها التفصيلية"
- وبهذا الإعتبار فالفقه غيرالشريعة:
- فالفرق بين الشريعة والفقه يتجلى في أمرين أساسين هما:
1- أن الشريعة أعم من الفقه لأنها تشمل الأحكام الاعتقادية والعملية والأخلاقية ، بينما يقتصر الفقه على الأحكام العملية فقط.
2- أن الشريعة الإسلامية تعني الأحكام المنزلة من عند الله في كتابه الكريم، أو على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم، ومن ثمّ لا يجوز مخالفتها.
أما الأحكام الفقهية فنوعان:
أ- ما ينعدم أو يضعف فيه الجانب الاجتهادي، وذلك مثل الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، أو التي تستفاد من النص الشرعي بلا إجتهاد.
ب- ما يغلب عليه الجانب الاجتهادي، وهذا النوع من الأحكام لا يعتبر من قبيل التشريع الإلهي الذي لا تجوز مخالفته، بل تسوغ هذه المخالفة ما دامت مستندة إلى دليل أقوى من دليل الرأي الفقهي المتروك.
- أهم خصائص الشريعة الإسلامية :
  إن المقارن للشريعة الإسلامية بالشرائع السماوية السابقة وكذا القوانين الوضعية يستخلص أن الخصائص التي تميز هذه الشريعة السمحة عديدة أهمها :
-1- الشريعة ربانية المصدر:
  منزل الشريعة هو الله خالق البشر ومالك أمرهم ، وهو المتصف بصفات الجلال والكمال الخالي من كل عيب أو نقص أو جهل أو هوى ، وهو العالم بما يصلح أمر هذا البشر ويحقق لهم الأمن والطمأنينة والسعادة وقد خلقهم سبحانه لغاية محددة وحملهم في الأرض رسالة واضحة وكرمهم بذلك على كثير من خلقه ، وهواللطيف في أمره، الحكيم في حكمه ، القادر على خلقه ، العليم في تدبيره ، الرحيم بعباده ، وهو مالك الدنيا والآخرة ، لا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . لهذا فإن شريعة الله توصف بالكمال والشمول والرحمة والعدل على أتم صورة والخلق مطالبون بالأخذ بهذه الشريعة كجزء من العقيدة وشرط للإيمان ، وبها يتحقق لهم الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة والأمن يوم الفزع الأكبر ، وهي في ذات الوقت ذات سلطان على النفوس وهيبة في القلوب واحترام في الحياة ، لا يماثلها قانون أو نظام ولا يشابهها في ذلك شيء مما يصدر عن البشر .
ثم إن الإيمان بهذه الشريعة وتحكيمها في أمور الحياة وما يحصل من قضايا المجتمع والرضاء والتسليم بحكم هذه الشريعة شرط من شروط الإيمان ومقتضيات الطاعة ، قال تعالى { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } سورة النساء الآية 65 ، وليس هذا لأي نظام وضعي في الوجود .
وترك هذه الشريعة مع القدرة جريرة عظيمة ومدخل من مداخل الشيطان ، والاحتكام إلى غير شرع الله جريمة كبيرة ، إذ هي تفضيل لحكم الجاهلية على حكم الله تعالى { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } سورة المائدة الآية 50 ،كما أنها معاداة لله ولرسوله ومنازعة له في ملكه وأخص خصائص الألوهية ، ولكن الله لطيف بعباده حليم على خلقه يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال تعالى { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } سورة إبراهيم الآية 42 .
اما الأنظمة والقوانين التي تصدرها هيئات من القانونيين أو ما يفرزه نظام أو قانون وضعي من صنع الإنسان ووضع البشر ، فهو مهما حاول أربابه تجويده وتحقيق العدل به بين الناس وإقامة الحياة به على اعتدال لا يحقق ذلك ، وإنما يأتى عاكسا لقصور البشر ولنقص الإنسان وتأثره بمختلف المؤثرات كما يصور جهله ونزعاته وأهواءه ، فالقوانين الأرضية لا تخلو عن كونها تغليباً لمصلحة طبقة على طبقة ، أوجنس على جنس . تستوي في ذلك كل النظم المعروفة على ظهر الأرض ، وأن الذي يتولى الأمر يصوغ القوانين لصالحه هو لينال أكبر قدر من الحرية والاستمتاع على حساب الآخرين ، أو على حساب القيم والأخلاق . وما دام القانون ينبع من الأرض ، فهو دائماً عرضة لتقلبات الحال بين الغالبين والمغلوبين في الأمة الواحدة ، وبذلك فالقوانين تضعها الطبقة الأقوى لحماية مصالحها.
والقانون الوضعي له تأثير ضعيف على النفوس ؛ لأنه من صنع البشر وما وصلت إليه عقولهم وفهومهم القاصرة المشوبة بالهوى والشهوة ؛ لذا نجد الناس لا يكنون له احتراماً ، ولا يعتقدون وجوب طاعته والخضوع لأحكامه ، بل رأينا من يثور عليه ، ويسعى للتنقيص من شأنه والخروج عليه ؛ لأنه يعتقد أنه من عبودية الإنسان للإنسان ، ومن اتفاق الأقوياء على الضعفاء ، أو من تحكم بعض الطبقات على غيرها ، ولئن خفت ظاهرة التحيز في القوانين بسبب الديمقراطيات الحديثة ، فإن بقايا الاستبداد والتحكم لا تزال موجودة فيها ، وهي حتى إن لم تكن في نصوصها ففي تطبيقها .
-2- الشريعة تتصف بالعموم:
كانت الرسالات السابقة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالات خاصة لأقوام بعينهم وجماعات محددة ، ولهذا فإن القرآن حين يتحدث عن قصص الأنبياء والرسل عليهم السلام يقول { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ } سورة الأعراف الآية 59  { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } سورة الأعراف الآية 65 { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } سورة الأعراف الآية 73 { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } سورة الأعراف الآية 85 ، وهكذا فكل نبي يبعث إلى قومه وطائفة من الناس وتكون مهمته محصورة في هداية هؤلاء القوم وردهم إلى جادة الحق . وكانت رسالاتهم محددة بحدود الزمان والمكان والقوم .
أما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها جاءت من عند الله عامة لكل أجناس البشر بل للجن والإنس ، لا يختص بها قوم ولا جماعة ولا هي محدودة بظروف المكان أو الزمان أو البشر ، بل هي دين الله الباقي الخالد حتى يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } سورة الأعراف الآية 158 وقال سبحانه { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } سورة سبأ الآية 28 ، وقال الرسول الكريم عليه السلام ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) صحيح البخاري ، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن كل نبي كان يبعث إلى قومه خاصة أما هوعليه السلام فقد بعث إلى الثقلين الجن والإنس عامة ، وذهب بعض العلماء كالداودي الى أن نوحا عليه السلام بعث كذلك إلى كافة الناس.
وهذه الشريعة وإن اختص الله بها العرب حيث جعلها في نبي منهم ، واختار لسانهم ترجمانا لهذه الرسالة فإنه شرف لهذه الجماعة البشرية ؛ والله أعلم حيث يجعل رسالته ، وهو شرف مرتبط بالقيام بهذا الدين ، ولكنها جاءت عامة للعرب والعجم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وعاداتهم وثقافاتهم .
  -3- الشريعة تتصف بالواقعية :
من أهم خصائص الشريعة الإسلامية السمحة الواقعية فهي شريعة تهتم بالواقع ، وتتحرك مع الحياة فتعالج مشاكلها ، وتتفاعل مع أحداثها ، وتعطي لكل حالة من حالات الواقع التي يعيشها المسلمون ما يوافقها من النصوص والأحكام ، وتتعامل مع كل مرحلة من المراحل التي يمرّ بها المسلمون بما يناسبها من الأحكام والحلول .
ومن يتعمق في دراسة تاريخ الإسلام منذ لحظة نزول الوحي على قلب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا ، يجده قد مر بمراحل متعددة ، ولكل مرحلة خصائصها وملامحها التي تتميز بها، فالمرحلة المكية ، هي غير المرحلة المدنية . والخلافة الراشدة ، هي غير الخلافة الأموية . وهي قطعاً غيرالمرحلة العباسية والعثمانية وهكذا .
فلو أخذنا مثلاً المرحلة المكية التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم ، والتي يمكن اعتبارها مرحلة الاستضعاف ، لوجدناها تتصف بصفات معينة ، وتتميز بسلم محدد من الأولويات ، قد يكون في أعلاها الدعوة إلى الله ، وبناء العقيدة الصلبة المؤهلة لحمل تبعات هذا الدين .
لكن لم يكن مطروحاً في هذه المرحلة موضوع الجهاد مثلاً على أهميته ولا موضوع العلم ، أو الفقه ، ولا حتى إقامة العبادات بتفاصيلها المعروفة ، إلا بما يخدم الأهداف الأساسية لهذه المرحلة ، وعلى رأسها بناء الشخصية التي تفهم الإسلام وتصبر على تكاليفه.
ليس لان مثل هذه الأمور غير ذات أهمية ، بل لان فقه المرحلة ، وفهم الواقع ، اقتضى مثل هذه الجدولة في سلم الأولويات والأسبقيات .
