top of page

الإجتهاد الفقهي المعاصر

بسم الله الرحمان الرحيم
- مفهوم الاجتهاد الفقهي المعاصر:
يمكن تعريف الاجتهاد الفقهي المعاصر باعتبارين:
1- الإعتبار المركب:
يعرف الاجتهاد الفقهي المعاصر بهذا الإعتبار من خلال تعريف مكونات إسمه:
1-1-الإجتهاد: لغة هو بذل الجهد والطاقة في تحقيق أمر يستلزم كلفة ومشقة (انظر المفردات في غريب القرآن للأصفهاني مادة جهد والتعريفات للجرجاني 10). وفي الاصطلاح عرفه الشاطبي رحمه الله بقوله "استفراغ الوسع وإبلاغ الجهد في طلب مقصد الشارع المتحد" . (انظر الموافقات للشاطبي ج4 ص 113-128) وعرف بأنه " بذل الجهد واستفراغ الوسع في إستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية "
1-2- الفقهي: من الفقه وهو لغة العلم والفهم واختلف العلماء فيه فمنهم من قال هو الفهم مطلقا ، ومنهم من قال بأنه هو الفهم الدقيق العميق النافذ إلى جوهر الأشياء وحقيقتها وهو ما تؤيده النصوص. واصطلاحا: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
1-3- المعاصر: أي الذي يرتبط بعصرنا الحاضر.
2- الاعتبار اللقبي:
يمكن تعريف الاجتهاد الفقهي المعاصر من خلال هذا الإعتبار بكونه هو " بذل الجهد واستفراغ الوسع في استنباط الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بعصرنا الحاضر من أدلتها التفصيلية "
- هل نحن بحاجة الى إجتهاد فقهي معاصر؟
انقسم العلماء حول هذا الموضوع على مذهبين هما:
1- مذهب يرى أصحابه ضرورة الإجتهاد في عصرنا الحاضر لمعرفة حكم الله في النوازل والمستجدات التي لاحكم لها من النصوص الشرعية : وبذلك فهو عندهم فرض كفاية به  قوام الدين والدنيا ولايجوز للمسلمين أن يتخلوا عنه، ولهذا المذهب أصل عند الحنابلة ومن وافقهم حيث ذهبوا الى عدم جواز خلو عصر من العصور من مجتهد يرجع الناس اليه فيما يلم بهم من نوازل فيفتيهم بحكم الشرع الذي يستنبطه من الأدلة التفصيلية وهذا هو المذهب الراجح والذي تؤيده الأدلة والله أعلم .  
2- المذهب الثاني ويرى أصحابه أننا لسنا بحاجة الى إجتهاد فقهي معاصر: وقد اختلف أصحاب هذا المذهب حول سبب ذلك:
- فمنهم من يرى أنه ما من مسألة إلا وجدنا عند الأقدمين مثلها لأنهم إجتهدوا لواقعهم وافترضوا لما قد يتوقع فلم نعد محتاجين الى أن ننشئ اجتهادا بعد هؤلاء الأفداد ، فما علينا إلا أن نرجع الى كتبهم وننقب في أحشائها لنجد فيها ضالتنا إما بالنص أو القياس أو التخريج، ولهذا المذهب أصل عند من يقول بغلق باب الإجتهاد وهي مقولة يكذبها المنقول والمعقول والتاريخ والواقع ، ومن ذا الذي يملك إغلاق باب فتحه الله ورسوله ؟.
- ومنهم من يرى أنه لابد قبل الإجتهاد الفقهي لواقعنا المعاصر من تمكين العقيدة من نفوس الناس لأن المجتمع الإسلامي الحالي يعيش جاهلية يرفض معها حاكمية الله سبحانه وتعالى ولايعترف بمنهجه ضابطا للحياة ، ومقتضى هذا أنه ليس بمجتمع مسلم ومن ثم كان التفكير في البحث عن حلول لمشكلاته القائمة والمتجددة عبثا أوهزلا وهذا هو رأي الشهيد سيد قطب رحمه الله في كتابيه " معالم في الطريق " و " الإسلام ومشكلات الحضارة " وقد أبطل هذه الدعوى الدكتور القرضاوي في كتابه " الإجتهاد المعاصر بين الإنضباط والإنفراط "من الصفحة 101 الى 131 مبينا أن ما دفع الشهيد سيد قطب رحمه الله الى ذلك هو الوضع الذي كان يعيشه والظروف التي كان يمر بها.
وبذلك يتبين أن هذا المذهب مرجوح كيفما كان السبب الذي يدعيه أصحابه لأنه يتعارض مع الفهم الصحيح  للأدلة الشرعية والله أعلم .    
- أنواع الإجتهاد الفقهي المعاصر:
للإجتهاد الفقهي المعاصر أنوع ثلاثة هي:
1- الإجتهاد الإنتقائي:
وهو إختيار أحد الآراء المنقولة في تراثنا الفقهي العريض للفتوى أو القضاء به ترجيحا له على غيره من الآراء والأقوال الأخرى ، فالثروة الفقهية التي يمتلكها المسلمون غزيرة جدا والمجمع عليه منها قليل بالنسبة للمختلف فيه ، لذا يجب عند الإجتهاد الإنتقائي لواقعنا من المذاهب الفقهية المعتبرة  أن يوازن العلماء بين الأقوال بعضها البعض ويراجعوا ما استندت إليه من أدلة نصية أوإجتهادية ليختاروا ما يروه أقوى حجة وأرجح دليلا وفق معايير الترجيح وذلك بأن يكون أليق بأهل عصرنا وأرأف بالناس وأقرب الى يسر الشريعة وأولى بتحقيق المقاصد الشرعية ومصالح الخلق ودرء المفاسد عنهم، مثال ذلك حكم قتل المكره ( بفتح الراء) هل يوجب القصاص؟ اختلف العلماء في ذلك على أقوال هي:
- أن القصاص على من يباشر القتل وهو في هذه الصورة المكره ( بفتح الراء) .
- أن القصاص على من أكرهه على القتل (المكره بكسرالراء)  لأنه هو الذي تسبب في الجناية.
- أن القصاص عليهما معا الأول (المكره بفتح الراء) بمباشرته للقتل والثاني (المكره بكسرالراء)  باكراهه المباشر للقتل على جنايته.
- أنه لا قصاص على كل منهما لأن جنايتهما لم تكتمل أركانها.
يجوز لنا في دائرة هذا الإختلاف الفقهي أن ننتقي رأيا نرجحه يتناسب مع الواقع ، وهذا ما يؤدي الى اختلاف ترجيحات العلماء نتيجة اختلاف آراء الفقهاء الواردة في النازلة وهو ما يؤدي الى تحقيق الرحمة للأمة. (انظر الإجتهاد المعاصر بين الإنضباط والإنفراط  للقرضاوي 20 والإجتهاد في الشريعة الإسلامي للنفس المؤلف 115)
- عوامل مؤثرة في الإجتهاد الإنتقائي المعاصر:
هناك عوامل جدت في عصرنا ينبغي أن يكون لها تأثيرها القوي في الإنتقاء والترجيح بين الآراء المنقولة من تراثنا الفقهي أهمها:
1- التغيرات الإجتماعية والسياسية المحلية والعالمية : من ذلك مثلا عدم جواز إجبار الأب لإبنته البالغة الرشيدة على الزواج بمن يريد هو خلافا لما ذهب اليه الشافعية والمالكية ومعظم الحنابلة بناء على أن الأب أعلم بمصلحة ابنته وذلك للظروف الإجتماعية الحديثة التي هيأت للمرأة ظروف التعلم والإطلاع على شؤون الحياة والمجتمع.
2- معارف العصر وعلومه :  من ذلك مثلا عدم جواز القول بأن أقصى مدة يمكثها الجنين في بطن الأم هي سنتين أو أربع سنوات أو خمس سنوات خلافا لما ذهب إليه الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية بناء على أن معارف العصر وعلومه تؤكد أن أقصى الحمل تسعة أشهر وهو مذهب ابن حزم .
3- ضرورات العصر وحاجاته : مثلا القول بجواز سفر المرأة بغير محرم مع موافقة زوجها أو أهلها اذا توفرت شروط الأمن والطمأنينة عليها كما هو قول ابن حزم خلافا لما ذهب اليه كثير من الفقهاء القدامى الذين قالوا بعدم جواز ذلك خوفا على المرأة بناء على ضرورات العصر وحاجاته التي تفرض على المجتهد المعاصر الإتجاه الى التيسير والتخفيف عملا بقول الله تعالى " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " البقرة 185 . (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي من 120 الى126) 
2- الإجتهاد الإنشائي:
وهو استنباط حكم جديد في مسألة من المسائل لم يقل به أحد من السابقين سواء كانت المسألة قديمة أو جديدة . وأكثر ما يكون فيه الإجتهاد الإنشائي هي المسائل الجديدة التي لم يعرفها السابقون ولم تكن في زمانهم أو عرفوها في صورة مصغرة بحيث لا تكون مشكلة ولا تدفع الفقيه الى البحث عن حل لها باجتهاد جديد ، كما قد يشمل الإجتهاد الإنشائي بعض المسائل القديمة بأن يبدوا للمجتهد المعاصر فيها رأي جديد لم ينقل عن علماء السلف ، وهذا جائز عند العلماء مادامت المسألة إجتهادية ، وبهذا يمكن تقسيم الإجتهاد الإنشائي الى نوعين .( انظر الإجتهاد المعاصر بين الإنضباط والإنفراط  للقرضاوي32- 33 )
- أنواع الإجتهاد الإنشائي:
1- الإجتهاد الإنشائي المرتبط بالمسائل الإجتهادية القديمة:
يمكن للإجتهاد الإنشائي أن يرتبط بالمسائل الإجتهادية القديمة التي للفقهاء فيها أكثر من قول والتي يبدو للمجتهد المعاصر فيها رأي جديد لم ينقل عن علماء السلف لأنه لاحجر على فضل الله تعالى ، من ذلك ما ذهب اليه اليه القرضاوي في زكاة الأرض المستأجرة بأن يزكي المستأجر على الزرع والثمر الذي يحصل عليه من الأرض اذا بلغ النصاب مع خصم مقدار أجرة الأرض التي يدفعها للمالك ، ويزكي المؤجر على ما يقبضه من أجرة الأرض اذا بلغ النصاب مع خصم ما يدفعه من ضرائب على أرضه ، وبذلك يزكي كل منهما على ما وصل اليه من مال عن طريق الأرض خلافا لما ذهب اليه الفقهاء القدامى حيث قال اكثرهم بأن زكاة الزروع والثمار على المستأجر، وقال ابوحنيفة على المالك المؤجر . (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي 126-127)
2 - الإجتهاد الإنشائي في المسائل الجديدة التي لم يعرفها السابقون:
اكثر ما يكون الإجتهاد الإنشائي في المسائل الجديدة التي لم يعرفها السابقون ولم تكن في أزمنتهم ، من ذلك ما ذهب اليه الشيخ محمد بخيت المطيعي من جواز التصوير الفوتوغرافي لإنتفاء علة التحريم التي هي مضاهاة خلق الله ، لأن هذا التصوير هو انعكاس للصورة على الورق كما تنعكس الصورة في المرآة وهذه الصورة هي التي استطاع الإنسان أن يثبتها بوسائط حديثة على الورق .( انظر رسالة القول الكافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي لمحمد بخيت المطيعي )
3- الإجتهاد الجامع بين الإنتقاء والإنشاء:
وهو الإجتهاد الذي يختار من أقوال العلماء القدامى ما يراه أوفق وأرجح للواقع المعاصر ويضيف إليه عناصر اجتهادية جديدة ، من ذلك القول بالوصية الواجبة أخدا بمذهب ابن حزم في كتابه المحلى (ج9/381) بناء على مصلحة أولاد الأبناء والبنات الذين يموت آباؤهم اوامهاتهم في حياة أجدادهم وهذه المصلحة  معتبرة عند التحقيق ، فالأخذ بمذهب ابن حزم خلافا  لجمهور العلماء هو انتقاء والإستناد للمصلحة المرسلة لذى عامة الفقهاء هوالعنصر الجديد المضاف الى هذا الاجتهاد,
- صور الإجتهاد الفقهي المعاصر:
يتجلى الإجتهاد الفقهي المعاصر في صور أهمها ثلاثة هي:
1- الإجتهاد في صورة التقنين:
ظهر الإجتهاد الفقهي المعاصر جليا في عدد من التقنينات الحديثة بعد أن كان إما اجتهادا انتقائيا من المذاهب الفقهية المشهورة أواجتهادا إنشائيا في بعض المسائل الجديدة وقد انطلق ذلك مع أواخر القرن الثالث عشر الهجري حيث جمعت الحكومة العثمانية طائفة من كبار علمائها وكلفتهم بوضع تشريع في المعاملات المدنية يكون مأخذه من الفقه الاسلامي ولو من غير المذاهب المعروفة متى كان الحكم المأخوذ يتمشى وروح العصر . وقد اجتمع هؤلاء العلماء وسنوا القانون الذي سمي ( مجلة الاحكام العدلية) في سنة 1286هـ وصدر مرسوم العمل به في سنة 1292 هـ
-وفي مصر خطت الحكومة في سنة 1920 م أولى خطواتها وأصدرت القانون رقم 25 لسنة 1920 الذي اشتمل على بعض الأحكام في الاحوال الشخصية تخالف مذهب ابي حنيفة ولكنها لم تخرج عن مذاهب الائمة الاربعة .
-واصدرت العديد من الدول الإسلامية قوانين الاحوال الشخصية التي لم تخرج في الغالب عن المذاهب الفقهية الأربعة .
وما يميز هذا الإجتهاد هو انفتاحه على المذاهب الفقهية المعتبرة دون الإقتصار على مذهب الواحد،  لأن الإقتصار على المذهب الواحد غالبا لا يخلو من عنت أو تضييق على الناس أو يكون على خلاف الأقوى والأرجح ، وفي الإنفتاح على المذاهب المعتبرة ما هو اصح  وأولى بالإعتبار عند الموازنة بين الآراء كما يقرر العلماء. (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي 134/135)
2- الإجتهاد في صورة الفتوى:
يتجلى الإجتهاد الفقهي المعاصر كذلك في صورة الفتوى ولها أشكال عديدة منها:
- فتاوى الجهات الرسمية المكلفة بالإفتاء .
- فتاوى المجامع والهيئات الشرعية.
-  الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية.
- فتاوى بعض العلماء الذين يلجأ إليهم جمهور المسلمين لإستفتائهم في القضايا العامة والخاصة .
- فتاوى المجلات والدوريات الشرعية .
وما  يميز هذه الصورة من الإجتهادات هو أن معظمها من قبيل الإجتهاد الجزئي الذي لا تشترط  فيه شروط الإجتهاد المطلق ، وما يتوصل اليه هذا الإجتهاد يمكن أن يكون انتقاء  لرأي من الآراء القديمة المنقولة أو اجتهادا إنشائيا مبتكرا.
3- الإجتهاد في صورة البحث او الدراسة:
يتجلى الإجتهاد الفقهي المعاصر كذلك في صورة البحث او الدراسة ولها أشكال عديدة منها:
- الكتب العلمية لذوي الإختصاص من العلماء .
- ما يقدم من بحوث ودراسات في المؤتمرات العلمية المتخصصة .
- ما يقدم من رسائل وأطروحات في أقسام الدراسات العليا  المتخصصة بالجامعات .
- ما ينشر من بحوث في المجلات العلمية الرصينة .
- ما ينشر في الموسوعات الفقهية من ذلك:
    - موسوعة الفقه الإسلامي الصادرة عن كلية الشريعة بدمشق سنة 1956.
    - فهرس ابن عابدين لأحمد مهدي خضر سنة 1963.
    - معجم فقه ابن حزم الظاهري الصادر عن كلية الشريعة بدمشق سنة 1966.
    - موسوعة عبد الناصر الصادرة عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.
    - معجم الفقه الحنبلي الصادر عن وزارة الأوقاف الكويتية.
    - الموسوعة الفقهية الكويتية الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية.
وما  يميز هذه الصورة من الإجتهادات هو أن معظمها من قبيل الإجتهاد الجزئي الذي لا تشترط  فيه شروط الإجتهاد المطلق ، وما يتوصل اليه هذا الإجتهاد يمكن أن يكون انتقاء  لرأي من الآراء القديمة المنقولة أو اجتهادا إنشائيا مبتكرا.
- المدارس الكبرى للإجتهاد الفقهي المعاصر:
إذا نظرنا الى اتجاهات الإجتهاد الفقهي المعاصر يمكننا القول بأنها تنقسم الى مدارس ثلاثة:
1- المدرسة المتميزة بالتضييق والتشديد: ويتميزأصحاب هذه المدرسة بعدم الإطلاع على إختلاف الفقهاء ومداركهم في الإستنباط ، ولايكادون يهتمون بمقاصد الشريعة وتعليل الأحكام ورعاية المصالح وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال ، فتجدهم يحرمون الكثير من المستجدات تحت ذرائع متعددة وكأن الأصل في المعاملات الحظرإلا ما أفتى السابقون بإباحته ، وهؤلاء يقسمهم الشيخ القرضاوي الى:
1-1- أتباع المدرسة المذهبية : وهم الذين اذا سئلوا عن معاملة جديدة بحثوا لها عن نظير في كتب المذهب أو المذاهب المتبوعة ، فإذا لم يجدوا لها نظيرا أفتوا بمنعها مثال ذلك القول بعدم وجوب الزكاة في الخضراوات والفواكه عند المالكية وان تجاوزت قيمتها الملايين ، قال مالك رحمه الله ” فَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ وَلَا فِي أَثْمَانِهَا ، حَتَّى يَحُولَ عَلَى أَثْمَانِهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ تُقْبَضُ أَثْمَانُهَا“ (انظر المدونة 2/ 228) ، وأما الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في الخضراوات صدقة" فضعيف الإسناد لا يُحتج بمثله فضلاً عن أن يُخصص به عموم القرآن والأحاديث المشهورة .(انظر تعليق الحافظ في التلخيص ص179، وفتح القدير لابن الهمام: 2/3- وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/68-69 عن طلحة مرفوعًا، وقال: "زاده الطبراني في الأوسط ، وفيه الحارث بن نبهان، وهو متروك، وقد وثقه ابن عدي" ، وقد رواه الترمذي ثم قال: إسناد هذا الحديث ليس بصحيح، فلا يصح في هذا الباب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم . انظركتاب الزكاة - باب "ما جاء في زكاة الخضراوات"، وصحيح الترمذي بشرح ابن العربي ص132،133).
1-2- أتباع المدرسة الظاهرية الحديثة : ومعظم هؤلاء يشتغلون بالحديث ولم يتمرسوا بالفقه وأصوله فهم يتوقفون عند ظواهر النصوص ولاينفتحون على المقاصد الشرعية وعلل الأحكام ، لذلك تجد آراءهم تتسم بالتضييق والتشدد ، مثال ذلك الإفتاء بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة وإن بلغت النصاب لعدم صحة حديث خاص عندهم في وجوب الزكاة فيها غافلين عن النصوص العامة ومقاصد الشريعة في الزكاة.
2- المدرسة المتميزة بالتوسع: ويتميز أصحاب هذه المدرسة بالمبالغة في التوسع ولوعلى حساب النصوص الشرعية واكثر أصحاب هذه المدرسة من غير ذوي الإختصاص في الدراسات الشرعية يستندون في منحاهم هذا إما الى:
- تأويل مردود لبعض إجتهادات الصحابة كعمر بن الخطاب رضي الله عنه في سهم المؤلفة قلوبهم وقسمة أرض سواد العراق وحد السرقة عام المجاعة.
- أو الى بعض التخريجات و التبريرات التي ليس لها دليل يؤيدها.
وهؤلاء يقسمهم الشيخ القرضاوي الى:        
2-1- أتباع المدرسة الطوفية – نسبة الى نجم الدين الطوفي (ت 716) الذين يقدمون المصلحة على النص عند تعارضهما ، والحق أن النصوص الصحيحة لا يمكن أن تتعارض مع المصلحة الحقيقية التي تقرها العقول السوية كما يقرر ذلك الواقع ، مثال ذلك القول بجواز الإفطار في نهار رمضان تحقيقا لمصلحة النمو الإقتصادي في نظرهم ، خلافا لما يقرره الشرع.
2-2- أتباع مدرسة تبرير الواقع : ويتوسع هؤلاء في تبرير الواقع وإضفاء الشرعية عليه وذلك على حساب الشريعة ارضاءا للعامة أو الحكام أو تحت تأثير الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية أو حبا في الظهور والشهرة ، مثال ذلك القول بجواز التعامل بالربا تحقيقا لمصلحة النمو الإقتصادي في نظرهم ، خلافا لما يقرره الشرع.
3- المدرسة المتميزة بالتوازن والوسطية: ويتميز أصحاب هذه المدرسة بالجمع بين النصوص ورعاية المقاصد الشرعية،  وبين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، وهذا هو الإتجاه السليم الذي يمثل الحق ويتسم بالوسطية التي لاغلو فيها ولاتفريط  والتي تميز شريعة الإسلام يقول الله سبحانه وتعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " البقرة 143 ، مثال ذلك القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة وفي الخضروات والفواكه إن بلغت النصاب اعتارا للنصوص العامة الواردة في موضوع الزكاة ومقاصد الشريعة وقول بعض العلماء في الموضوع . ( انظر الإجتهاد المعاصر بين الإنضباط والإنفراط  للقرضاوي من 88 الى 91  والإجتهاد في الشريعة الإسلامي للنفس المؤلف 174)
- ضوابط الإجتهاد الفقهي المعاصر.
لقبول الإجتهاد الفقهي المعاصر يجب عليه أن يخضع لمجموعة من الضوابط الشرعية أهمها :
1- استفراغ الوسع عند ممارسة الإجتهاد:
لممارسة الإجتهاد لابد من بذل أقصى الجهد في تتبع الأدلة والبحث عنها في مظانها وبيان منزلتها والموازنة بينها اذا تعارضت وذلك بالإستفادة مما توصل إليه علماء الأصول ، فما يفتي به المتسرعون الذين تجرأوا على النصوص الشرعية أوما يخالف الإجماع أوالمعلوم من الدين بالضرورة لايعد اجتهادا ولايجوز قبوله ، كالقول بجواز التبرع بالأعضاء البشرية في حالة موت الدماغ  دون التعمق في الإطلاع على بحوث المتخصصين من الأطباء الذين قالوا بأن موت الدماغ لايتحقق به موت الإنسان.
2- لا إجتهاد في الأحكام القطعية:
لا سبيل للإجتهاد فيما دليله قطعيا لأن مجال الإجتهاد هي الأحكام الظنية ، وبهذا لايجوز أن ننساق وراء المتلاعبين الذين يريدون تحويل المحكمات الى متشابهات والقطعيات الى ظنيات لأنه اذا أصبحت هذه التوابث موضع خلاف وتنازع لم يعد تمة مرجع يعول عليه ولا معيار يحتكم إليه ، كالقول بحرمة زواج المسلم بأكثر من زوجة واحدة وإن توفرت شروط التعدد المقررة شرعا بحجة اختلاف الواقع.
3- لايجوز جعل الظنيات قطعيات:
يجب أن تظل مراتب الأحكام كما حاءتنا عن الشارع الحكيم القطعي قطعيا والظني ظنيا ، لأن في تغيير ذلك قلب للحقائق وتزييف للواقع الذي عليه الشرع ، والإنسياق وراء تغيير هذه الحقائق يحول دون وجود المقاصد الشرعية بل يؤدي الى نقيضها وهذا أمر مرفوض شرعا ، كالقول بعدم جواز إحرام الحاج أوالمعتمرمن التنعيم بالنسبة للمقيم بمكة باعتبارأن ذلك خاص بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأن « عائشة رضي الله عنها لما ألحت على النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر عمرة مفردة بعد أن حجت معه قارنة أمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب معها إلى التنعيم لتحرم منه بعمرة »  سنن أبي داود 4607 والحق - والله أعلم - أن القول بعدم جواز إحرام الحاج أوالمعتمر بعد إقامته في مكة المكرمة من التنعيم غير مقطوع به ، وترخيص النبي عليه السلام بذلك لم يخصه بعائشة رضي الله عنها ، وهذا ما يؤكده علماء المذاهب الاربعة الذين يجيزون ذلك. (انظر كتب فقه المذاهب الأربعة)
4- لايجوز ادعاء الإجماع فيما ثبت فيه الخلاف:
من المقرر عند العلماء أن حجية دليل الإجماع ليست موضع إجماع ، فلا يجوز أن يشهر سيف الإجماع في وجه كل مجتهد فيما ثبت فيه الخلاف ولم ينقل فيه الإجماع بشكل صريح صحيح ، كقول القرافي (684ه) رحمه الله في كتابه ” شرح تنقيح الفصول “ في باب النسخ : ” يجوز عندنا نسخ الكتاب بالكتاب وعند الأكثرين، والسنة المتواترة بمثلها، والآحاد بمثلها وبالكتاب والسنة المتواترة إجماعاً ” . والحق - والله أعلم - أن مسألة نسخ الآحاد بالآحاد، والآحاد بالمتواتر فالإجماع فيهما مسلَّم، وأما مسألة نسخ الآحاد بالكتاب فالمصنف نفسه قرَّر فيها خلاف الشافعي وبعض أصحابه، فليست مسألة إجماعية.(انظر كتاب شرح تنقيح الفصول للقراقي دراسة وتحقيق ناصر بن علي الغامدي ج120/1)
5- الجمع بين الحديث والفقه عند المجتهد:
أغلب المشتغلين بالحديث لايهتمون كثيرا بالدراسات الفقهية والأصولية ولايتعمقون في الوقوف على علل الأحكام ومقاصد الشريعة وقواعدها ، وفي مقابل هؤلاء نجد في أغلب المشتغلين بالفقه وأصوله ضعفا في الحديث وعلومه ورجاله ، مما يجعلهم يستدلون أحيانا بالأحاديث الضعيفة والواهية التي لا أصل لها ويردون بعض الأحاديث الصحيحة أو المتفق عليها ، وهذا يستدعي الجمع بين الفقه والحديث وأن تزول الفجوة بينهما لمن أراد أن يمارس الإجتهاد، كالقول بعدم وجوب الزكاة في النقود الورقية المتداولة اليوم لأن النقود الشرعية التي تجب فيها الزكاة والتي وردت فيها الأحاديث هي الذهب والفضة وعلى هذا لا تجري الربا في النقود الورقية كذلك ، وهذا مخالفا لما يقرره الفقهاء ويتوافق مع مقاصد الشريعة.