ولما جاءت المرحلة المدنية ، والتي تعتبر مرحلة التمكين ، تغيرت المعطيات بتغير الزمان والمكان والظرف . فمع استمرار الدعوة والبناء ، برزت حاجة المرحلة للجهاد في سبيل الله ، وذلك لحماية الدعوة الناشئة ، والذود عن الدولة الوليدة . لذلك فقد جاءت النصوص والأحكام والتوجيهات ، منسجمة مع هذا الواقع الجديد ، ومنظمةً له أيما تنظيم.
وبعد إنتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، توسعت حركة الفتح ، وتقدمت الدولة الاسلامية على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية . وتوسعت في مناطق كثيرة ، فظهرت الحاجة الى حركة العلوم ، والتأليف ، والتدوين، والترجمة ، بما يوازي ذلك التقدم الهائل ، ويستوعب ذلك التوسع الشاسع . عندها عكف الآلاف من أصحاب الطاقات ، الذين لم يجدوا باباً يصرفون فيه طاقاتهم بعد أن كُفوا الدعوة والدولة والجهاد إلا في طلب العلم ، فعكفوا عليه، وأبحروا في لججه ، وغاصوا في أعماقه ، يستخرجون ما طاب لهم من كنوزه ودرره .
ومنهم من أستنفد القضايا المعروفة في عصره ، فبدأ يتصور قضايا أخرى ليست موجودة أصلاً ، ليضع لها الحلول المناسبة ، وهم الذين أطلق عليهم (الأرأيتيون) ، وهكذا حتى وصل إلينا ذلك التراث الهائل من علوم الفقه والحديث والفلسفة والكلام وغيرها .
ومع استقرار الدولة الاسلامية وانفتاح أبواب الدنيا على المسلمين ، ظهرت المزيد من الأصوات المخلصة ، التي تحذر الأمة من مغبة الركون الى الدنيا . وتدعو المسلمين الى العودة الى النبع الصافي ، والتمسك بالمنهج الأصيل ، والعمل للآخرة والرغبة في مرضاة الله .
فعلى العاملين للإسلام اليوم من أبنائه ، الذين يطمحون الى إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية  ، بعد أن غُيّبت الواقع أن يعوا هذه الحقيقة جيداً ، وأن يعملوا بمقتضياتها ، إذا أرادوا لجهودهم أن تتكلل بالنجاح، لان النيات الطيبة وحدها لا تكفي على أهميتها ، بل لابد أن تقترن بالفهم الصحيح والعمل المجدي وبهذا يتأكد أن الشريعة الإسلامية يمكن تطبيقها لأنها واقعية وموافقة للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها وليست خيالية ولا طوبوية .
-4- الشريعة تتصف بالشمول:
إن ختم الرسالات السماوية ونسخ رسالات الأنبياء يستلزم أن تكون هذه الشريعة وافية بمتطلبات الحياة كلها . عامة لكل البشر على اختلاف أجناسهم ، لا فضل فيها لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، فإنها كذلك رسالة شاملة لكل جوانب الحياة ومناحي الاجتماع لم تترك شاردة ولا واردة إلا ذكرت فيها خبرا أو شملتها بحكم أو كانت مندرجة تحت أصل أو قاعدة من قواعدها.
فالشريعة تناولت تحديد الغاية من خلق الإنسان ووظيفته في الحياة ومركزه في هذا الكون ، ونظمت علاقته بربه وصلته بإخوانه والمجتمع الذي يعيش فيه ، وحددت الحقوق والواجبات ، ووضعت أصولا لفض المنازعات وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإقامة العدل بين الناس في كل جانب من جوانب نشاطاتهم وأعمالهم .
فهي منهج حياة كامل جمع بين الدنيا والدين ، وبين العمل والعبادة وبين الظاهر والباطن ، فضمن بذلك للإنسان خيري الدنيا والآخرة .
وقد قسم علماء الشريعة الدين في جملته إلى ثلاثة أقسام هي :
1 – الأحكام العقائدية.
2 - الأحكام المتعلقة بالأخلاق وقواعد السلوك .
3 - الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية .
وهو ما يعرف في اصطلاح المتأخرين ( بالفقه ) وهو باب واسع يتناول معظم أنشطة الناس  وينقسم إلى :
1 - العبادات التي تنظم العلاقة مع الله وربط  الصلة به سبحانه .
2 – المعاملات  وهذه الأخيرة يندرج تحتها كثير من الأحكام مثل :
أ - الأحكام المتعلقة بتنظيم الأسرة بما يشمله من نكاح وطلاق وحقوق .
ب - أحكام المعاملات كالبيع والشراء والبيوع الجائزة والمحرمة والأمور التجارية عامة من شركات ومبادلات .
ج- أحكام المرافعات والقضاء وفض المنازعات بين الناس وإقامة العدل في ظل الدولة الإسلامية
د- تنظيم علاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في أيام السلم والحرب .
ه- الحدود والعقوبات كحد الردة والزنا وشرب الخمر والقذف وغيرها من الحدود الشرعية .
فهذه الشمولية التي اتصفت بها الشريعة الإسلامية حتى تجاوزت الأمور الظاهرة إلى النيات المضمرة والمقاصد الخفية وإصلاح الإنسان من داخله وكبح جماح الغرائز البهيمية فيه ومحاسبة الإنسان على عمله الظاهر ونيته المضمرة وإقامة وازع من النفس عليها ، قال - صلى الله عليه وسلم - « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى » صحيح البخاري ، وقال العلماء  إن هذا الحديث نصف العلم ؛ لأنه يعالج الجانب الخفي في النفس المستكن في الضمير ، وبقية الأحكام تعالج الأعمال الظاهرة .
-5- اختصاص الشريعة الإسلامية ببعض الأحكام :
قال الرسول الكريم عليه السلام ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) صحيح البخاري.
يستفاد من الحديث الشريف أن الشريعة الإسلامية تتميز بخصال خمسة عن بقية الشرائع الأخرى وهي كالتالي:
الخصلة الأولى : قوله عليه السلام (نصرت بالرعب مسيرة شهر) والرعب هو الخوف الذي يكون في قلوب الأعداء بسبب غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فالله سبحانه يجعل في قلوبهم رعباً منه عليه السلام وخوفاً، بحيث إنهم لا يقدمون على قتاله ولا يصبرون على مواجهته، بل يتفرقون وينخذلون وينهزمون ويتبعثر جمعهم، وذلك نصر من الله تعالى وتأييد له عليه السلام حتى يتم أمر الله ويعلو دينه، ؛ لأن الله تعالى قد وعده بإظهار هذا الدين كما في قوله سبحانه { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة 33].
فلما وعدالله سبحانه رسوله عليه السلام بإظهار هذا الدين عرف بأن للدين أعداء وله مقاومين وحسادا يحسدونه على ظهوره وعلوه؛ وذلك لأنهم يفارقون مألوفاتهم إذا اعتنقوه، ويتركون دين أسلافهم وآبائهم وعقائد أجدادهم، فيفرق بينهم وبين ما هم عليه، فلما كان الأمر كذلك كان لا بد أن يوجد من يعادي هذا الإسلام ويحول دون انتشاره، فإذا هم النبي عليه الصلاة والسلام بغزو أولئك الأعداء قذف الله في قلوبهم الرعب، وألقى عليهم الخوف  فيتفرقوا وتذهب ريحهم، وإن قاتلوا لم يصمدوا للقائه ولا لمقاتلته.
قد أخبر الله عز وجل بشيء من ذلك كما في قصة بني النضير، في قول الله تعالى { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } [الحشر 2] أي قذف سبحانه في قلوبهم الخوف والفزع، فلم يطمئنوا حتى هربوا وفارقوا ديارهم؛ وذلك بسبب هذا الرعب.
وكذا لما تحزبت الأحزاب وأحدقوا بالمدينة في سنة خمس بقيادة أبي سفيان ومن معه من قريش ومن غطفان ومن سائر المشركين، فلما اشتد حصارهم قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب، وكذلك في قلوب من عاونهم فقال تعالى { إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } [الأحزاب 9] إلى قوله { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } [الأحزاب 2]، كل ذلك من آثار هذا الرعب.
والصحيح عند العلماء أن هذا الرعب باق في قلوب أعداء الإسلام، سواء كان الذي يقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته أو من هو على دينه، فمتى صمد المسلمون لقتال عدوهم، ومتى حققوا إسلامهم وصححوا عقيدتهم، وسلموا من الاضطراب في المعتقد؛ فإن الله تعالى سيلقي في قلوب أعدائهم الرعب والخوف؛ تحقيقاً لوعد الله تعالى بنصر نبيه (نصرت بالرعب).
وقوله عليه السلام (مسيرة شهر) يعني إذا هم بغزو قوم وبينه وبينهم مسيرة شهر على الأقدام وعلى الرواحل؛ فإن أولئك الأعداء يخافونه وبينهم وبينه هذه المسافة، ولا يصبرون على مقابلته، وكذلك يكون حالهم مع أتباعه.
- الخصلة الثانية : وهي جواز التيمم والصلاة في عموم الأرض ، قوله عليه الصلاة والسلام  (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). قوله عليه الصلاة والسلام  (وجعلت لي الأرض) يعني وجه الأرض قوله (مسجداً) المسجد هو الموضع الصالح للسجود عليه والصلاة فيه. وقوله عليه الصلاة والسلام  (طهوراً) والطهور معناه ما يتطهر به يعني أن الله تعالى فضل هذه الأمة ونبيها بأن أباح لهم أن يصلوا إذا أدركتهم الصلاة في أي بقعة، فقد كان الأمم قبلنا لا يصلون إلا في كنائسهم وصوامعهم وبيعهم ومعابدهم وأديارهم، فلا يصلي أحدهم إلا في ديره الخاص به أو نحو ذلك، ولكن الله تعالى وسع على هذه الأمة، فالمسافر إذا أدركته الصلاة فلا يؤخرها، بل يصليها في أي بقعه من الأرض الطاهرة التي ليس فيها شيء مما نهي عن الصلاة فيه، إذ الأصل أن كل بقعة من الأرض تصلح أن تكون مصلى للمسلم إذا أدركته الصلاة.
والحديث حجة في أن المصلي إذا أدركته الصلاة وليس هناك موضع مخصص له، فإنه يصلي في أي بقعة، أما إذا كان هناك مواضع للصلاة كالمساجد المبنية المهيأة لها، فإن المساجد إنما بنيت لأجل عمارتها بطاعة الله تعالى .
وأما كون الأرض طهوراً فمعناه أن من فقد الماء فإنه يتطهر بالتراب كما في قول الله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } [المائدة 6]، إلى قوله تعالى { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } [المائدة 6].
سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأرض طهوراً؛ لأن التيمم بها يرفع الحدث، والحدث هو ما يقوم بالبدن عند وجود ناقض من النواقض، فإذا انتقض وضوء الإنسان ولم يجد ماءً جاز له أن يتيمم بالتراب، ويقوم ذلك مقام الماء، توسعة من الله تعالى، ولم يكن ذلك في الأمم قبلنا، فإنهم لا يرتفع حدثهم إلا الماء ولا يباح لهم أن يتيمموا بالتراب، فعلم الله المشقة التي تنال الأمة لأجل فقد الماء فأباح لهم أن يتيمموا وأن يحبسوا ما معهم من الماء لطعامهم وشرابهم وغيرها.
ولكن لا ينبغي التساهل في هذا، فإن كثيراً من الناس يتيممون والماء قريب منهم أو معهم، فالماء إنما جعل ليطهر البدن طهارة ظاهرة، والماء لا شك أنه يرفع الأحداث ويزيل الأخباث ويطهر النجاسات، والتراب إنما هو مبيح للصلاة ورافع للحدث رفعاً مؤقتاً بشرط أن لا يوجد ماء؛ لقوله تعالى في الآية الكريمة { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } [المائدة 6]، فإذاً لا يباح التيمم مع وجود الماء أو مع القرب منه أو مع توفره وتيسره.
- الخصلة الثالثة : إباحة الغنائم للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته ، قوله عليه الصلاة والسلام  (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) الغنائم هي غنائم المقاتلين، فإذا قاتل المسلمون أعداءهم وانتصروا عليهم فهربوا وتركوا أموالهم من أمتعة ومدخرات ونحو ذلك، وأخذها المسلمون واستولوا عليها وتقاسموها بينهم، فقد أباحها الله تعالى لهم كما في قوله تعالى { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا } [الأنفال 69] وقوله سبحانه { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شيء } [الأنفال 41] يعني اعلموا أن ما استوليتم عليه من الغنائم { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال 41] فعرف بذلك أن الغنيمة كانت محرمة على الأمم قبلنا، فكانوا إذا غنموا جمعوا الغنيمة، فتنزل عليها نار فتحرقها، أما هذه الأمة فإن الله علم ضعفها فأباح لها التمتع بها والتملك لها.
الخصلة الرابعة: اختصاصه عليه الصلاة والسلام بالشفاعة العظمى يوم القيامة قوله عليه الصلاة والسلام  (وأعطيت الشفاعة) المراد بالشفاعة هنا نوع من أنواع الشفاعة وهي الشفاعة العظمى،  فالنبي صلى الله عليه وسلم له عدة شفاعات كما يقرر ذلك العلماء ، ولكن أكبرها هي الشفاعة التي يتخلى عنها أولو العزم من الرسل حتى تصل إليه صلى الله عليه وسلم، وهي الشفاعة العظمى، وتكون عندما يطول بالناس الموقف فيستشفعون بالأنبياء فيقولون ائتوا آدم، فيقولون يا آدم اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ثم يأتون نوحاً عندما يعتذر آدم، فيقولون له كذلك، ثم يأتون إبراهيم ثم موسى ثم عيسى -هؤلاء هم أولو العزم- ثم يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول (أنا لها). هذه هي الشفاعة العظمى، وفسرت بالمقام المحمود كما في قوله تعالى { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء 7] ولا شك أنها ميزة وفضيلة وخصيصة عظيمة له عليه الصلاة والسلام  يوم القيامة يحمده بها الأولون والآخرون، وهي خصلة من الخصال التي ميزه الله تعالى بها وفضله على غيره من الأنبياء قبله.
الخصلة الخامسة: إرساله وبعثه صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامة وقد سبق لنا أن أفردنا هذه الخصلة بخاصية الشريعة تتصف بالعموم .
-6- الشريعة ليست عقيدة دينية فقط ولانظاماً أخلاقياً فحسب بل هي دين ودولة:
الإسلام ليس عقيدة دينية فقط ولانظاماً أخلاقياً فحسب ، بل هو دين ودولة ، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان ودلالات ، فقد نظمت الشريعة للإنسان المسلم حياته ومعاملاته مع أسرته ومع الناس ، وبينت له سبل النجاح في الحياة ، ودلته على الطريق الذي يؤدي به إلى العيش الهادئ المطمئن ، ففي جانب العبادات بين الدين الحنيف طريقة العبادة لله تعالى ، وأعرب رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن كيفية التعبد لله سبحانه ، أما في جانب التعامل في الحياة العامة فقد رسم لنا القرآن الكريم في شخص رسول الله عليه السلام الحالة التي يجب أن يكون عليها الإنسان المسلم والوجه الصحيح الذي لابد وأن يصبح عليه المسلم الأمر الذي لم يدع جانباً واحداً من جوانب الحياة إلا وكان للإسلام دور رائد فيه .
ومن هنا يحق للإسلام أن يكون دستوراً أزلياً يحكم به ، وتتولى شريعته الفصل بين الناس ، والقضاء بينهم بما أمر الله تعالى ، فمن طلب الهدى من غيره أضله الله ، ومن أراد الفلاح والنجاح بدونه خسر وخاب ، وضل عن الطريق السديد .
وإن لم يكن للإسلام دور في هذا العالم المعاصر ، فلابد أن ننتظر تخبطاً واضطراباً وتيها أكثر مما نعيشه الآن وذلك لأن الله عز وجل قال [ ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ] طه 124.
والحقيقة التي لاجدال فيها أنه لا مجال للمقارنة بين ما جاء من عند الله العليم الحكيم ، وما كان من وضع البشر ، ونتاج عقولهم القاصرة وفهمهم المحدود ، المشوب بشائبة الهوى والشهوة .
ولكننا نقوم بذلك ليستيقن الذين في قلوبهم شك ، ويزداد الذين آمنوا إيماناً بصلاحية الشريعة الإسلامية وتفوقها على جميع القوانين الأرضية الجاهلية يقول تعالى [ أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ] المائدة 50 .
-7- الشريعة الإسلامية جاءت خاتمة وناسخة لجميع الرسالات والشرائع السماوية:
ان هذه الشريعة جاءت خاتمة لجميع الرسالات ، ناسخة لكل الشرائع ، باقية لا يلحقها تغيير ولا تبديل ، فرسول الله عليه السلام هو خاتم الأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات و شريعته خاتمة الشرائع ، ومن منزلة هذه الأمة وكرامتها أن الأمم السابقة كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي كما قال صلى الله عليه وسلم، أما هذه الأمة فليس فيها إلا نبي واحد، لكن فيها طائفة منصورة إلى قيام الساعة.
ويصور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ختم رسالته للرسالات السابقة ، وكيف أتم البناء الذي تعاقبت عليه رسل الله الكرام ، فيقول  « مثلي ومثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى بيتا ، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به ، ويعجبون له ، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين » صحيح البخاري.
وقد جعل الله شريعة محمد خاتمة الشرائع ، ورسالته خاتمة الرسالات ، لأن فيها الكمال والشمول لما يصلح الناس وأحوال معيشتهم ومعادهم ، فلم يترك صلى الله عليه وسلم خيرا إلا دعا الناس إليه ، أو شرا إلا وحذرهم منه مما يوجب على كل إنسان أن يؤمن به عليه السلام وبما جاء به ويتبعه، ويكون مسلماً ، ولا يقبل الله من أحدٍ شيئا غير ذلك.