6- عدم الوقوع تحت ضغط الواقع:
ينبغي للإجتهاد الفقهي المعاصر أن لايقع تحت ضغط الواقع القائم في مجتمعاتنا من ضعف وتفكك وتمكن عدوهم منهم ، لأن الإسلام لم يصنع هذا الواقع ولم يصنعه المسلمون بارادتهم ، فليس معنى عدم إغفال الواقع في الإجتهاد الفقهي المعاصر تبرير هذا الواقع ولي أعناق النصوص لتأييده وافتعال الفتاوى لإضفاء الشرعية على وجوده فهذا غير مقبول شرعا ، كالخضوع للعهود والمواثيق الدولية القاضية بمساواة المرأة للرجل وهذا مخالف لمقتضيات الشريعة ولايتوافق مع الفطرة.
7- القبول بالجديد النافع:
يجب على الإجتهاد الفقهي المعاصر أن يفرق بينما يحسن اقتباسه وما لايحسن فلا يرفض كل جديد وإن كان نافعا ، ومن هنا يجوز أن نقتبس من أنظمة الشرق والغرب مالايخالف عقيدتنا وشريعتنا مما يحقق المصلحة لمجتمعاتنا كما سبق وأن اقتبس المسلمون في العصور الذهبية من الأمم الأخرى ، كالقول بجواز إجراء العقود بوسائل الإتصال الحديثة كالانترنيت اذا توفرت مجموعة من الشروط  بينها العلماء في مظانها.
8- التفاعل مع روح العصر وحاجاته:
لابد للإجتهاد الفقهي المعاصر من التفاعل مع حاجات العصر ومشاكله التي لم تعرض لمن قبلنا من سلف الأمة وخلفها ، لأن الكثير من اجتهادات السابقين إنما قيلت لزمانهم وليس لزماننا ولوعاشوا واقعنا لرجعوا عن كثير من أقوالهم ، وهذا ما حصل بالفعل لبعض الأئمة المجتهدين كالشافعي رحمه الله وما حصل كذلك لبعض المجتهدين من تلاميذهم الذين خالفوهم لإختلاف أوضاعهم ، مثال ذلك ما روي عن ابن ابي زيد القيرواني الذي اتخد كلبا للحراسة فقيل له كيف تفعل ذلك ومالك رحمه الله يكرهه فقال لو كان مالك في زماننا لإتخذ أسدا ضاريا.
9- فسح الصدر لخطا المجتهد :
لكي ينجح الإجتهاد الفقهي المعاصر في تأدية دوره لابد من أن نتوقع الخطأ من المجتهد ، اذ لاعصمة لغير نبي فلا نشدد النكير على من أخطأ في اجتهاده ونتهمه بالزيغ والمروق وما الى ذلك من النعوت ، لأن شيوع هذا الأسلوب يقتل روح الإجتهاد ، وفي هذا خسارة للفقه والأمة جميعا ، كقول بعض العلماء بعدم جواز  تخصيب البويضة اصطناعيا أوما يعرف بأطفال الأنابيب سدا لذريعة اختلاط الأنساب ، خلافا لما ذهب إليه معظم الفقهاء من القول بجواز ذلك اذا انتفت ذريعة اختلاط الأنساب لأن في ذلك توسعة على الناس وهو أمر مطلوب لقوله تعالى ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ“ الحج 78
- غير أن فسح الصدر لخطا المجتهد  لايكون الا مع من توفر فيه شرطان هما :
1- أن يمتلك أدوات الإجتهاد وتوفرت فيه شروطه. 
2- أن يكون عدلا ملتزما بمقتضيات الشريعة .
فمن توفر فيه هذان الشرطان وأخطأ فهو معذور ومأجور أجرا واحدا على اجتهاده ، اما ادعياء الإجتهاد الذين لايملكون شروطه ولايلتزمون بضوابطه إما طلبا للشهرة أوبغية الوصول الى مصالح دنيوية اواتباعا لشهوة خفية او تأييدا لسلطان جائر او تبريرا لسلوك منحرف او فكر مستورد ، فهذا يجب أن يعزر حفاظا على قداسة الدين وحرمة الشريعة. (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي 178/ 185) 
- أهم أشكال  الاجتهاد الفقهي المعاصر المطلوب:
يمكن القول بأن أهم أشكال  الاجتهاد الفقهي المعاصر نوعان:
1- الاجتهاد المقاصدي:
عرف العلماء الاجتهاد المقاصدي بتعاريف منها:
1 - العمل بمقاصد الشريعة والاتفات إليها والاستدلال بها في عملية الإجتهاد الفقهي.
2- اعتبار المقصد الشرعي بجلب المصلحة ودرء المفسدة ومراعاة  ذلك في عملية استنباط الأحكام .
3- تمكن الفقيه من الاستنباط على ضوء المقصد الذي سيعينه على فهم الحكم وتحديده وتطبيقه.
- ضوابط الاجتهاد المقاصدي : 
المقصود بضوابط الاجتهاد المقاصدي القواعد الكبرى والمبادئ العامة التي تشكل المرجع والإطار العام لاعتبار المقاصد ومراعاتها في عملية الاجتهاد ، فقد راعى العلماء في المصالح المقررة انسجامها وتطابقها مع ما وضعه الشارع من قيود وأدلة على وجودها وشرعيتها فالمصالح والضوابط بذلك متلازمان لايجوز عقلا ولاشرعا الفصل بينهما، فاعتبار المقاصد أوعدمه ثابت بمقتضى مقياس الشرع وميزانه وليس بأمزجة الأهواء والطباع والشهوات قال الشاطبي رحمه الله : " الشريعة جاءت لتخرج الناس من دواعي أهوائهم" الموافقات ج2 - 73.
- أهم الضوابط التي يجب على الاجتهاد المقاصدي أن ينضبط بها هي:
1- انسجام الاجهاد المقاصدي مع المقررات الشرعية واليقينيات الدينية :
المصالح المقررة شرعا متوافقة مع المقررات الشرعية واليقينيات الدينية وهذا يقتضى تناغم الاجتهاد المقاصدي وإنسجامه مع الحقائق المقررة شرعا وعدم معارضته لها من ذلك مثلا:
أ- العبودية لله في كل الأحوال والأوضاع:
مفهوم العبودية أشمل من أن ينحصر في الشعائر الدينية على أهميتها بل هو مفهوم عام ينسحب على كل مناحي الحياة ، يقول جل وعلا " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات 56  ، ويقول تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله وإجتنبوا الطاغوت"النحل 32 ، فيجب على الإجتهاد المقاصدي أن لا يطرأ عليه بمرور الأزمنة وتنامي الحضارات وتعاقب الأمم ما يسلب منه هذه الحقيقة ويقدح في جوهر هذه السمة .
ب- الربط بين الدنيا والآخرة وعدم التفريق بين ما هو مادي وروحي :
 يجب أن تكون المصالح المعتمد عليها في الإجتهاد المقاصدي تراعي العلاقة الوطيدة بين مقصد الشارع وبين ظواهر الأفعال وبواطن النفوس لإن ذلك هو جوهرالإسلام يقول الشاطبي رحمه الله :" المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة شرعا إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الآخرة لا من حيث أهواء النفوس في جلب المصالح العادية أودرء المفاسد العادية " . (الموافقات ج2 – 37-38) 
ج- مبدأ الحاكمية لله تعالى :
  المسلم خاضع في كل أموره وأفعاله بمقتضى إيمانه إلى أحكام الله تعالى فلا يجوز له أن يقع في مخالفتها تحت أي ظرف خاصة إذا تعلق الأمر بالاجتهاد المبني على المقاصد حيث لا يجوز أن يصبح النص تابعا للاجتهاد بدعوى أن هذا الاجتهاد مبني على المقاصد وهذا ما وقع فيه غلاة المؤولين للنصوص الذين يؤولونها بدليل وبغير دليل ويحكمون في ذلك مذاهبهم وآراءهم فيدعون للشارع ما لادليل ولا أساس له من الشرع مما يتعارض مع مقتضى النص ومدلوله ، يقول جل وعلا :" إن الحكم إلا لله أمر أن لاتعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون  "يوسف 40 ، ويقول سبحانه: " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً "النساء 65 . ويقول تعالى:  " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "المائدة 44.
2- عدم معارضة الإجتهاد المقاصدي للنصوص القطعية:
النصوص القطعية الثبوت والدلالة تمثل مرتكزا من مرتكزات الشريعة التي لايمكن للاجتهاد المقاصدي أن يتعارض معها ، فإذا ظهر أن النص القطعي يعارض المصلحة فمرد ذلك الى أمور ذكرها الشيخ ابو زهرة رحمه الله في قوله :" إن المصلحة ثابتة حيث وجد النص فلا يمكن أن تكون هناك مصلحة مؤكدة أوغالبة والنص القاطع يعارضها إنما هي ضلال الفكر أو نزعة الهوى أوغلبة الشهوة أو التأثر بحال عارضة غير دائمة أو منفعة عاجلة سريعة الزوال أو تحقيق منفعة مشكوك في وجودها وهي لا تقف أمام النص الذي جاء من الشارع الحكيم وثبت ثبوتا قطعيا لا مجال للنظر فيه ولا في دلالته" أصول الفقه 294- 295 ويؤكد هذا البوطي بقوله :" ثبت بالدليل الذي لا يقبل الريب أن إجماع الصحابة والتابعين وأئمة الفقه قد تم على أن المصلحة لا يمكن لها أن تعارض كتابا ولا سنة فإن وجد ما يظن أنه مصلحة وقد عارضت أصلا ثابتا من أحدهما فليس ذلك بمصلحة إطلاقا ولا تعتبر بحال " ضوابط المصلحة 193 .
وقد عقد ابن القيم الجوزية فصلا في إعلام الموقعين لتحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص وذكر إجماع العلماء على ذلك ، وهذا على خلاف ما ذهب إليه الطوفي ومن نحا نحوه من المعاصرين ، لذلك لا يجوز أن يتعارض الاجتهاد المقاصدي مع النص القطعي لأنه مبني على المصلحة الظنية وهي مظنونة لا تسمو الى درجة القطعي لتعارضه.
أما النص الظني فيمكن في إطار المعاني التي يحتملها أن نرجح أحد معانيه على الأخرى إذا عضضته المصلحة واستحال الجمع بين معانيه ، ولا يعني ذلك أننا نعارض النص بالمصلحة وإنما هو أخد بأحد دلالات النص لاستحالة الجمع وهو أمر مقرر عند الأصوليين أما معارضة جميع مدلولات النص التي يحتملها بمصلحة ما فهذا لايجوز لأنه أخذ بالاجتهاد في مورد النص وهومرفوض  لأن ذلك كمعارضة النص القطعي بالمصلحة تماما، مثال ذلك معارضة مدلول كلمة قرء الذي هو إما الحيض أوالطهر بمعنى آخر خارج عنهما بدعوى المصلحة ، وأما ما يبين المعاني المحتملة للنص الظني فهو موافقتها للغة اوعرف الاستعمال اوعادة صاحب الشرع كما يقرر ذلك العلماء .