حينما نفكر ونتمعن في هذه القضية البدهية فهذا يقودنا إلى هذه النتيجة أن هذه الأمة بل إن البشرية كلها يمكن أن تستقيم على هذا الدين في ظل أي متغير وأي عصر وأي ظرف، وأنه لا يمكن أن يتعارض ذلك مع التقدم العلمي والتقني، وهذا يعني أن المسلمين قادرون على أن يلتزموا بدينهم، وأن يقوموا بهذه الرسالة التي حملهم الله إياها وهم خير أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يقودون البشرية للهداية.
والشريعة الإسلامية ناسخة لكل الشرائع ، باقية لا يلحقها نسخ ولا تغيير ولا تبديل ، وهذا  يستلزم أن تكون نصوص الشريعة وما يؤخذ منها من أحكام وقواعد وأصول على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان ، ويفي بحاجاتهم ولا يضيق بها ولا يتخلف عن أي مستوى عال يبلغه المجتمع ، وهذا هو واقع الشريعة الإسلامية التي جاءت  ناسخة للرسالات السابقة لأنها بلغت ذروة الكمال الذي لا كمال بعده ، فكانت النتيجة المنطقية اللازمة لهذا الكمال أن تنقطع صلة الإنسانية عن سائر الرسالات والنبوات السابقة في طاعتها واتباعها مع الإيمان بأصولها المنزلة لا بما آلت إليه بعد التحريف على يد الأتباع .
فكل ما جاء به الأنبياء السابقون وعرضوه على الإنسانية ودعوها إلى اتباعه ، قد نسخ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وما من شك أن الإيمان بنبوتهم وصدق دعوتهم على وجه الإجمال لازم لا بد منه ، إذ ما كانوا إلا دعاة الى الإسلام ، وما التصديق بدعوتهم إلا تصديق بالإسلام ولكن مع ذلك فقد انقطعت عنهم صلة الإنسانية في طاعتها واتباعها وارتبطت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأسوته الحسنة لأن رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي خاتمة الرسالات؛ ولأن نبوته هي خاتمة النبوات.
-8- صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان :
مصادر الشريعة الإسلامية هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بما تضمناه من نصوص وأحكام ، جاءت على قدر كبير من الدقة في المبادئ العامة والقواعد والضوابط الكلية وما يتفرع عنهما من مصادر وأصول مرتبطة بهما ، مما يجعل هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، تتسع لكل تطور وتتطور الحياة في ظلها بلا أي توقف أو وقوع حرج أو ضيق ، بل إنها تحفظ للإنسان توازنه في بنائه وتكوينه وتلبية مطالب حياته في شكل متكامل واضح ومرن .
وأمور الناس في الحياة إما ثابتة مستقرة لا يتطرق إليها التحول أو التغيير باختلاف الزمان أو المكان ، وإما أمور قابلة للتغير والتبدل ، وتختلف النظرة إليها من وقت لآخر ، وتختلف فيها الأفهام ، وهذا يحتاج إلى ضبط وتقييد يتسع لكل المتغيرات والظروف ، ويحفظ فيها الحق وحسن الأداء تحت كل الظروف والمتغيرات .
وتبعا لهذه الأمور الموجودة في الحياة جاءت نصوص الشريعة على ضربين متمايزين ينتهيان إلى مصب واحد وهو جلب المصالح للعباد ودفع الضرر عنهم في كل زمان ومكان .
- أما الضرب الأول من النصوص: فإنها جاءت أحكامها نصية لا مجال للاجتهاد فيها ، وقد شملت أقساما من أحكام الدين وأصول التعامل لأن هذه الأحكام لا تتغير ولا تتبدل مع اختلاف الزمان أو المكان ، وهذا واضح في مجال العقيدة وتوحيد الله وإخلاص العمل له سبحانه، لأن الإنسان يحتاج إلى هذه العقيدة كحاجته إلى الطعام والشراب وقد فطر على ذلك ، والألوهية ومقتضياتها لا تتغير ولا تتبدل لا باختلاف الزمان ولا المكان .
  وكذلك جاءت أحكام الشريعة في قواعد الأخلاق ومحاسن العادات والآداب على اختلافها إذ هي أمور تظل مطلوبة ومحمودة في كل الظروف والأحوال .
كما أن لبعض المعاملات التي تتصل بعلاقات الأفراد في محيط الأسرة وأحكام النكاح والطلاق والحضانة وغيرها صيغة استقرار ، كلها جاءت أحكامها تفصيلية لأنها لا يختلف الحكم فيها باختلاف الزمان أو المكان .
والميراث هو الآخر قد تولى الله بيانه بنفسه سبحانه ، فأعطى كل ذي حق حقه بلا ظلم ولا شطط ، ولم يترك فيه مجالا لمجتهد إلا في مسائل فرعية بسيطة نادرة الوجود ، فجاءت النصوص في هذه الأحكام كلها نصية من كتاب الله .
وكذا تحريم بعض المعاملات كالربا وبيع ما لا يجوز بيعه ومنع الضرر والجهالة في المعاملات .
كما شملت العقوبات كلها مثل عقوبة الردة عن الإسلام ، وعقوبة الزنا ، وعقوبة السرقة ،وعقوبة القصاص في النفس وما دونها ، وعقوبة القذف ، وعقوبة قطع الطريق ، وعقوبة شرب الخمر .
- أما الضرب الثاني من الأحكام الشرعية: فقد جاءت على شكل قواعد وأصول ومبادئ عامة فيها مجال لاجتهاد المجتهدين ، وفي ذلك غاية التكريم للعقل الذي ميز الله به الإنسان ودعا إلى استخدامه في إطار العقيدة السليمة والقيم الإسلامية الأصيلة التي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان والمكان ، ولكي يكون الاجتهاد أصيلا لا تعبث به الأهواء والغايات ، فإنه ينبغي ألا يتعرض له ويمارسه إلا القادرون عليه ، وهم أولئك الذين توفرت فيهم شروط الأهلية لمثل هذا العمل .
- ولتأكيد صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان تطبيقهاعلى أرض الواقع لقرون طويلة ، فالفقه الإسلامى بجميع أحكامه قد عاش قرونا طويلة متلاحقة متتابعة، الأمر الذى لم يظفر به ولا بما يقرب منه أى تشريع فى العالم لا فى القديم ولا فى الحديث. وقد انتشرفي الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوب، ولاقى مختلف العادات والتقاليد، وتقلب فى جميع البيئات وعاصر الرخاء والشدة، والسيادة والاستعباد، والحضارة والتخلف، وواجه الأحداث فى جميع هذه الأطوار فكانت له ثروة فقهية ضخمة لا مثيل لها، وفيه يجد كل بلد أيسر حل لمشاكله، وقد حكم فى أزهى العصور فما قصرعن الحاجة، ولا قعد عن الوفاء بأى مطلب، ولا تخلف بأهله فى أى حين.
ولا يمكن لأي منصف يعرف الشريعة الإسلامية ومراميها وأحكامها أن يقول بعدم صلاحيتها لكل زمان ومكان ، أو أن يصغي  لسماع أقوال المستشرقين الحاقدين الذين يريدون عزل هذا الدين عن الحياة وفصل هذه الأمة عن تاريخها وعقيدتها ومعقد عزها ومصدر أمنها وسعادتها .
وما آلت إليه الأجيال المتأخرة هو بسبب تساهل أهلها في حمل أعباء هذه الرسالة وتقاعسهم عن القيام بالواجب نحوها ، لذا فقد حل بها من الضعف والهوان ما لا يقدر على رفعه الا الله سبحانه .
ولا شك أن المستقبل لهذا الدين ، ولكن متى عمل أتباعه على نصرة دين الله والإلتزام بالعقيدة السمحة والأحكام الشرعية، وصدق الله إذ يقول { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } سورة النور الآية 55.
-9- الشريعة تهدف الى التيسير:
اليسر صفة أساسية في دين الإسلام وشريعته ، والتيسير مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، يدل على هذا الأصل آيات كثيرة في كتاب الله تعالى ، وأحاديث نبوية صحيحة ، كما أن الأمة أجمعت على ذلك ، فمن القرآن قوله تعالى " هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم "  سورة الحج الآية 78  قال ابن عباس إنما ذلك سعة الإسلام وما جعل الله فيه من التوبة والكفارات، ومنه قوله تعالى " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " سورة البقرة الآية 185  وقوله سبحانه " يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا " سورة النساء الآية 28 ، وقوله تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به "  سورة البقرة الآية 286  ومنها ما امتن الله تعالى به في سياق بيان بعض الأحكام الفرعية من أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها كقوله تعالى " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "  سورة الأعراف الآية 42  وقوله جل وعلا " لا تكلف نفس إلا وسعها "  سورة البقرة الآية 233  وقوله " لا نكلف نفسا إلا وسعها "  سورة الأنعام الآية 152 .