وعلى هذا اذا تعلق الأمر بالنصوص القطعية فانه لا مساغ للإجتهاد في مورد النص كما تقول القاعدة الأصولية أما اذا تعارض نص ظني مع مصلحة حقيقية أو مقاصد الشريعة المعتبرة فيؤخد بالمصلحة القطعية على رأي فقهاء المالكية والحنفية الذين يقولون بتخصيص النص الظني في دلالته أو في ثبوته بالمصلحة إذا كانت تلك المصلحة قطعية ومن جنس المصالح التي أقرتها الشريعة وإذا قام بذلك من هو مؤهل له مما يؤدي الى تخصيص عام القرآن بالمصلحة والى ترك الأخذ بخبر الآحاد اذا عارض المصلحة القطعية ، وهذا في الحقيقة ليس تجاوزا للنص وإنما هو تقديم لما دلت عليه النصوص الكثيرة التي تشهد للمصلحة بالاعتبارعلى ما دل عليه نص واحد – أي تقديم للكثرة النصية على ما دل عليه نص واحد- ومن تطبيقات ذلك تضمين الصناع ما يتلف بأيديهم وقتل الجماعة بالواحد وعدم إيجاب الإرضاع على المرأة الشريفة وجواز شهادة الصبيان في الجراح وجوازالتسعير عند الحاجة ...( انظرمقاصد الشريعة وطرق الإجتهاد في الفقه المالكي لحسين حامد).
3- عدم معارضة الإجتهاد المقاصدي للإجماع القطعي : 
 الإجماع يصنف عند العلماء في إطار الأدلة النقلية وهو ينقسم الى إجماع قولي وإجماع سكوتي ، والقولي عندهم يفيد القطع وهو بذلك في مرتبة لا يجوز للمصلحة الظنية أن تتعارض معه لأنها مظنونة فلا  تسمو الى  درجته لتتعارض معه أوتقدم عليه، مثال ذلك تحريم الجمع بين المرأة وخالتها وتحريم شحم الخنزير وتحريم الجدة كالأم، أما إذا كان الإجماع ظنيا كالإجماع السكوتي عند جمهور العلماء أو الإجماع المبني على أحكام متغيرة بتغير الزمان والمكان والحال أو على مصلحة ظرفية فإنه يمكن تعديله وتغييره بموجب المصلحة كشهادة القريب على قريبه والزوج على زوجته فقد كانت جائزة في عصر السلف الصالح ومنعها الفقهاء بعد ذلك حفاظا على مصلحة ضمان حقوق الناس.
4- عدم معارضة الإجتهاد المقاصدي للقياس الذي نص الشارع على علته تصريحا :
القياس يمكن أن يكون راجعا الى علة مأخوذة من النص الشرعي إما تصريحا أوإيماء أو بالاجتهاد في استنباطها فإذا كان القياس راجعا الى علة منصوص عليها تصريحا فإنه لا يجوز أن يعارضه الاجتهاد المقاصدي لأنه بذلك يتعارض مع علة نص عليها الشارع وهذا لايجوز قال الباجي رحمه الله :" والعلة اذا نص عليها صاحب الشرع فقد نبه على صحتها وألزم إتباعها" إحكام الفصول 757 ، أما إذا كانت علة القياس مختلف حولها سواء كان ذلك الاختلاف راجعا الى إيماء الشارع للعلة أو الى استنباط المجتهدين ففي هذه الحالة يجوز تقديم الاجتهاد المقاصدي على هذا القياس لأنه عبارة عن تعارض بين اجتهادين وهذا جائز عند جمهور العلماء .
5- عدم معارضة الإجتهاد المقاصدي المبني على مصلحة لمصلحة أهم منها أومساوية لها :
إذا عارض الاجتهاد المقاصدي المبني على مصلحة كلية مصلحة كلية أخرى أولى منها كالدين والنفس فإنه لايقبل، وإذا عارض الاجتهاد المقاصدي المبني على مصلحة كلية أو مصلحة عامة أو مصلحة ضرورية أوقطعية إجتهادا آخر مبني على مصلحة جزئية أو خاصة أو حاجية أو تحسينية أوظنية فإنه لايقبل ، مثال ذلك قضية عمل المرأة للمساهمة في زيادة الإنتاج فإنها قضية تتجادبها مصالح متعددة منها مثلا تقوية الإنتاج الإقتصادي وتربية الأبناء ، فإذا ترجح للمجتهد أن تربية الأبناء من حفظ النسل والعقل الذي هو مقدم على تقوية الاقتصاد الذي هو من حفظ المال ، قال بعدم جواز عمل المرأة خاصة في المجالات التي لاتتلاءم مع طبيعتها وبالشكل الذي يؤدي الى الاختلاط وإنتشار الفساد ، باستثناء ما إذا اشتغلت المرأة في المجالات التي تتلاءم مع طبيعتها وتستطيع الجمع فيها بين العمل وتربية أبنائها وصيانة حقوق بيتها وتنمية بلادها وتقدم أمتها وذلك بالضوابط الشرعية التي تضمن الاحتشام والعفة فتتحقق بذلك مصالح المحافظة على النسل والعقل والمال فيجوز بذلك عمل المرأة.
6- أن تكون المصالح المعتمد عليها في الإجتهاد المقاصدي متسمة بالشمولية:
المصالح المقررة شرعا ليست مقتصرة على ناحية دون أخرى بل هي مبثوتة في سائر الأحكام مع تفاوت في ذلك من حيث الظهور والخفاء والقلة والكثرة والقطع والظن وهذا منبثق من شمولية الشريعة لمختلف مناحي الحياة يقول تعالى " ما فرطنا في الكتاب من شئ " الأنعام 38 ويقول جل وعلا " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك" القصص 77 ومن ثم فجميع المجالات لها مقاصدها الشرعية التي يجب على الاجتهاد المقاصدي أن يراعيها عند الاستنباط.
7- أن تكون المصالح المعتمد عليها في الاجتهاد المقاصدي متسمة بالواقعية :
المصالح المقررة شرعا تكتسب واقعيتها من واقعية الشريعة الإسلامية ، والأدلة على ذلك كثيرة تؤكدها شواهد الواقع والتاريخ وأدلة النصوص فهي بذلك مسايرة للواقع الإنساني لذى يجب على الإجتهاد المقاصدي أن يراعي ذلك عند الاستنباط  يقول جل وعلا " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك" القصص 77
  8- أن تكون المصالح المعتمد عليها في الإجتهاد المقاصدي متسمة بالأخلاقية:
المصالح المقررة شرعا تجسد أخلاقية الشريعة وسعيها الى التمكين لمكارم الأخلاق في النفوس يقول الرسول الكريم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ومن هذه الأخلاق العدل والحرية والمساواة والتسامح والأمانة والتعاون والمحبة ، واستهجانها للظلم والخيانة والغدر والاستغلال وذلك على مستوى الظاهر والباطن ومن هنا أبطل الشارع الحيل والذرائع المؤدية الى مخالفة مقاصده ودعا الى تخليص النيات من الشوائب وإستحضار جانب التدين في كل الأعمال وبناء على هذا اشترط العلماء تطابق القصد مع ظاهر العمل حتى يكون العمل صحيحا ديانة وقضاء يحقق مرضاة الله ومصالح الناس ،  فالإجتهاد المقاصدي يجب أن ينضبط لذلك وما تعارض مع هذا الضابط يجب أن لا يعتمده كمصلحة يبنى عليها الإجتهاد المقاصدي.
9- أن تكون المصالح المعتمد عليها في الإجتهاد المقاصدي متسمة بالعقلانية .
المصالح المقررة شرعا جارية وفق ما تقتضيه العقول السليمة والفطرة السوية والأعراف المحمودة فالعقل هو مناط التكليف والخطاب الشرعي إنما يخاطب العقل قال الشاطبي رحمه الله:" إن دليل تطابق النقل للعقل هو كون الأدلة نصبت في الشريعة لتتلقاها العقول وتعمل بمقتضاها … وما قيل من أن الشريعة غير جارية على فهم العقول فهو بعيد النظر والتحقيق مردود وباطل وغير معقول " الموافقات ج3- 37 ،  وقد عقد ابن القيم الجوزية فصلا في إعلام الموقعين لإثبات أن كل ما في الشريعة يوافق العقل ، مثال ذلك المصالح المقترنة بالكليات الخمسة التي تساير مقتضى العقل والمنطق ولا يجحدها
- شروط الاجتهاد المقاصدي :
المقصود بشروط الاجتهاد المقاصدي هي مجموعة الأمورالمتعلقة باللغة والواقع والمجتهد التي يجب مراعاتها عند ممارسة الاجتهاد المقاصدي وأهمها:
  1- الشروط المتعلقة بمعرفة الشرع :
وهي جملة المعطيات الشرعية التي يجب أن يستحضرها المستنبط  مثال ذلك معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول والورود والتدرج الشرعي في بيان الأحكام واهتمام الشريعة بالتيسير ورفع الحرج  كل ذلك وغيره لأن مقاصد النصوص مدارها على محتوى تلك النصوص والأحوال المختصة بها والتي لابد منها في الاجتهاد بهدف الوصول الى المصالح التي تعتمد في الاجتهاد المقاصدي .
2- الشروط المتعلقة بمعرفة اللغة :
وهي جملة المعطيات اللغوية والأصولية التي يجب أن يستحضرها المجتهد في التعامل مع النص وإستخراج علته وحكمته المقترنان بالمصالح المحددة لمقصد الشارع التي يرتكز عليها الاجتهاد المقاصدي، مثال ذلك معرفة أن التوقف عند ظاهر النص هو المطلوب ابتداء ولايعدل عنه إلا بدليل وهذا هو ما يصطلح على تسميته عند العلماء بتأويل النصوص الذي لا يجوز إلا اذا قامت قرينة من الشرع او العقل او اللغة او العرف العام تصرف المعنى عن الظاهر الى مقتضى ما تقتضيه تلك القرينة .
وكذلك معرفة عموم النصوص وخصوصها مطلقها ومقيدها منطوقها ومفهومها حقيقتها ومجازها مشتركها وصيغ النهي والأمر بما تقتضيه اللغة في أصولها دون التأثر بما أضيف اليها مما لا يتوافق معها من طرف المتأخرين ، هذه وغيرها من المباحث اللغوية والأصولية تشكل الأساس الضروري الذي لابد منه في الاجتهاد بهدف الوصول الى المصالح التي تعتمد في الاجتهاد المقاصدي . يقول الشاطبي :" فمن أراد تفهمه – الخطاب الشرعي – فمن جهة لسان العرب يفهم ولا سبيل الى تطلب فهمه من غير هذه الجهة " الموافقات ج2- 65-66.
3- الشروط المتعلقة بمعرفة الواقع :
  يعد فهم الواقع بتشعباته أمرا مهما جدا في عملية الاستنباط عامة والاجتهاد المقاصدي خاصة إذ الحكم على الشئ فرع عن تصوره كما يقررالمناطقة .
والمقصود من معرفة الواقع هو الحكم عليه بالشرع وليس إخضاع الشرع لمقتضى الواقع ، وقد عقد ابن القيم الجوزية في كتابه إعلام الموقعين فصلا لتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والحال ، فالحكم المتغير بتغير الأحوال هو القابل للتبديل من الظنيات أو الحكم الغير المؤسس على النص والمبني على الاجتهاد أما الحكم المبني على النص القطعي فهذا لا يتغير بتغير الأحوال .
ومما يؤكد اعتبار الواقع في الاجتهاد القواعد الأصولية المرتبطة بالعرف والعادة ، يقول القرضاوي :" وواجب المجتهد الإطلاع على أحوال زمانه وإلمامه بالأصول العامة لأحوال عصره فهو يسأل عن أشياء قد لا يدري شيئا عن خلفيتها وبواعثها وأساسها الفلسفي أو النفسي أو الاجتماعي فيتخبط في تكييفها والحكم عليها " الاجتهاد والتجديد بين الضوابط الشرعية والحاجات العصرية – مجلة الأمة عدد19 – ص 16 .
وبهذا يتضح أن معرفة الواقع أمر مهم وضروري لتنزيل أحكام الله عليه ولا بد منه للاجتهاد بهدف تطبيق المصالح المقررة شرعا عند الاجتهاد المقاصدي.
  4- الشروط المتعلقة بالمجتهد :      
عرف العلماء المجتهد بتعاريف متقاربة منها :" هو الفقيه المستفرغ لتحصيل ظن بحكم شرعي " إرشاد الفحول 418 ، والمجتهد هو الأداة الأساسية في الاجتهاد لذلك أطال العلماء في بيان ما يتعلق به من شروط وأهمها :
- شروط ذاتية ومن أهمها :
  - العقل: وهو ملكة يقتدر بها على استخراج الأحكام من مآخدها ، ورد في الجلال المحلى مع حاشية العطار" لأن غيره لم يكمل عقله حتى يعتبر قوله"
- البلوغ : قال الشوكاني :" ولا بد أن يكون بالغا " إرشاد الفحول 418.
- شروط موضوعية أوعلمية ومن أهمها :
  - العلم باللغة العربية : أجمع علماء الأصول على هذا الشرط وركزوا عليه غاية التركيز ذلك أن الحكم يتبع الإعراب كما يقرر القرافي رحمه الله، وإن اختلفوا في القدر الذي ينبغي أن يصل إليه المجتهد في العلم باللغة العربية على مذاهب أهمها :
- القدرة على فهم الخطاب الشرعي العربي.