وقد تكرر في القرآن أنه يستثني من نصوص التكليف الصور التي فيها عسر فييسرها ، من ذلك أن الله تعالى أذن للولي في مخالطة اليتيم في النفقة بعد أن نهى عن أكل أموالهم وأمر بإصلاحها فقال " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير "  سورة البقرة الآية 220  ثم قال تعالى " وإن تخالطوهم فإخوانكم "  سورة البقرة الآية 220  فأذن في المخالطة ، لأن في عزل نفقة اليتيم وحده عسرا على الولي . والمخالطة أن يأخذ من مال اليتيم بقدر ما يرى أنه كافيه ، بالتحري ، فيجعله مع نفقة أهله ، مع أن بعضهم قد يأكل أكثر من بعض فلا يكون ذلك إصلاحا ، ثم قال تعالى " ولو شاء الله لأعنتكم " سورة البقرة الآية 220 أي بإيجاب عزل نفقة اليتيم وحدها ليأمن الولي من أكله أو أهله شيئا منها ، ودلت الآية على أن المشقة على هذه الأمة ليست مرادة لله تعالى . (انظر تفسير القرطبي سورة البقرة الآية 220 )
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة أخرجه أحمد ، أي السهلة اللينة ، وقوله صلى الله عليه وسلم " إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" أخرجه البخاري ، وقوله "إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره " أخرجه أحمد .
ويستأنس لذلك بما روي عن الصحابة والتابعين في هذا الباب ، كقول ابن مسعود رضي الله عنه " إياكم والتنطع ، إياكم والتعمق ، وعليكم بالعتيق - أي الأمر القديم - ، الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه " وقول إبراهيم النخعي رضي الله عنه " إذا تخالجك أمران فظن أن أحبهما إلى الله أيسرهما " .
وقد علم في مواضع كثيرة من السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفادى ما يكون سببا لتكاليف قد تشق على المسلمين ، وكان يتجنب أن يصنع شيئا يكون فيه مشقة على أصحابه إذا اقتدوا به فيه ، كما قال تعالى " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " . سورة التوبة / 128 
فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يحث أصحابه على ترك السؤال لئلا تفرض عليهم فرائض بسبب سؤالهم . فقد سأله رجل عن الحج . أفي كل عام هو ؟ فقال لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ، ذروني ما تركتكم .(أخرجه ابن ماجه)
وقال عليه السلام لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة  أخرجه البخاري . وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب اليسر على الناس (أخرجه البخاري)  .
وقالت عائشة خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي وهو مسرور طيب النفس ثم رجع إلي وهو كئيب ، فقال إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن دخلتها إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي (أخرجه أحمد) وقال عليه السلام لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية قط (أخرجه البخاري) .
ويؤكد ذلك الإجماع على عدم قصد المشقة والعنت في التكليف ، وأن الشريعة وضعت على قصد الرفق والتيسير ، وعلى هذا لم يزل أهل العلم والفتيا في الأمة على طلب اليسر على الناس ، قال الشاطبي "إن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه "ج2 ص121.
وقدعلل الشاطبي رحمه الله اتصاف الشريعة باليسر في مقصد وضع الشريعة للتكليف بأمور أهمها:
1-  خوف الإنقطاع عن التكاليف .
2-  خوف التقصير عند تعددها إما عنها وإما عن غيرها.
3-  للمداومة على الأعمال والتوازن في آداء الواجبات.
-10- الشريعة تهدف الى رفع الحرج:
رفع الحرج هو إزالة ما في التكليف الشاق من المشقة برفع التكليف من أصله أو بتخفيفه أو بالتخيير فيه ، أو بأن يجعل له مخرج، فالحرج والمشقة مترادفان ، ورفع الحرج لا يكون إلا بعد الشدة خلافا للتيسير ، والفقهاء والأصوليون قد يطلقون عليه أيضا " دفع الحرج " " ونفي الحرج". (انظرأحكام القرآن لابن العربي 2 / 302 و فواتح الرحموت 1 / 156).
ورفع الحرج مقصد من مقاصد الشريعة وأصل من أصولها ، فإن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالمشاق وقد دلت على ذلك مجموعة من الأدلة منها قوله  تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج " سورة الحج 78 ، وقوله تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " سورة البقرة 286 ، وقوله تعالى " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم " سورة المائدة 6 ، وقوله تعالى " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "  سورة البقرة  185 ، وقوله تعالى " يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا "  سورة النساء 28 .  
ومن السنة قول النبي عليه السلام " بعثت بالحنيفية السمحة " أخرجه ابن سعد في الطبقات ، وحديث عائشة " ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما " أخرجه البخاري .
- وانعقد الإجماع على عدم وقوع الحرج في التكليف ، وهو يدل على عدم قصد الشارع إليه ، ولو كان واقعا لحصل في الشريعة التناقض والاختلاف ، وذلك منفي عنها ، فإنه إذا كان وضع الشريعة على قصد المشقة ، وقد ثبت أنها موضوعة على قصد الرفق والتيسير ، كان الجمع بينهما تناقضا واختلافا ، وهي منزهة عن ذلك.
- ثم ما ثبت أيضا من مشروعية الرخص ، وهو أمر مقطوع به ، ومما علم من دين بالضرورة ، كرخص القصر ، والفطر ، والجمع ، وتناول المحرمات في الاضطرار ،  فإن هذا يدل قطعا على مطلق رفع الحرج والمشقة .
- وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكلف في الانقطاع عن دوام الأعمال ، ولو كان الشارع قاصدا للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف ، ولأجل ذلك لم يجب شيء من الأحكام على الصبي العاقل لقصور البدن ، أولقصور العقل ، ولا على المعتوه البالغ لقصور العقل . ولم يجب قضاء الصلاة في الحيض والنفاس ، وانتفى الإثم في خطأ المجتهد ، وكذا في النسيان والإكراه ، قال الشاطبي " إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع". (انظرالموافقات 1 / 340 ).
-11- الشريعة تتصف بالتدرج في التشريع:
  اتبع الشارع الحكيم منهج التدرج في التشريع للتغلب على الموروثات التي تعود الناس عليها وهي خاصية تتميز بها الشريعة عن القانون الوضعي ، يوضح هذه الحكمة ما رُوِي عن عائشة رضي الله عنها قالت إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المُفصَّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدًا" أخرجه البخاري.
ومن أمثلة ذلك التدرج في تحريم الخمر:
-  فقد نزل قوله تعالى " وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ "  النحل 67 ، في مقام الامتنان بنعمه سبحانه وإذا كان المراد بالسُّكْر ما يُسْكِر من الخمر، وبالرزق ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب وهذا ما عليه جمهور المفسرين فإن وصف الرزق بأنه حسن دون وصف السُّكْر يُشعر بمدح الرزق والثناء عليه وحده دون السُّكْر.
- ثم نزل قوله تعالى " يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا " البقرة 219 ، فقارنت الآية بين منافع الخمر فيما يصدر عن شربها من نشوة أو يترتب على الاتجار بها من ربح، ومضارها في إثم تعاطيها وما ينشأ عنه من ضرر في الجسم، وفساد في العقل، وضياع للمال وإثارة لبواعث الفجور والعصيان، ونفَّرت الآية منها بترجيح المضار على المنافع.
- ثم نزل قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى" النساء 43 ، فاقتضى هذا الامتناع عن شرب الخمر في الأوقات التي يستمر تأثيرها إلى وقت الصلاة، حيث جاء النهي عن قربان الصلاة في حال السُّكْر حتى يزول عنهم أثره ويعلموا ما يقولونه في صلاتهم.
- ثم نزل قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ " المائدة 90، 91. فكان هذا تحريمًا قاطعًا للخمر في الأوقات كلها.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال « كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة ، فكان خمرهم يومئذٍ الفضيخ ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي ألا إن الخمر قد حرّمت ، قال  فَجَرَت في كل سكك المدينة ، فقال لي أبو طلحة اخرج فأهرقها ، فخرجت فأهرقتها ، فجرت في سكك المدينة ... » صحيح البخاري.
فهل رأت البشرية مثل هذا انتصاراً على النفس ، وسرعة في الاستجابة ، وقوة في الانقياد للأمر مهما يكن مخالفاً للعادات ، مصادماً للشهوات ؟ ولو وازنَّا هذا النصر المبين في محاربة الخمر ، والقضاء عليها في المجتمع الإسلامي ، بالإخفاق الذريع الذي منيت به الولايات المتحدة الأمريكية ، حين أرادت يوماً أن تحارب الخمر بالقوانين ، لعرفنا أن البشر لا يصلحهم إلا تشريع السماء الذي يعتمد على الضمير والإيمان قبل الاعتماد على القوة والسلطان .
-12 الجزاء على مخالفة الشريعة يرتبط بالدنيا والاخرة وليس بالدنيا فقط  كما هو حال القانون الوضعي:
ان الشريعة الإسلامية ترتكز على الوازع الديني والضمير الإنساني الذي يحمل على طاعتها والالتزام بها حيثما كان الإنسان ، ولو كان بعيداً عن أعين الناس ، أو في مكان يرى أهله جواز ما حرمه الله ؛ لأن صاحب هذه الشريعة هو الله سبحانه الرقيب على عباده ، الحفيظ عليهم ، المحيط بهم ، الذي لا تخفى عليه خافية من أمرهم ، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، يعلم سرهم ونجواهم ، ويعلم ما توسوس به نفوسهم ، وما يخطر في قلوبهم ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهم يخضعون لهذه الشريعة طاعةً لله ، وطلباً لثوابه ومرضاته . ومن كان بإمكانه منهم أن يرتكب جريمة ، ويتفادى العقوبة الدنيوية ؛ فإنه لا يقدم على ذلك حذراً من العقوبة الأخروية ، وخوفاً من سخط الله ونقمته في الدنيا والآخرة . وكل هذا مما يدعو إلى قلة الجرائم ، وحفظ الأمن والنظام .