- بلوغ المرتبة الوسطى في معرفة اللغة.
- لابد من بلوغ مرتبة الأئمة الكبار في اللغة .
- العلم بالقرأن الكريم : لأنه أصل العلوم الشرعية وعليه مدار أحكامها ، والعلم بالقرآن يقتضي المعرفة بالعلوم التي لها علاقة بهذا الكتاب العزيز كالناسخ والمنسوخ وغيره ، واختلفوا في القدر الذي يكفي المجتهد العلم به من القرآن الكريم على مذاهب أهمها :
- خمسمائة آية كما يرى الغزالي وابن العربي .
- سبعمائة آية كما يرى ابن المبارك .
- وهناك من اشترط العلم بعموم القرآن .
  - العلم بالسنة النبوية الشريفة: وذلك لأنه لا يستغنى عنها في فهم الأحكام الشرعية وإستنباطها ، والعلم بالسنة يشمل العلم بمعاني مفرداتها وتراكيبها ودلالات ألفاظها وطرق روايتها ، واختلفوا في القدر الذي يكفي المجتهد العلم به من السنة النبوية على مذاهب أهمها :
     - علمه أو حفظه لأحاديث الأحكام وهي إما خمسمائة حديث ، أوثلاثة آلاف حديث كما قال ابن العربي ، وقيل خمسمائة ألف حديث وهو قول للإمام أحمد.
   - يكفي أن يكون عنده أصل يجمع أحاديث الأحكام كسنن أبي داود وهو قول الغزالي .
   - العلم بما اشتملت عليه مجامع السنة كالأمهات الست وما يلحق بها وهو قول الشوكاني .  
  - معرفة مواطن الإجماع : وهو أمر ضروري لمن يتصدى للاجتهاد حتى لا يجتهد في مسألة وقع فيها الإجماع لأنه لا اجتهاد فيما أجمع عليه العلماء ، واختلفوا في مقدار الإجماع الذي يجب على المجتهد معرفته على مذاهب أهمها :
- أن عليه معرفة كافة المسائل التي حصل حولها الإجماع .
  - يكفيه معرفة هل هناك إجماع في المسألة التي يتعرض لها بالاجتهاد كما قال الغزالي .
  - العلم بأصول الفقه : لأنه العلم المساعد على فهم المقاصد الشرعية ودلالات النصوص وطرق استنباط الأحكام ، واختلفوا في المقدار الذي ينبغي تحصيله من هذا العلم على مذاهب أهمها:
  - المعرفة بعموم علم أصول الفقه إجمالا.
  - ضرورة إلمامه بجميع مسائل هذا العلم والإطلاع على مطولاته ومختصراته مما يؤهله الى ما هو الحق منها .
* هذه هي أهم الشروط التي يجب توفرها فيمن يريد أن يتصدر للاجتهاد المقاصدي الى جانب العلم بالواقع واختلفوا في المنطق
- وبعضها مذكور في ضوابط هذا الاجتهاد- ويقصد من هذه الشروط الى جانب بقية مستلزمات الاجتهاد المقاصدي الأخرى تجنيب المجتهد من الوقوع في الخطأ والزلل .
- مجالات الإجتهاد المقاصدي:
نعني بمجالات الإجتهاد المقاصدي تلك الميادين التي تستخدم فيها المقاصد من حيث مراعاتها والاستناد عليها في بيان أحكام الشرعية وفق مقتضياتها ، وهي عموما لاتختلف عن مجالات الاجتهاد الشرعي ، وقد توصل علماء الشريعة باستقراء النصوص الشرعية وأحكامها الى أنها متصفة بصفتين أساسيتين هما الثبات والتغير .
- الأحكام المتغيرة القابلة للإجتهاد المقاصدي:
وهي الاحكام الظنية التي تقبل الاحتمال وتتسم بمراعاة البيئات والظروف ومسايرة أعراف الناس وعاداتهم وحاجياتهم وفق الضوابط الشرعية وذلك بالاجتهاد المقاصدي . يقول الشوكاني " إعلم أن الله لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة بل جعلها ظنية للتوسيع على المكلفين لئلا ينحصروا في مذهب واحد لقيام الدليل القاطع عليه". إرشاد الفحول 241.
وأكثر ما ترتبط هذه الأحكام بالمسائل التي لانص ولا إجماع على أحكامها والتي تسمى منطقة العفو أومنطقة الفراغ التشريعي وهي شاملة لكل ما يقابل القطعي واليقيني من الشريعة وما يمكن أن يطرأ على الحياة خاصة من جزئيات المعاملات وتفاصيلها التي هي محل نظر واجتهاد وإستصلاح وتعليل في ضوء المقاصد والقواعد الشرعية ودون أن تعود على أصولها بالإبطال والإلغاء مثال ذلك تفاصيل تطبيق العدل والشورى وكيفيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنظيم قانون العمل والعمال والقوانين الإدارية وخطط التنمية وسياسة التعليم والإعلام، وهذا يدل على الرفق الإلهي بالناس ويفيد أن الشريعة مرنة وقابلة للتأبيد والخلود ، ومع جواز الاختلاف شرعا في الظنيات فان الأولوية تبقى لدرئه اوالتقليل منه كلما أمكن ذلك يقول ابن عاشور رحمه الله " إن درء الخلاف والتقليل منه من المقاصد المعتبرة لذلك توجب إيجاد القواطع واليقينيات المقاصدية التي ترفع الجدل وتزيل الخلاف وتذيبه" مقاصد الشريعة الإسلامية ص5
- الأحكام الثابتة الغير القابلة للتغيير والاجتهاد:
وهي الأحكام القطعية إما بالتنصيص عليها أو الإجماع أوما علم من الدين بالضرورة  كالأمور العقائدية وعموم العبادات والمقدرات وهي التي بينها الشارع بيانا محددا لا يقبل الاحتمال والتأويل  وأصول المعاملات وهي مبادئ التعامل الكبرى وقواعد الأخلاق وكذلك الوسائل المحددة شرعا ، كل ذلك لا يقبل التغيير والتبديل بموجب النظر المصلحي والاجتهاد المقاصدي ، مثال ذلك دعوى تسوية المرأة بالرجل في الميراث ، واقتراح تغيير صلاة الجمعة الى يوم الأحد في الدول الغربية لضمان حضور عدد أكبر من المصليين ، واقتراح أن تؤدى الصلاة جلوسا على الكراسي بدلا من القيام لتحقيق الآداء الأحسن والخشوع  الأفضل ، وترك الإحرام من الميقات وفعله من جدة قصد التيسير والتخفيف على الناس فكل ذلك مرفوض لأنه لايعتد إلا بما شرعه الشارع ، وبهذا اذا تعلق الأمر بالنصوص القطعية فانه لا مساغ للإجتهاد في مورد النص كما تقول القاعدة الأصولية .إلا أصحاب العقول المختلة ، وهذه المعقولية إنما تشمل أحكام المعاملات عموما وبعض العبادات المعللة على مذهب جمهور العلماء وتشمل على المذهب الآخر جميع أحكام الشريعة من عبادات ومعاملات لأنها في نظر هذا الفريق كلها معللة ومعقولة ، يقول محمد الكتاني رحمه الله :" قول أهل الفروع هذا تعبدي هو عجز منهم عن بيان الحكمة والسر والشرع كله مكشوف لأهل العلم بالله ليس عندهم فيه شئ غير معقول المعنى " كتاب  ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد لنجله محمد الباقر الكتاني .
2-  الإجتهاد الجماعي:
الإجتهاد الجماعي هو " استفراغ أغلب الفقهاء الجهد لتحصيل ظن بحكم شرعي بطريق الإستنباط ، واتفاقهم جميعا او أغلبهم على الحكم بعد التشاور." الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي للدكتور عبد المجيد السوسوه الشرفي" 46
- يستفاد من هذا التعريف:
- أن الإجتهاد الجماعي يمارس من طرف جماعة وليس من طرف فرد وأن هذه الجماعة هي أغلب العلماء المجتهدين أو اكثرهم وهذا ما يمكن أن يتحقق في مجمع فقهي.
  - أن هذا الإجتهاد يكون في الظنيات وليس في القطعيات شأنه في ذلك شأن الاجتهاد الفردي.
  - أن المقصود من هذا الإجتهاد هو الوصول الى الحكم الشرعي وليس الى الحكم العقلي أوالحسي شأنه في ذلك شأن الإجتهاد الفردي.
  - أن الاجتهاد لايكون جماعيا الا اذا نتج عنه حكم متفق عليه من معظم المجتهدين، وهو يختلف عن الإجماع لأن هذا الأخير يشترط فيه اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام بينما الاجتهاد الجماعي يكفي فيه اتفاق مجموعة من المجتهدين أومعظمهم.
- أن الاجتهاد الجماعي لابد للحكم الصادر عنه أن يكون بعد التشاور وتمحيص الأفكار ومناقشة الأقوال، أما اذا حصل اتفاق بين آراء مجموعة من الفقهاء في حكم شرعي دون سابق تشاور فان ذلك لايسمى اجتهادا جماعيا وانما هو توافق في الاجتهاد، وهو يختلف في هذا عن الإجماع اذ لو حدث اتفاق جميع المجتهدين على حكم شرعي دون تشاور صح ذلك وعد إجماعا.
- أدلة مشروعية الاجتهاد الجماعي:
يمكن الاستدلال لمشروعية الاجتهاد الجماعي بمجموعة من الأدلة منها:
- قوله تعالى" وأمرهم شورى بينهم" الشورى38.
- قوله سبحانه" وشاورهم في الأمر" آل عمران159.
- قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فيما رواه سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب قال" قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل به القرآن ولم نسمع فيه منك شيئا؟ قال أجمعوا له العالمين أو قال العابدين من المؤمنين، واجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأى واحد" مجمع الزوائد ج1-178 
- عمل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، فقد كان الخلفاء الراشدون يجمعون في المسجد النبوي رؤوس الصحابة من ذوي الرأي فيستشيرونهم في الأمور الخطيرة كقسمة أراضي العراق المفتوحة عنوة والتي انتهى  رأيهم  بالاتفاق على إبقائها بيد أهلها.
- أمر الصحابة رضوان الله عليهم لولاتهم تطبيق هذا المنهج في الأمصار الإسلامية من ذلك قول عمر رضي الله عنه لشريح القاضي في رسالته " انظر ما في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع سنة رسول الله وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد فيه رأيك واستشر أهل العلم والصلاح.
  - أسباب توقف الإجتهاد الجماعي بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم:    
  - توقف الاجتهاد الجماعي بعد عهد الصحابة الكرام وإن وجدت له بعض التطبيقات في بعض العصور المختلفة ، وتحول الأمر الى الاجتهاد الفردي الذي بدوره آل الى القول بإغلاق بابه ، وقد أرجع بعض الدارسين ذلك الى:
  - خوف العلماء بعد الصحابة رضي الله عنهم من هيمنة الأمراء على آرائهم عند اجتماعهم لأن السلطة بعد الخلافة الراشدة آلت الى ملوك وأمراء لايتورع بعضهم عن تحقيق مآربه ولو على حساب شرع الله.
- عدم الشعور بالحاجة الى هذا النوع من الإجتهاد.
- خوفهم من أن هذا النوع من الإجتهاد قد يقلل من حرية الإجتهاد الفردي.
- تخوف العلماء من أن يصبح هذا النوع من الإجتهاد بمثابة سلطة ترفض كل اجتهاد يصدر من غيرها ، الأمر الذي يتنافى مع مقررات الشريعة الإسلامية التي فتحت باب الإجتهاد لكل قادر عليه وعدم احتكاره لامن طرف فرد ولا جماعة.
والحقيقة أن هذه الأسباب على وجاهتها خاصة ببعض الظروف الاستثنائية يمكن تفاديها اذا صلح حال المسلمين وحسن فهمهم لدينهم الذي من توجيهاته الشورى المقترنة في مجال استنباط الأحكام بالاجتهاد الجماعي لما لها من أثر حسن على الإسلام والمسلمين.
- شروط الإجتهاد الجماعي:
  - اشترط العلماء لممارسة الاجتهاد عموما مجموعة من الشروط شدد فيها البعض وخفف آخرون واعتدل فيها جماعة منهم ، ومردها في العموم الى المعرفة بمصادر الشريعة ومقاصدها والتمكن من اللغة العربية التي وردت بها النصوص الشرعية لحسن فهمها وأن يكون المجتهد على درجة من الصلاح والتقوى تلزمه بتقديم شرع الله على هواه.
- ولاتمييز في هذه الشروط بين الاجتهاد الفردي والاجتهاد الجماعي ، الا أنه لما كان الاجتهاد الجماعي تتكامل فيه الآراء بعد التشاور والمناقشة ، فانه يكتفى في المنتسب إليه بالحد الأدنى من تلك الشروط.
- كما يكفي المنتسب للإجتهاد الجماعي أن يكون مجتهدا جزئيا ولايشترط فيه أن يكون مجتهدا مطلقا والمجتهد الجزئي هو القادر على الإجتهاد في بعض الأبواب دون غيرها مع كونه حائزا على شروط الإجتهاد التي حددها العلماء- علما بأن القول بتجزؤ الإجتهاد هو مذهب معظم علماء الأصول.
- ويمكن لهيئة الاجتهاد الجماعي أن تستعين بمجموعة من الخبراء البارعين في تخصصاتهم للتحديد الدقيق للقضايا محل الاجتهاد ومساعدة العلماء المجتهدين على الفهم الدقيق والسليم للقضايا محل النقاش واستنباط الحكم الشرعي لها.
- أهمية الإجتهاد الجماعي: 
 للاجتهاد الجماعي أهمية بالغة في التشريع الإسلامي وتتجلى أهميته من خلال ما يحققه من أمور أبرزها:
  - تحقيقه لمبدإ الشورى :
 فالشورى ضرورية في الاجتهاد الجماعي كما تبين لنا من تعريفه وذلك بغية تمحيص الأفكار ومناقشة الآراء وبذلك يتحقق أمر الشارع الداعي الى الشورى من ذلك قوله عز وجل" وأمرهم شورى بينهم" الشورى 38.
  - تحقيقه للدقة والإصابة في الوصول الى الحكم الشرعي :
فالاجتهاد الجماعي باعتبار رجوعه الى مجموعة من العلماء المجتهدين يتميز عن الاجتهاد الفردي بكونه أكثر استيعابا وإلماما بالمواضيع المطروحة وأكثر شمولا في الفهم مما يجعل الحكم أكثر دقة وإصابة لأن رأي الجماعة أقرب الى الصواب من رأي الفرد مهما علا قدره في العلم.
  - أن الاجتهاد الجماعي يعوض عن عدم قيام الإجماع:
يمكن للاجتهاد الجماعي أن يسد الفراغ الذي يحدثه غياب الإجماع أو غياب الاجتهاد الفردي كذلك، فاذا كان إتفاق كل المجتهدين الذي هو أساس الإجماع يكاد يكون متعذرا فان إتفاق اكثرهم لن يكون كذلك وهو ما جعل بعض العلماء يذهبون الى أن الإجماع بالمعنى الأصولي لم يتحقق في تاريخ الإسلام وإنما الذي تحقق هو الاجتهاد الجماعي.
- أن الإجتهاد الجماعي كفيل بالوصول الى حلول شرعية لكل المستجدات :
من المعلوم أن النصوص الشرعية لا تغطي كل الوقائع والاجتهاد هو الذي يتولى أمر النوازل التي لم يرد بحكمها نص شرعي ، واذا كانت هذه المستجدات تحيط بها مجموعة من الملابسات ولها صلة بقضايا وعلوم أخرى مما يحول دون إدراك كل جوانبها من طرف فرد واحد مهما بلغ علمه ، فان الاجتهاد الجماعي هو البديل الذي يمكن له أن يتوصل الى الحلول الشرعية لهذه المستجدات كما يمكنه أن يرجح بين الآراء المتباينة وأن يتناول القضايا المتغيرة بتغير الأحوال، وهو بذلك يحول دون توقف الاجتهاد ويقيه من الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الفرد نتيجة التكامل الموجود بين أعضائه.
- أن الإجتهاد الجماعي مسلك الى توحيد الأمة:
يمكن للإجتهاد الجماعي أن يكون أحد المسالك المؤدية الى توحيد كلمة الأمة واتحاد رؤيتها فيما يحل بها من مشاكل والحيلولة دون التفرق في الأفكار والتشتت في الآراء والتضارب في الأحكام الناتج عن الرؤية الفردية ، لأن الرأي الجماعي الذي يهدف الى جمع الكلمة وتوحيد الصف هو الذي يوحد الأمة ويحقق هذا المطلب الشرعي.
- حكم الإجتهاد الجماعي:
يرجع حكم الإجتهاد الجماعي الى موضوع حجية رأي الأكثرية ، وقد اختلف العلماء حول هذا الموضوع على مذاهب أهمها:
المذهب الأول: يرى أصحابه أن اتفاق الأكثرية ومخالفة الأقلية لايتحقق فيه الإجماع ولايكون حجة ملزمة للآخرين لذلك تجوز مخالفته وهذا هو مذهب ابن عباس.
المذهب الثاني: يرى أصحابه أن رأي الأكثرية له حجية الإجماع ، لأن الإجماع في نظرهم ينعقد بالأكثر وهذا هو مذهب الطبري والرازي.
المذهب الثالث:  يرى أصحابه أن قول الأكثرية يكون حجة ظنية  وأن إتباعه أولى من غيره لكنه ليس إجماعا ولايكون ملزما الا اذا ألزم به الحاكم ، ومعلوم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف بين الفقهاء.
 والراجح هو هذا المذهب الأخير لأن الأكثرية أولى وأقرب الى الحق من الفرد في الغالب والله أعلم (انظر كتاب نظرية التقريب والتغليب لأحمد الريسوني).
وعلى هذا يكون حكم الإجتهاد الجماعي بالنسبة لأصحابه حجة ملزمة لهم يجب عليهم العمل به ويحرم عليهم مخالفته الى اجتهاد آخر، أما بالنسبة لكافة المسلمين فانه لايلزمهم اتباعه ويجوز لهم مخالفته الى اجتهاد آخر لأن ما توصل إليه ذلك الاجتهاد هو حكم ظني وليس نصا قطعيا أو إجماعا لايحتمل المخالفة الا أن هذا الاجتهاد يكون أقرب الى الحق وأولى من الاجتهاد الفردي نظرا لصدوره عن الأكثرية ، ويمكن للاجتهاد الجماعي أن يكون ملزما للمسلمين اذا ألزمهم الحاكم به.
على أن الإجتهاد الجماعي لايقضي على إجتهاد الأفراد ولايغني عنه ذلك أن البحوث التي يقدمها أفراد المجتهدين هي التي تساعد على نضج الإجتهاد الجماعي وتجنبه العديد من الثغرات التي يكون عرضة لها .
- أبرز مزالق الإجتهاد الفقهي المعاصر:
    للإجتهاد المعاصر مزالق يتعرض فيها للخطإ أو الإنحراف اذا صدر من أهله أو من غير أهله أهمها:
1- الغفلة عن النصوص:
إن أول مايجب على المجتهد أن يرجع إليه هي النصوص الشرعية من الكتاب والسنة فان لم يجد فيهما بغيته اجتهد برأيه وهذا الترتيب هو الذي أقره حديث معاذ المشهور وما جرت عليه سيرة السلف الصالح ، ولهذا قرر علماء الأصول أنه لا إجتهاد مع النص ، أما إذا ترك من يدعي الإجتهاد النصوص الشرعية نتيجة الجهل بها أو الغفلة والذهول عنها أو غلبة هوى أوتحكيم عصبية أودعوى مصلحة أو غير ذلك،  فان رأيه يكون مردودا عليه لمخالفته التوابث الشرعية والمسلمات المجمع عليها ، مثال ذلك ما أفتت به المحكمة الشرعية العليا في البحرين سنة 1983 من جواز تبني اللقيط وضمه الى النسب بحيث يصبح له كل الحقوق وعليه كل الواجبات التي للأبناء مسمية ذلك بالإستلحاق ، وهذا معارض لقول الله تعالى " ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ " الأحزاب 4-5 . (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي من 140- 141)
2- سوء فهم النصوص الشرعية أو تحريفها ومعارضتها:
يمكن أن يكون المزلق في الإجتهاد من سوء فهم النصوص الشرعية أو تحريفها ومعارضتها وسوء تأويلها ، كأن يخصصها وهي عامة أو يقيدها وهي مطلقة أو العكس ، أو يعزلها عن سياقها ويستخلص منها ما يتعارض مع مدلولها اللغوي ، أو يحرفها ويعارضها ، وربما يكون ذلك نتيجة التسرع والتعجل قبل الدراسة والتأمل ، أو نتيجة اتباع الهوى،  أو التأثر بالواقع القائم ومحاولة تبريره خصوصا لذى المفتونين بالحضارة الغربية أو غير ذلك، ومهما كان السبب فان ذلك مرفوض شرعا ومردود على صاحبه لأنه يتعارض مع ضوابط الإجتهاد المقبول عند العلماء، مثال ذلك ما ذكره الذهبي رحمه الله في كتابه " التفسير والمفسرون" نقلا عن أحد اصحاب الإتجاه الإلحادي في التفسير من أن صيغة الأمر في الآيات المتضمنة للحدود تفيد الإباحة لا الوجوب وبذلك لايكون قطع اليد في السرقة واجبا وإنما يجوز العدول عنه الى عقوبات رادعة ، وكذلك الأمر في سائر الحدود ، وهذا مردود لأنه اجتهاد في أمر قطعي معلوم من الدين بالضرورة .   
3- الإعراض عن الإجماع:
من مزالق الإجتهاد المعاصركذلك تجاوز ما أجمع عليه العلماء بشكل متيقن منه ، إما جهلا به أو إعراضا متعمدا عنه ، لأن ذلك يتعارض مع شروط الإجتهاد المتفق عليها ، مثال ذلك القول بجواز زواج المسلمة في عصرنا بالكتابي ، فهذا مخالف للإجماع المقرر والمستند الى قول الله تعالى " فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " الممتحنة 10 . (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي 148)
4- إعمال القياس في غير موضعه:
من مزالق الإجتهاد المعاصركذلك إعمال القياس في غير موضعه  كالقياس الفاسد مثل قياس النص القطعي على الظني أو قياس الأمور التعبدية على أمور المعاملات والعادات أو القياس مع وجود الفارق أو القياس على أقوال الفقهاء ، كل ذلك غير مقبول لأن القياس المعتبر هو الذي يستند على نص ثابت في القرآن أو السنة اتضحت علته ولم يوجد فارق بين الأصل المقيس عليه والفرع المقيس كما هو مقرر عند علماء الأصول ، مثال ذلك من قال بجواز استقراض الحكومة من الشعب بالفوائد الربوية مستدلا بالقياس على أنه لا ربا بين الوالد والولد فكذلك لا ربا بين الحاكم والشعب ، وهذا مردود لأن القول بأنه لا ربا بين الوالد وولده لم يثبت بنص وانما هو امر قال به بعض الفقهاء وخالفه الأكثرون فلا يقاس عليه . (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي 152)    
5- الغلو في إعتبار المصلحة ولو على حساب النصوص الشرعية :
لايتصور أن يكون في الشريعة السمحة ما يتعارض مع مصالح الخلق أو يكون مجلبة للإضرار بهم ، لأن الغاية من المقاصد التي جاءت الشريعة مقررة لها هي جلب المصالح ودرء المفاسد كما هو مفصل في مظانه ومن هنا يمكن القول بأنه حيثما يوجد شرع الله فثم المصلحة، أما ما يتردد على الألسنة والأقلام اليوم بأنه حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله فهو لايؤخد على إطلاقه وإنما يقبل فيما لم يرد فيه نص صحيح صريح ، ومن هنا لا يقبل الرأي الذي يدعي الإعتماد على المصلحة التي تعارض نصا قطعيا لأن هذا يتعارض مع ضوابط الإجتهاد المقبول عند العلماء، مثال ذلك ما قال به بعضهم من حلية الربا لتحقيق مصلحة النمو الإقتصادي الذي يعتبرونه عصب الحياة ، وجواز الإفطار في رمضان لتحقيق النهظة الصناعية والنمو الإقتصادي الذي هو معركة الأمة الأولى ، والتسوية بين الذكر والأنثى في الميراث بدعوى المصلحة ، والحق أن هذه الأقوال ليس فيها مصالح حقيقية ولايجوز الأخذ بها لأنها تتعارض مع النصوص القطعية ويترتب عليها فساد وشر في الدنيا والآخرة . (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي من 160 الى 162) 
6- الغاء الرخص المشروعة:
الرخص الشرعية قررها الشارع الحكيم في أحوال خاصة تخفيفا على المكلف ومراعاة لحاله بأدلة شرعية متفق عليها بشكل يحول دون رفض هذه الرخص او إنكارها بأي حال من الأحوال ، والوقوع في ذلك يعد مزلقا من مزالق الإجتهاد المعاصر، مثال ذلك القول بأن السفر اليوم هو غير السفر قبل اربعة عشر قرنا فلم يعد رخصة لقصر صلاة المسافر لعدم ترتب المشقة عليه ، وكذا القول بتحريم الزواج باكثر من واحدة لما يترتب على التعدد في زعمهم من مفاسد أسرية ومضار اجتماعية ، والحق أن هذه الأقوال باطلة لا اعتبار لها في مقابل المصالح المتعددة التي يحققها الإمتثال للنصوص الشرعية . (انظر الإجتهاد في الشريعة الإسلامي للقرضاوي من 163 الى 172)   
7- إغفال الواقع:
ومن مزالق الإجتهاد المعاصر إغفال واقع هذا العصر وما يرتبط به من تيارات وثقافات ومشكلات ، إما تقليدا لمذهب معين أو لعدم الإلمام بثقافة العصر، أو إرتباطا بأهل الورع والترفع على ما تحفل به الحياة من غرائب ، ومهما كان السبب فإن الغفلة عن روح العصر وواقعه ينتهي بالمجتهد الى الخطأ والزلل والتشديد والتعسير على عباد الله مما يؤدي الى شر مستطير وفساد كبير ، إن المجتهد الحقيقي هو الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة  فلا ينقطع عن أمسه ولاينعزل عن يومه ولا يغفل عن غده ، مثال ذلك ما ذكره القرضاوي في كتابه " الإجتهاد في الشريعة الإسلامية للقرضاوي " 154  نقلا عمن اجتهدوا في قضية أطفال الأنابيب ومنعوها منعا باتا خشية اختلاط الأنساب وسدا للذريعة ، والواجب على أهل الإجتهاد عدم المنع باطلاق لأن في ذلك تحريم لما لم يحرمه الله ورسوله وتضييق على المكلفين ،  وكذا عدم الإباحة باطلاق لأن ذلك يوقع فيما حرمه الله ويجر مفاسد جمة ، فلابد من التفصيل باباحة بعض الأساليب والصور بقيود وشروط ومنع البعض الآخر وهذا ما انتهى اليه التحقيق في هذا الموضوع. ( انظر الإجتهاد المعاصر بين الإنضباط والإنفراط  للقرضاوي من 46 الى 66 و 81 و 92 )
- نماذج وتطبيقات للإجتهاد الفقهي المعاصر:
إن أهم المجالات الفقهية التي حصل فيها تغير ضخم قلب ما كان مألوفا ومقررا فيها ، وأصبحنا في أشد الحاجة الى الإجتهاد فيها إثنان كما يقرر الشيخ القرضاوي في كتابه الإجتهاد المعاصر بين الإنضباط والإنفراط من 6 الى 13 هما :
1- مجال التعامل المالي والإقتصادي:
ونختار منه موضوع إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة كنموذج (العقد هو ما يتم به الإرتباط بين إرادتين من كلام وغيره يترتب عليه التزام بين طرفين):
- التعريف بالموضوع:
العقد يتم بحضور المتعاقدين ورضاهما إذا حصل الإيجاب والقبول ، ولكن جد في الأزمان المتأخرة استحداث بعض الأجهزة والتي يمكن بواسطتها إجراء العقد عن بُعد إما بواسطة الصوت عبر الهاتف وقد تنقل الصورة أيضاً ، أو عن طريق إرسال صورة العقد مباشرةً عن طريق الفاكس ، أو الكتابة عن طريق الانترنت والتي تظهر مباشرة في جهاز الشخص الآخر ونحو ذلك. فمع افتقاد حضور المتعاقدين بأبدانهما في مجلسٍ واحد هل يتم العقد ؟ وهل يعتبر اتصالهما ووجودهما حال إجراء العقد وأثناء التخاطب والمكاتبة بقرب الأجهزة كافياً ؟.