بخلاف القوانين الوضعية التي لا يملك واضعها من أمر الحياة الأخرى شيئاً ؛ ولهذا فليس لها في نفوس من تطبق عليهم ما يحملهم على طاعتها ، وهم لا يطيعونها إلا بقدر ما يخشون من الوقوع تحت طائلتها . ومن استطاع أن يرتكب جريمة ما وهو آمنٌ من سطوة القانون فليس ثمة ما يمنعه من ارتكابها من خُلُق أودين .
كما أن التحايل على القوانين أمر ميسور ، وتطويع نصوصها للأهواء مستطاع ، والهرب من عقوباتها ليس بالشيء العسير . ولذلك تزداد الجرائم زيادة مضطردة في كل البلاد التي تطبق هذه القوانين ، ويكثر المجرمون في الطبقات العليا تبعاً لزيادة الفساد الخلقي في هذه الطبقات ، وتوفر الإمكانيات لها ، ولمقدرة أفرادها على التهرب من طائلة القانون والإفلات منه .
-13- العقوبات الشرعية تحقق العدل بين الجاني والمجني عليه :
ان العقوبات الشرعية تحقق العدل بين الجاني والمجني عليه ، وتجعل الجزاء من جنس العمل ، فتشفي صدر المجني عليه ، وتحفظ له حقه ، وتنتزع من نفسه حب الثأر والانتقام ، والشعور بالظلم والهضم .
فقد كان من حكمة الله تعالى ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض ، في النفوس والأبدان ، والأعراض ، والأموال ،كالقتل والجراح والقذف والسرقة ؛ فأحْكَمَ سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام ، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر ، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع ، فلم يشرع في القذف قطع اللسان، ولا في الزنا القتل ، ولا في السرقة إعدام النفس ، وإنما شرع لهم في ذلك ما تقتضيه حكمته ورحمته وعدله سبحانه، ليزول الغل من النفوس، وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان . وهذا ما تفتقده القوانين الوضعية التي تغلب مصلحة الجاني والشفقة عليه ، وإهمال مصلحة المجني عليه ، وبخسه حقه ، وعدم إنصافه ممن جنى عليه . وهذا من شأنه أن يجرئ الجاني ، ويجعله يسترسل في الإجرام والعدوان ، ويملأ نفس المجني عليه بالحقد والضغينة ، ويحمله على الثأر والانتقام.
-14- العقوبات الشرعية فرضت لصالح الفرد والجماعة :
ان كل عقوبة من العقوبات الشرعية فُرضت لصالح الفرد كشخصية مستقلة ، ولصالحه كذلك وهو عضو في الجماعة مع غيره من الأفراد . وحين يحس الفرد أن هذا هو الهدف المقصود من وراء القيد المفروض ، وأنه إذْ يقف في طريق بعض شهواته لكيلا يؤذي غيره من الأفراد ، يحميه كذلك في نفس الوقت من شهوات غيره أن تمتد إليه بالإيذاء ، بل يحميه من شهوات نفسه أن تقوده إلى الدمار والفناء . حين يحس بهذا لا تتدمر نفسه من هذه العقوبات ، ولا يتمنى زوالها ، ولا يعمل على تجاوزها ، ولا تكون العلاقة بينه وبين المجتمع هي علاقة الكراهية والتصارع ؛ لأن المجتمع في هذه الحالة لن يكون هو الغول المفترس الذي يتربص بالفرد ليسحقه ويحطم كيانه ، وإنما هو الصديق الحازم الذي يمنعه من الإضرار بنفسه أو بغيره ، ويعمل على تقويمه وتهذيب أخلاقه وسلوكه .
-15- الشريعة تهدف الى منع الجريمة قبل حدوثها:
ان الشريعة الإسلامية تعمل جاهدة على منع الجريمة قبل حدوثها ؛ وذلك عن طريق الوسائل التربوية والوقائية . فإذا وقعت عملت على معالجتها بما يزيل الآثار ويمنع من التكرار . فهي تربي المسلم بحيث يكون وقّافاً عند حدود الله ، مسارعاً إلى إجابة أوامره ، مجتنباً لمحارمه . كما تعمل على إشباع حاجاته الفطرية ، وتوفير الكفاية له ، بحيث يستغني بما أباح الله له عما حرم عليه . ثم إذا وقعت الجريمة  بعد ذلك  أوقعت العقوبة على مرتكبها ، باعتبارها ضرورة لمعالجة الشاذين والمنحرفين الذين لا يمكن أن يخلو منهم الواقع الإنساني .
أما القوانين الوضعية ، فإنها تهتم بمعالجة الجريمة بعد أن تقع أكثر من اهتمامها بمنع وقوعها . فهي ترفع العصا ابتداءً لردع الأفراد عن الجرائم ، وليس لديها ما تعطيهم لضبط سلوكهم ، وتربية الرقابة الذاتية في نفوسهم .
-16-الشريعة تهدف الى جلب المصلحة ودرء المفسدة:
ان الشريعة الإسلامية شاملة كاملة ، وافية بمصالح العباد في المعاش والمعاد ، خالية من التناقض والاختلاف ، ومن معاندة الفطرة ، أو مصادمة سنن الله في الكون والحياة ؛ لأنها من عند الله العليم الحكيم الذي أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً ، والذي يملك الدنيا والآخرة ، والكون والحياة ؛ والإنسان ، ويعلم ما كان وما يكون ، [ أَلاَيَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ]  الملك  14  ؛ ولهذا فإنه  تبارك وتعالى لا يخبط كالبشر في تيه التجارب بحثاً عن منهج يوافق  ولا يكلف البشر ثمن هذه التجارب القاسية ، حين يخبطون هم في التيه بلا دليل .
أما القوانين الوضعية ، فإنها من صنع البشر . والبشر بطبيعتهم يتناقضون ويختلفون من عصر إلى عصر ، بل في العصر الواحد من زمن إلى آخر ، ومن قطر إلى قطر ، بل في القطر الواحد من إقليم إلى آخر ، وفي الأمة الواحدة من شعب إلى آخر ، وفي الشعب من فئة إلى أخرى ، وفي الفئة الواحدة من فرد إلى آخر ، بل في الفرد الواحد من حالة إلى أخرى ، ومن وقت إلى آخر .
فكثيراً ما رأينا تفكير الفرد في مرحلة الشباب يناقض تفكيره في مرحلة الكهولة ، أو الشيخوخة . وكثيراً ما وجدنا آراءه ساعة الشدة والفقر ، تخالف آراءه في ساعة الرخاء والغنى ؛ فتفكير الإنسان في وضع منهج أو قانون ، غالباً ما يكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لرد فعل ، وانعكاساً لأوضاع آنية وأحوال بيئية ، تؤثر في تصوره للأشياء ، وحكمه على الأمور ، شعر بذلك أو لم يشعر .
فإذا كانت هذه هي طبيعة العقل البشري ، وضرورة تأثره بالزمان والمكان والأحوال ، فكيف نتصور براءته من التناقض والاختلاف ، فيما يضعه من مناهج للحياة ؟ إن التناقض والاختلاف لازمة من لوازمه بلا شك ولا ريب ، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله تعالى [ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ] ( النساء : 82 ).
ومن ثم كان القانون الوضعي عرضة للتغير والتطور ، كلما تطورت الجماعة إلى درجة لم تكن متوقعة ، أو جدّت حالات لم تكن منتظرة ، أو تبين خللٌ لم يكن في الحسبان ؛ فالقانون ناقص دائماً ، ومتقلب كثيراً ، ولا يمكن أن يقترب من الكمال ما دام صانعه لا يمكن أن يوصف بالكمال ، ولا يمكنه أن يعرف ما في الغد ، وإن كان قد يعرف بعض ما في الأمس واليوم.
هذا على خلاف الأحكام الشرعية المحافظة على المصالح الكلية التي أجمعت الشرائع على وجوب حفظها ، والتي هي الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ؛ فقد قررت الشريعة لحفظها عقوبات مقدرة هي عقوبات الحدود والقصاص ، وشددت فيها العقوبة ، ولم تجعل للحاكم سلطاناً في العفو عنها أو النقص منها . وعلة التشديد أن هذه الجرائم تهدد المصالح الضرورية التي لا تستقيم الحياة بدونها ولا غنى للناس عنها ؛ فالتساهل فيها يؤدي إلى انتشار الجرائم ، وتحلل الأخلاق ، وفساد المجتمع واختلال أمنه ونظامه . والتشدد فيها قصد منه المحافظة على المصالح الضرورية ، والإبقاء على الأخلاق ، وحفظ الأمن والنظام ، أو بتعبير آخر قصد به مصلحة الجماعة ، فلا عجب أن تُهمل شخصية الجاني ، ويضحَّى بمصلحته في سبيل مصلحة الجماعة .