- التكييف الفقهي للعقد المنقول عن طريق الكتابة:
ينقل عن العلماء على مسألة المكاتبة للغائب عن مجلس العقد الجوازعند الجمهورلحصول التراضي ، والتراخي لا يضر بشرط القبول عند بلوغ الكتاب وهذا قول أكثر العلماء. وفي قول عند الشافعية لا يجوز. (انظر حاشة ابن عابدين 4/512 والشرح الكبير للدردير 3/3 والمجموع 9/167 وكشاف القناع 3/142)
- التكييف الفقهي للمنقول عن طريق النطق:
يكيف على مسألة العقد بالمناداة وقد قال النووي في المجموع  ولو تناديا وهما متباعدان صح البيع بلا خلاف (انظرالمجموع 9/181 وذكر نحوه في روضة الطالبين 3/340 ومطالب أولي النهى 3/88.
ويشترط تطابق الإيجاب والقبول ، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد. ويصح عند الجمهور عدا المالكية رجوع الموجب ، وعند الحنفية إذا اشتغل بأمرٍ آخر يوجب اختلاف المجلس ثم قبل لا ينعقد).
- بعض شروط العقد ذات الصلة بالموضوع:
يشترط العلماء اتحاد المجلس فيما عدا الهبة ، والوصية ، والوكالة. وتشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف. ولا تشترط فورية القبول عند الجمهور عدا الشافعية ، دفعاً للضرر وليتمكن من التأمل. وإذا كان الإيجاب عن طريق الكتاب والمراسلة فيشترط حصول القبول في مجلس وصول الكتاب.
- حكم المسألة:
قال كثيرٌ من العلماء المعاصرين ومنهم محمد بخيت المطيعي والشيخ مصطفى الزرقاء والشيخ وهبه الزحيلي ، والشيخ عبدالله بن منيع بجواز العقد بواسطة هذه الأجهزة بشرط الوضوح والتثبت .
- ومستندهم في ذلك ما يلي:
1- ما ذكره كثيرٌ من العلماء قديماً من أن العقد يتم عن طريق المراسلة ، وأن الإيجاب إذا حصل بعد وصول الكتاب فإنه صحيح ، وكذا عن طريق المناداة.
2- أن المراد باتحاد المجلس اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون فيه المتعاقدان مشتغلين بالتعاقد ، لا كون المتعاقدين في مجلسٍ واحد ، ولذلك قالوا إن المجلس يجمع المتفرقات.
وعلى هذا يكون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية مثلاً هو زمن الاتصال مادام الكلام في شأن العقد ، وفي المراسلة والمكاتبة وصول الرسالة أو الخطاب ، فإن تأخر القبول إلى مجلسٍ ثانٍ لم ينعقد العقد. وقد سئل الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله عن الاتصال بالبرق (وهو التلغراف) وأحكام التعاقد به  فأجاب بأنه كالمكاتبة تماماً لكنه أسرع ، لكن لا يمتنع الخطأ ولهذا وجب التثبت بوسائل التثبت الموجودة حالياً كالهاتف وما شابه ذلك ، ومثل البرق التلكس لأنه برقٌ خاصٌ بصاحبه من كلا الطرفين ، وأما الفاكس فهو أسرع من التلكس ويأخذ حكمها أيضاً.
وبالنسبة للآلات والأجهزة الأخرى فهي إما أن تكون مساويةً للهاتف والبرق بالسرعة في الاتصال وقوته ووضوحه أو أشد فإن كانت مثلها فتأخذ حكمها وإن كانت أشد فمن باب أولى.
وقد قرر مجمع الفقه في دورة مؤتمره السادس بجدة بجواز التعاقد بهذه الوسائل ويعتبر تعاقداً بين حاضرين بشروط ، ويستثنى من ذلك الصرف ( الصرف هو بيع النقد بالنقد ، والمراد بالنقد ما خلق للثمنية ، وهو الذهب والفضة ، وكذا ما يلحق به في الحكم من الورق النقدي)  لاشتراط التقابض ، والسلم  ( السلم هو بيع آجل بعاجل ، فهو نوع من البيع يتأخر فيه المبيع ، ويتقدم فيه الثمن ، وهو عكس البيع بثمن مؤجل ) لاشتراط  قبض رأس المال (فإذا تم التقابض في الصرف ، وقبض رأس المال في السلم صح العقد بهذه الوسائل وهو ما أمكن في بعض الصور الجديدة وأفتى به الشيخ الزحيلي).
- الشروط:
1- وجود التثبت من كلٍ من المتعاقدين من شخصية صاحبه كي لا يدخل الوهم واللبس والتزييف من أحد الطرفين أو من طرفٍ ثالث.
2- صحة ما تنسبه هذه الآلات الحديثة إلى كلٍ من المتعاقدين من أقوالٍ وتصرفات.
3- عدم رجوع الموجب عن إيجابه قبل وصول القبول من الطرف الآخر في بعض الآلات التي يوجد فيها فترة زمنية للوصول.
4- ألا يؤدي التعاقد عن طريق هذه الآلات إلى تأخير قبض أحد العوضين في الصرف لاشتراط التقابض فيه ، وألا يؤدي إلى تأخير قبض راس المال في السلم لاشتراط تعجيل رأس المال فيه.
5- لا يصح عقد النكاح بها لاشتراط الشهود فيه والله تعالى أعلم.
- تطبيقات:
- فتوى:
رقم الفتوى 31760 تجارة الذهب بواسطة التليفون - رؤية شرعية
تاريخ الفتوى 05 ربيع الأول 1424
- السؤال:
تجارة الذهب بواسطة التليفون أو بواسطة طرق الاتصال المختلفة دون اللقاء بين البائع والمشتري، على أن يتم الدفع بواسطة البنك أو أية طريقة أخرى، علما بأن الثقة بين البائع والمشتري هي الضمان لحقوقهما، أو لوجود حسابات معلقة بين الطرفين يقومان بتصفيتها كل شهرين مثلا ؟
- الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشرط الأساسي في جواز بيع الذهب بغيره من الفضة أو ما يقوم مقامها من العملات المتداولة اليوم هو حصول التقابض من المتبايعين أو وكيليهما قبل التفرق من مجلس العقد، والدليل هو ما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي المنهال حيث قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا كنا تاجرين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فقال: إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نَسَاء فلا يصح.
وما جاء أيضاً في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يداً بيد، فقال: هكذا سمعت.....
وهذا -أعني اشتراط التقابض في مجلس العقد في بيع الذهب أو شرائه بالفضة ونحوها- يكاد يكون معلوما من الدين بالضرورة.
وبما أن الرضا من المتبايعين هو الأساس في إبرام العقود، فإن العلماء المعاصرين جعلوا إبرام العقود بوسائل الاتصال الحديثة كالتليفون والتلكس ونحوهما صحيحاً بدليل جواز التعاقد بالرسالة والكتابة، مع أن كلا من المتعاقدين بعيد عن الآخر لا يراه ولا يسمع صوته، بل إن انعقاد العقود بالوسائل الحديثة أولى بالجواز من انعقاده بالرسالة والكتابة، لأن كلا من المتعاقدين عبر التليفون ونحوه يخاطب الآخر مباشرة ويماكسه ويستطيع أن يستوضحه أكثر، وهذا أمر معروف.
ومما تقدم يعلم أنه لا حرج على تاجر الذهب أن يشتري الذهب أو يبيعه عبر التليفون بشرط أن يحصل قبض كل من الثمن والمثمن خلال المكالمة إذا أمكن ذلك عملياً، كأن يكون لكل من المتعاقدين وكيل حاضر عند الثاني وقت إبرام عقد البيع، ولا يشترط في المتبايعين اللقاء ولا قرب أحدهما من الآخر، قال صاحب المبسوط: ولسنا نعني بالمجلس موضع جلوسهما بل المعتبر وجود القبض قبل أن يفترقا، حتى لو قاما أو مشيا فرسخا ثم تقابضا قبل أن يفترقا، أي يفارق أحدهما صاحبه حال العقد، وكذلك لو ناما في المجلس أو أغمي عليهما ثم تقابضا قبل الافتراق. انتهى.
وقال النووي: لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف.
وجاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي -العدد السادس، الجزء الثاني- ما نصه: إن العقود بالتليفون ونحوه تصح في ما لا يشترط فيه القبض الفوري بدون إشكال، أما في ما يشترط فيه القبض الفوري فإنما تصح بالتيلفون إذا تم القبض بعد انتهاء المحادثة مباشرة كأن يكون لكل واحد منهما عند الآخر وكيل بالتسليم مثلاً أو نحو ذلك، وإلا فلا يتم عن طريق التليفون ونحوه. انتهى.
وجاء فيها أيضاً -العدد التاسع، الجزء الأول- تعقيبا على قرار سابق يمنع من إبرام العقود بوسائل الاتصال الحديثة في ما يشترط فيه التقابض: ونحن نقول بهذا، لكن إذا أمكن تحقق القبض عقب إتمام الإيجاب والقبول وكان العاقدان في الفترة التي تعقبه مشتغلين بعملية القبض -وإن طالت فترة المجلس دون أن ينصرف أي منهما عن مكانه الذي هو فيه- فقد زال المانع، فصح البيع. انتهى.
ومن مجموع ما سبق فإنا نرى أن المتاجرة بالذهب عبر التليفون لا حرج فيها بشرط حصول القبض من وكيليهما أو ما يقوم مقام ذلك قبل انتهاء المكالمة، وإلا فلا ، ولمزيد من الفائدة وتوضيح وتفصيل أكثر ننصح بمراجعة العددين المذكورين من مجلة مجمع الفقه الإسلامي.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه 
( انظر موقع الموسوعة الشاملة الإصدارالأخير ).