-17- الشريعة تهدف الى منع الضرر :
تستمد هذه الخاصية مشروعيتها من قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجه في سننه ، وفيه نفيُ الضرر والإضرار في أحكام الشرع ، فدلّ على مقصد من مقاصد الشريعة في الأحكام ، وقد جاء منع الضرر في أبواب متعددة من الدين فقال جل وعلا مثلا، في موضوع العلاقة الزوجية " وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا "[البقرة231]، وقال في الرضاعة " لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ "[البقرة 233]، وقال جل وعلا في الوصية " مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ "[النساء 12] فنفي الضرر الى جانب كونه مرتبط بالأحكام الشرعية ، مطلوب في المعاملات  بين العباد؛ بحيث لا يجوز لهم أن يسعوا في الضرر، ولا في الضرار؛ لأن هذا منفي شرعا.
وترجع هذه الخاصية كذلك إلى دليل شرعي آخر هو المصلحة؛ لأن المصلحة كما تكون بجلب المنافع تكون بدرء المفاسد، ودفع المضرة والنهي عن الوقوع فيها هو المصلحة بعينها، واليسر بذاته، إلا أن الأضرار تتفاوت قدراً وأثراً، فيوازن بينها عند التعارض والتزاحم، ويدفع الأعلى بالأدنى.
وقد منعت الشريعة الضرر في جميع أشكاله وصوره عن الناس ، محققة بذلك عظيم النفع وكبير الفائدة للمسلمين ، فلا يجوز للإنسان أن يلحق الضرر بنفسه ولا بغيره ، كما لا يجوز أن يقابل الضرر بفعل ما يضر بغيره .
-18- الشريعة تمجد العقل:
جاءت الشريعة الإسلامية ممجدة ومحررة للعقل من الأوهام والخرافات، داعية إلى نبذ كل ما لا يقبله العقل. فهي تحث على التفكير في كل شئ والتأمل فيه ، فإن آمن به العقل كان محل إيمان، وإن كفر به كان محل كفران، فلا تسمح الشريعة للإنسان أن يؤمن بشيء إلا بعد أن يفكر فيه ويعقله، ولا تبيح له أن يقول مقالاً أو أن يفعل فعلاً إلا بعد أن يفكر ويعقل ما يقول ويفعل.
ولقد قامت الدعوة الإسلامية نفسها على أساس العقل، فالقرآن يعتمد في إثبات وجود الله، ويعتمد في إقناع الناس بالإسلام، ويعتمد في حملهم على الإيمان بالله ورسوله وكتابه اعتماداً أساسياً على استثارة تفكير الناس وإيقاظ عقولهم، ويدعوهم بشتى الوسائل إلى التفكير في خلق السماوات والأرض وفي خلق أنفسهم وفي غير ذلك من المخلوقات، ويدعوهم إلى التفكير فيما تقع عليه أبصارهم وما تسمعه آذانهم؛ ليصلوا من وراء ذلك كله إلى معرفة الخالق، وليستطيعوا التمييز بين الحق والباطل.
ونصوص القرآن التي تحض على استخدام العقل وتحرير الفكر لا تعد كثرة منها قوله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة 164]، وقوله سبحانه {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ 46] وقوله تعالى {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الروم 8]، وقوله سبحانه {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس 101]، وقوله تعالى {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ* فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق 5 - 7]، وقوله سبحانه {أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية 17 - 20]، وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق 37]، وقوله تعالى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران 7].
ويعيب القرآن على الناس أن يلغوا عقولهم، ويعطلوا تفكيرهم، ويقلدوا غيرهم، ويؤمنوا بالخرافات والأوهام، ويتمسكوا بالعادات والتقاليد دون تفكير فيما يتركون وما يدعون، وينكر عليهم ذلك كله، ويصف من كانوا على هذه الشاكلة بأنهم كالأنعام بل أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنهم يتبعون غيرهم دون تفكير ولا يحكمون عقولهم فيما يعملون أو يقولون أو يسمعون، ولأن العقل هو الميزة الوحيدة التي ميز الله بها الإنسان على غيره من المخلوقات، فإذا ألغى عقله أو عطل فكره تساوى بالأنعام بل كان أضل منها.
ونصوص القرآن صريحة في تقرير هذه المعاني، من ذلك قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة 170 - 171]، وقوله سبحانه {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج 46]، وقوله تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف 179].
وللإنسان أن يفكر فيما شاء كما يشاء وهو آمن من التعرض للعقاب على هذا التفكير ولو فكر في إتيان أعمال تحرمها الشريعة، والعلة في ذلك أن الشريعة لا تعاقب الإنسان على أحاديث نفسه، ولا تؤاخذه على ما يفكر فيه من قول أو فعل محرم، وإنما تؤاخذه على ما أتاه من قول أو فعل محرم، وذلك معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم" صحيح البخاري .
-19- الشريعة تهدف الى حرية الاعتقاد:
الشريعة الإسلامية هي أول شريعة أباحت حرية الاعتقاد وعملت على صيانة هذه الحرية وحمايتها إلى آخر الحدود، فلكل إنسان طبقاً للشريعة الإسلامية أن يعتنق من العقائد ما شاء، وليس لأحد أن يحمله على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها أو يمنعه من إظهار عقيدته.
وقد كانت الشريعة الإسلامية عملية حين قررت حرية العقيدة، فلم تكتف بإعلان هذه الحرية وإنما اتخذت لحمايتها طريقين:
- أولاهما: إلزام الناس أن يحترموا حق الغير في اعتقاد ما يشاء وفي تركه يعمل طبقاً لعقيدته، فليس لأحد أن يكره آخر على اعتناق عقيدة ما أو ترك أخرى، ومن كان يعارض آخر في اعتقاده فعليه أن يقنعه بالحسنى، ويبين له وجه الخطأ فيما يعتقد، فإن قبل أن يغير عقيدته عن اقتناع فليس عليهما حرج، وإن لم يقبل فلا يجوز إكراهه ولا الضغط عليه، ولا التأثير عليه بما يحمله على تغيير عقيدته وهو غير راضٍ، ويكفي صاحب العقيدة المضادة أنه أدى واجبه؛ فبين الخطأ، وأرشد إلى الحق، ولم يقصر في إرشاد خصمه وهدايته إلى الصراط المستقيم. وهذا ما يؤكده بوضوح قول تعالى لرسوله {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة 256]، وقوله سبحانه {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس 99]، وقوله عز وجل {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية 21 - 22]، وقوله جل وعلا {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} النور 54.
- ثانيهما: إلزام صاحب العقيدة نفسه أن يعمل على حماية عقيدته، وأن لا يقف موقفاً سلبياً، فإذا عجز عن حماية نفسه تحتم عليه أن يهاجر من هذه البلدة التي لا تحترم فيها عقيدته، الى بلدة يمكنه فيها إعلان ما يعتقد، فإن لم يهاجر وهو قادر على الهجرة فقد ظلم نفسه قبل أن يظلمه غيره، وارتكب إثماً عظيماً، وحقت عليه كلمة العذاب، أما إذا كان عاجزاً عن الهجرة فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وهذا ما يؤكده القرآن بصراحة في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء 97 - 99].
وقد بلغت الشريعة الإسلامية غاية السمو حينما قررت حرية العقيدة للناس عامة مسلمين وغير مسلمين، فتكفلت بحماية هذه الحرية لغير المسلمين في بلاد الإسلام، حيث يستطيع غير المسلم في أي بلد إسلامي أن يعلن عن دينه ومذهبه وعقيدته، وأن يباشر طقوسه الدينية، وأن يقيم المعابد والمدارس لإقامة دينه ودراسته دون حرج عليه، فلليهود في البلاد الإسلامية عقائدهم ومعابدهم وهم يتعبدون علناً وبطريقة رسمية، ولهم مدارسهم التي يعلمون فيها دينهم ، ولهم أن يكتبوا ما يشاءون عن عقيدتهم وأن يقارنوا بينها وبين غيرها من العقائد ويفضلوها عليها في حدود النظام العام والآداب والأخلاق الفاضلة، وكذلك حال المسيحيين مع اختلاف مذاهبهم وتعددها، فلكل أصحاب مذهب كنائسهم ومدارسهم، وهم يباشرون عباداتهم علناً، ويعلمون عقائدهم في مدارسهم، ويكتبون عنها وينشرون ما يكتبون في البلاد الإسلامية.
-20- الشريعة تهدف الى تحقيق العدل :
قرر الإسلام ضرورة إقامة العدل في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مثل قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } سورة النساء الآية 135 ، وقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } سورة المائدة الآية 8 ، فهذا المبدأ مبدأ شرعي عظيم به تتحقق مصالح الخلق وتنتظم الحياة ، وتنفيذ هذا المبدأ واجب ولكن طرائق تنظيمات الجهات التي تقوم على تحقيق العدل قد تختلف من زمان إلى آخر ومن مكان إلى غيره وفي ذلك متسع ، وعلى المجتهدين أن يبذلوا ما في وسعهم للوصول إلى تحقيق العدل بين الناس وفق شريعة الله وعلى هديه .
-21- الشريعة تهدف الى تحقيق الشورى في الحكم :
قرر الإسلام ضرورة إقامة الشورى في الحكم قال تعالى { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } سورة الشورى الآية 38 وقوله تعالى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِِ } سورة آل عمران الآية 159 ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم  في منزله في غزوة بدر وسؤاله لأصحابه وقول الحباب بن المنذر لما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم ببدر أهذا منزل أنزلك الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل هي المشورة والحرب والمكيدة ، فأشار الحباب بن المنذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنزل ، فرحل ونزل على رأي أصحابه في بدر وكذا الحال في أسرى بدر فإنه صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه فيهم كما استشار أصحابه في كثير من أمور الحرب والسلم مثل غزوة الأحزاب وغيرها فكان مبدأ الشورى إسلاميا يلزم الأخذ به للنصوص الشرعية فيه وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم به مع أصحابه ولكن الناس يجتهدون في الطريقة التي تتحقق بها طريقة الشورى وصيغتها وأساليبها وتنظيماتها .
-22- الشريعة تهدف الى تحقيق المساواة :
المساواة بين الناس خاصية من الخصائص الإسلامية التي قررها الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصدق تطبيق لهذا المبدأ العظيم ، فإن الحاكم هو الله في كل شأن من شئون الحياة ، والخلق كلهم أمام حكم الله سواء ، لا فرق بين كبير وصغير ولا بين رئيس ومرءوس ، ولا بين قريب أو بعيد ، فالكل أمام الشريعة سواء ، الحكم في كل شأن من شئونهم لله وحده ، والعلماء ورثة الأنبياء وهم أولى الناس بالخشية من الله وإنفاذ حكمه على الوجه الذي يرضيه ومجالات هذه المساواة وطريقة تحقيقها ، وإن اختلف الناس فيها فإنه مبدأ صالح لكل زمان ومكان ويتسع لكل تطور وتقدم وتحقيقه هدف من أهداف الشريعة.
وقد قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } سورة الحجرات الآية 13 ، وقال صلى الله عليه وسلم « كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى » مسند أحمد بن حنبل.
-23- ارتباط الأحكام الشرعية بالأخلاق:
ان الشريعة الإسلامية تهتم بحماية الأخلاق الفاضلة ، وتكوين الإنسان الصالح عقيدة وسلوكا،ً ومن ثم تضمنت مجموعة من العقوبات ضد كل ما يخدش الحياء ، ويمس الأخلاق الفاضلة ؛ تستوي في ذلك حالة الرضا وحالة الغضب ؛ لأن عاقبة ذلك مضرة بالفرد والمجتمع ، والتراضي بين الطرفين لا يجعل الفاسد صالحاً ، ولا يحل ما حرم الله .
أما القوانين الوضعية فلا تعير الجانب الخلقي أية أهمية ، ولا تعاقب منتهكه بأية عقوبة ، إلا إذا أخل بالأمن والنظام ، وكان في فعله إضرار مباشر ببعض الأفراد . وما عدا ذلك فهو حرية شخصية ، ولو كان من أكبر الكبائر وأنكرالفواحش ؛ فهي لا تعاقب على الزنى إلا إذا كان عن إكراه ، ولا تعاقب على شرب المسكر ، إلا إذا وجد السكران في الطريق العام في حالة سكر بيّن ؛ فالعقاب على وجوده في حالة سكر في الطريق العام ؛ لأن وجوده في هذه الحال يعرّض الناس لأذاه واعتدائه ، وليس العقاب على السكر لذاته باعتباره رذيلة ، ومدمراً للعقل والصحة والأخلاق.
- المميزات الأساسية للشريعة الإسلامية :
نستنتج من دراستنا لأهم خصائص الشريعة الإسلامية أن هذه الشريعة السمحة تتميز بمميزات أساسية أهمها:
-1- كمال الشريعة : أي أنها استكملت كل ما تحتاجه الشريعة الكاملة من قواعد ومبادئ ونظريات، وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد.
-2- سموالشريعة : أي أن قواعدها ومبادئها أسمى ما يمكن أن يصلح حال الفرد والجماعة ؛ وأن فيها من المبادئ والنظريات ما يحفظ لها هذا المستوى السامي مهما ارتفع مستوى الجماعة.
-3- دوام الشريعة : تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالدوام؛ أي بالثبات والاستقرار، فنصوصها القطعية ومبادؤها الأساسية لا تقبل التبديل ولا التأويل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان، وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان. ( انظر موقع الموسوعة الشاملة الإصدارالأخير ).
والحمد لله رب العالمين
==========================
- فهرس الموضوعات:
- مفهوم الشريعة والفقه والفرق بينهما.
- أهم خصائص الشريعة الإسلامية:
-1- الشريعة ربانية المصدر.
-2- الشريعة تتصف بالعموم.
-3- الشريعة تتصف بالواقعية.
-4- الشريعة تتصف بالشمول.
-5- اختصاص الشريعة الإسلامية ببعض الأحكام.
-6- الشريعة ليست عقيدة دينية فقط ولانظاماً أخلاقياً فحسب بل هي دين ودولة.
-7- الشريعة الإسلامية جاءت خاتمة وناسخة لجميع الرسالات والشرائع السماوية.
-8- صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان.
-9- الشريعة تهدف الى التيسير.
-10- الشريعة تهدف الى رفع الحرج.
-11- الشريعة تتصف بالتدرج في التشريع.
-12 الجزاء على مخالفة الشريعة يرتبط بالدنيا والاخرة وليس بالدنيا فقط  كما هو حال القانون الوضعي.
- 13- العقوبات الشرعية تحقق العدل بين الجاني والمجني عليه.
-14- العقوبات الشرعية فرضت لصالح الفرد والجماعة.
-15- الشريعة تهدف الى منع الجريمة قبل حدوثها.
- 16- الشريعة تهدف الى جلب المصلحة ودرء المفسدة.
-17- الشريعة تهدف الى منع الضرر.
-18- الشريعة تمجد العقل.
-19- الشريعة تهدف الى تحقيق حرية الاعتقاد.
-20- الشريعة تهدف الى تحقيق العدل.
-21- الشريعة تهدف الى تحقيق الشورى في الحكم.
-22- الشريعة تهدف الى تحقيق المساواة.
-23- ارتباط الأحكام الشرعية بالأخلاق.
- المميزات الأساسية للشريعة الإسلامي:
-1- كمال الشريعة.
-2- سموالشريعة.
-3- دوام الشريعة.
- المصادر والمراجع:
- الخصائص العامّة للإسلام ليوسف القرضاوي.
- خصائص الشريعة الإسلامية لفريد عبد القادر.
- مبادئ الإسلام لأبي الأعلى المودودي.
- الإنسان بين المادية والإسلام لمحمد قطب.
- التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادرعودة.
- خصائص التصور الإسلامي لسيد قطب.
- الثبات والشمول في الشريعة  لعابد السفياني.
- المدخل إلى الشريعة والفقه الإسلامي لعمر سليمان الأشقر.
- الوسطيَّة في الإسلام لفريد عبد القادر.
-  ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لأبي الحسن الندوي.
- الإسلام وحاجة الإنسانية إليه لمحمد يوسف موسى.
- وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية لمناع القطان.
- أثر تطبيق الحدود في المجتمع لغزال خليل عيد.
- الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه لعبد القادر عودة.
- الإسلام عقيدة وشريعة لمحمود شلتوت.
- روح الدين الإسلامي لعفيف طبارة.
- العقوبة لأبي زهرة.
- الجريمة لأبي زهرة.
- لائحة الأقراص المدمجة:
- مكتبة التفسير شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان.
- مكتبة التفسير وعلوم القرآن إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المكتبة الألفية للسنة النبوية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة الأجزاء الحديثة إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المحدث تصميم وإدارة طلبة دار الحديث النبوي الشريف سابقا " مدرسة" واشنطن أمريكا.
- مكتبة الفقه وأصوله إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفقه وأصوله موسوعة علماء الإسلام الدكتور يوسف القرضاوي المركز الهندسي للأبحاث التطبيقية RDI  .
- موسوعة الفقه الإسلامي وأصوله إعداد قسم البرمجة دار الفكر دمشق سوريا.
- مكتبة الفقه الإسلامي شركة العريس للكمبيوتر بيروت. لبنان.
- الموسوعة الميسرة في الفقه وعلومه إنتاج برمجيات ضاد. المملكة العربية السعودية.
- مؤلفات شيـخ الإسلام بن تيمية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية عبد اللطيف للمعلومات.
- مؤلفات العالم الرباني ابن قيم الجوزية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة شيـخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- العلوم الإسلامية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- موسوعة طالب العلم الشرعي إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الإسلامية المعاصرة Microteam Software
- مكتبة المعاجم والغريب والمصطلحات إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- جامع معاجم اللغة شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان
- المكتبة الشاملة الإصدار الأول والثاني والتحديث الأخير المبثوثة على شبكة الأنترنيت ws. WWW.shamela
وصلى الله وسلم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

© 2012 .

bottom of page