2- المجال الطبي والعلمي:
ونختار منه موضوع الجراحة التجميلية كنموذج:
- مفهوم الجراحة التجميلية:
هي جراحة تجرى لتحسين منظر جزءٍ من أجزاء الجسم الظاهرة ، أو وظيفته إذا ما طرأ عليه نقصٌ أو تلف أو تشوه.
وتنقسم إلى نوعين جراحة التجميل الحاجية وجراحة التجميل التحسينية.
1- جراحة التجميل الحاجية:
وهي التي يراد بها إزالة عيب سواء كان في صورة نقصٍ أو تلفٍ أو تشوه فهو ضروري أو حاجي بالنسبة لدواعيه الموجبة لفعله ، وتجميلي بالنسبة لآثاره ونتائجه. وتنقسم العيوب التي يراد علاجها إلى قسمين:
- القسم الأول : عيوبٌ ناشئة في الجسم من سببٍ فيه لا من سببٍ خارجٍ عنه فيشمل ذلك ضربين من العيوب وهما:
أ- العيوب الخلقية التي ولد بها الإنسان : ومن أمثلتها الشق في الشفة العليا ، والتصاق أصابع اليدين والرجلين ، وانسداد فتحة الشرج.
ب- العيوب الناشئة من الآفات المرضية التي تصيب الجسم : ومن أمثلتها انحسار اللثة بسبب الالتهابات المختلفة ، وعيوب صيوان الأذن الناشئة عن الزهري والجذام والسل.
- القسم الثاني: عيوب مكتسبة طارئة وهي العيوب الناشئة بسببٍ من خارج الجسم كما في العيوب والتشوهات الناشئة من الحوادث والحروق ، ومن أمثلتها كسور الوجه الشديدة التي تقع بسبب حوادث السير ، وتشوه الجلد بسبب الحروق والآلات القاطعة ، والتصاق أصابع الكف بسبب الحروق.
2- جراحة التجميل التحسينية: وهي جراحة تحسين المظهر وتجديد الشباب. وتنقسم إلى نوعين عمليات الشكل ، وعمليات التشبيب.
- حكم الجراحة التجميلية:
1- حكم الجراحة التجميلية الحاجية:
هذا النوع من الجراحة جائز لما يلي:
1- أن أحد الصحابة اتخذ أنفاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما قطع أنفه وهذا دليلٌ على جواز مثل هذا النوع من الجراحة فقد روى عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب(سنن أبي داود).
2- أن هذه العيوب تشتمل على ضرر حسي ومعنوي فيحتاج إلى إزالته والقاعدة تقول الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
3- قياساً على غيره من الجراحة المشروعة بجامع وجود الحاجة في كلٍ.
- ونوقشت هذه الأدلة بأنها معارضة للنهي عن تغيير خلق الله والجواب من وجوه:
أ- أنه إذا وجدت الحاجة الموجبة للتغيير فيستثنى ذلك من التحريم. قال النووي رحمه الله ( وأما قوله المتفلجات للحسن فمعناه يفعلن ذلك طلباً للحسن ، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن ، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس(شرح صحيح مسلم للنووي 13/107) فإذا كان لإزالة تشويهٍ فيجوز ، وأما لزيادة الحسن والجمال فلا.
ب- أنه لم يشتمل على تغيير الخلقة قصداً لأن الأصل فيه أن يقصد منه إزالة الضرر وأما التجميل والحسن فجاءت تبعاً.
ج- أن العلاج لإزالة الضرر وهو جائز فيجوز علاج الحروق والحوادث وكذلك إزالة أثره من التشوه جائز أيضاً إذ لم يرد ما يستثني الأثر فيستصحب الحكم للأثر.
- الحكم الشرعي للجراحة التحسينية:
هذا النوع من الجراحة محرم عند عدد كبير من العلماء للأدلة التالية:
1- أنه تغيير لخلق الله عبثاً بلا دوافع ضرورية ولا حاجية وهو محرم قال تعالى حكايةً عن إبليس لعنه الله في معرض الذم (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)( النساء 194).
2- لحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله(رواه البخاري). فالحديث دل على لعن من فعل هذه الأشياء وعلل ذلك بتغيير الخلقة وفي رواية (والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله(رواه أحمد) فجمع بين تغيير الخلقة وطلب الحسن ، وهذان المعنيان موجودان في الجراحة التجميلية التحسينية.
3- قياساً على الوشم والوشر والنمص بجامع التغيير في الكلٍ طلباً للحسن.
4- أنها تحتوي في عددٍ من صورها على الغش والتدليس وهو محرم شرعاً ففيها إعادة صورة الشباب للكهل والمسن في وجهه وجسده وذلك يؤدي لغش الأزواج والزوجات.
5- أن هذه الجراحة لا تخلو من محظورات ومنها قيام الرجال بمهمة الجراحة للنساء الأجنبيات وكشف العورة بلا حاجة ، ومنها تخدير المريض وهو محرم إلا عند الحاجة ولا حاجة هنا وقد يترتب عليها ترك الطهارة لفترةٍ من الزمن بسبب تغطية العضو الذي أجريت له العملية.
6- أنها لا تخلو من الأضرار والمضاعفات النفسية والجسدية فقد ورد في الموسوعة الطبية ما نصه (ولكنها تكون اختيارية حين تجري لمجرد تغيير ملامح بالوجه لا يرضى عنها صاحبها . وفي هذه الحالة يجب إمعان التفكير قبل إجرائها واستشارة أخصائي ماهر يقدر مدى التحسن المنشود ، فكثيراً ما تنتهي هذه العمليات إلى عقبى غير محمودة (الموسوعة الطبية الحديثة ، لمجموعة من الأطباء 3/455) والله تعالى أعلم.
- تطبيقات:
- فتوى:
رقم الفتوى 37972 العمليات التجميلية بين الحظر والإباحة
تاريخ الفتوى  02 شعبان 1424
- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كنت أعاني من البدانة فقمت بعمل حمية غذائية فقدت خلالها 27-35 كيلوغراماً، وتكون عندي ترهلات (جلد زائد) يقول الطبيب إنها لن تزول إلا بعملية جراحية تجميلية، فهل تجوز شرعا، مع العلم بأن الطبيب لن يقوم بتكبير أو تصغير هذه الأجزاء، فقط إزالة الترهلات الناتجة عن فقد الشحوم وليس كبر السن، وهل تجوز للرجال والنساء؟
- الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه العملية التجميلية التي سأل عنها السائل هي من قبيل التجميل التحسيني، والمراد به تحسين المظهر، وتحقيق الشكل الأفضل والصورة الأجمل، دون وجود دوافع ضرورية أو حاجية تستلزم فعل الجراحة.
وقد تكلم أهل العلم في الجراحة التجميلية وأفتوا بحرمتها لأمور:
1- لقول الله تعالى: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، ووجه الدلالة أن تغيير خلق الله من المحرمات التي يسولها الشيطان للعصاة من بني آدم، وجراحة التجميل تشتمل على تغيير خلقة الله، والعبث فيها حسب الأهواء والرغبات.
2- ما رواه الشيخان من حديث ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله. ووجه الدلالة أن الحديث لعن المتنمصات المتفلجات، وعلل ذلك بتغيير الخلقة، وفي رواية: المغيرات خلق الله.
3- أن هذه العملية الجراحية لا تتم غالباً إلا بفعل بعض المحظورات مثل: التخدير، ومعلوم أن التخدير في الأصل محرم شرعاً، وفعله في هذا النوع من الجراحة لم يأذن به الشرع لفقد الأسباب الموجبة للترخيص والإذن، ومثل كشف العورة كالفخذين، وليس هناك ضرورة ملحة لذلك.
فبناء على ما تقدم ننصح السائل بالابتعاد عن هذه العملية، ومحاولة علاج هذه الترهلات ببعض الوسائل الموضعية من تدليك ونحوه، وهو ما يعرف بالعلاج التحفظي، أو محاولة زيادة الوزن بنسبة خفيفة حتى تمتلىء أماكن الترهلات قليلاً، وهذا الحكم الذي ذكرنا يعم الرجال والنساء.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
( انظر موقع الموسوعة الشاملة الإصدارالأخير ).
والحمد لله رب العالمين
======================
- فهرس الموضوعات:
1- مفهوم الإجتهاد الفقهي المعاصر.
2- هل نحن بحاجة الى إجتهاد فقهي معاصر؟
3- أنواع الإجتهاد الفقهي المعاصر.
4- صور الإجتهاد الفقهي المعاصر.
5- المدارس الكبرى للإجتهاد الفقهي المعاصر.
6- ضوابط الإجتهاد الفقهي المعاصر.
7- أهم أشكال الإجتهاد الفقهي المعاصرالمطلوب. 
     7-1- الإجتهاد المقاصدي.
     7-2- الإجتهاد الجماعي.
8- أبرز مزالق الإجتهاد الفقهي المعاصر.
9- نماذج وتطبيقات للإجتهاد الفقهي المعاصر.
    9-1 إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة كنموذج متعلق بالمجال المالي والإقتصادي.
    9-2- الجراحة التجميلية كنموذج متعلق بالمجال الطبي والعلمي .
* المصادر والمراجع:
- الإجتهاد المعاصر بين الإنضباط والإنفراط  للقرضاوي .
- الإجتهاد في الشريعة الإسلامية  للقرضاوي.
- الإجتهاد في التشريع الإسلامي لمحمد سلام مدكور.
- الإجتهاد ودور الفقه في حل المشكلات لمصطفى أحمد الزرقاء.
- الإجتهاد في الشريعة الإسلامية محمد فوزي فيض الله.
- تربية ملكة الاجتهاد من خلال بداية المجتهد لابن رشد لمحمد بولوز.
- مقاصد الشريعة وطرق الإجتهاد في الفقه المالكي لحسين حامد .
- الفكر المقاصدي لأحمد الريسوني .
- الإجتهاد المقاصدي لنور الدين الخادمي .
- الإجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي لعبد المجيد السوسوه الشرقي .
- الموسوعة الفقهية الكويتية.
- أحكام الجراحة الطبية لمحمد المختار.
- الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء.
- جراحة التجميل لفايزة طرابية.
- جراحة التجميل للقزويني.
- الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء لمحمد خالد منصور.
- نوازل فقهية معاصرة لخالد سيف الله الرحماني.
- جراحة التجميل في الفقه الإسلامي لمحمد عثمان شبير.
- أبحاث في الاقتصاد المعاصر لمحمد عبداللطيف الفرفور.
- الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي .
- حكم إجراء العقود بوسائط الاتصال الحديثة لوهبة الزحيلي.
- المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقاء.
- خيار المجلس والعيب في الفقه الإسلامي لعبدالله الطيار.
- بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة في موقع (ws. (WWW.shamela.
- مجلة مجمع الفقه الإسلامي .
- الفتاوى الفقهية الصادرة عن هيئة كبار العلماء بالسعودية.
- الفتاوى الفقهية الصادرة عن دار الإفتاء بمصر.
- الفتاوى الفقهية الصادرة عن الأزهر .
- الفتاوى الفقهية الصادرة عن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي .
- الفتاوى الفقهية الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
- لائحة الأقراص المدمجة:
- مكتبة التفسير شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان.
- مكتبة التفسير وعلوم القرآن إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المكتبة الألفية للسنة النبوية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة الأجزاء الحديثة إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المحدث تصميم وإدارة طلبة دار الحديث النبوي الشريف سابقا " مدرسة" واشنطن أمريكا.
- مكتبة الفقه وأصوله إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفقه وأصوله موسوعة علماء الإسلام الدكتور يوسف القرضاوي المركز الهندسي للأبحاث التطبيقية RDI  .
- موسوعة الفقه الإسلامي وأصوله إعداد قسم البرمجة دار الفكر دمشق سوريا.
- مكتبة الفقه الإسلامي شركة العريس للكمبيوتر بيروت. لبنان.
- الموسوعة الميسرة في الفقه وعلومه إنتاج برمجيات ضاد. المملكة العربية السعودية.
- مؤلفات شيـخ الإسلام بن تيمية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية عبد اللطيف للمعلومات.
- مؤلفات العالم الرباني ابن قيم الجوزية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة شيـخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- العلوم الإسلامية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- موسوعة طالب العلم الشرعي إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الإسلامية المعاصرة Microteam Software
- مكتبة المعاجم والغريب والمصطلحات إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- جامع معاجم اللغة شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان
- المكتبة الشاملة الإصدار الأول والثاني والتحديث الأخير المبثوثة على شبكة الأنترنيت ws. WWW.shamela
وصلى الله وسلم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 
 

bottom of page