top of page

مدخل لدراسة المذهب المالكي

بسم الله الرحمان الرحيم
- مفهوم المذهب:
-المذهب في اللغة : من ذهب يذهب ذهابا  أصل يدل على المُضي  .وعلى المعتقد ( مقاييس اللغة ولسان العرب  مادة ذهب).
-المذهب في الإصطلاح:
لما كان المذهب في اللغة مصدرا ميميا على وزن مفعل، يطلق على الذهاب ومكانه وزمانه ، فقد نقل في عرف الإستعمال الفقهي إلى الأحكام التي ذهب إليها إمام من الأئمة ، فجعل بذلك اسما للمسائل التي يقولها المجتهد والتي يستخرجها أتباعه من قواعده( (الإختلاف الفقهي في المذهب المالكي  لعبد العزيز الخليفي ص43) .
قال العدوي ” المراد بمذهبه  ما قاله هو وأصحابه على طريقته ونسب إليه مذهبا ، لكونه يجري على قواعده وأصله الذي بنى عليه مذهبه" (حاشية علي بن أحمد العدوي على الخرشي (1/ 35) فمن المسلم أن أصحاب مالك قيدوا ما أطلق وخصصوا ما عمم من الآثار ((الفواكه الدواني ( 1\24 وحينما سئل أحد علماء المالكية المتأخرين "عن اختيارات المتأخرين من الفقهاء كاللخمي  (478) وابن بشير (526)وغيرهما هل تحكى أقوالا في المذهب ؟ قال  نعم يحكى قول اللخمي وغيره قولا في المذهب ، كما يحكى قول من تقدم من الفقهاء قولا في المذهب " (أبو العباس أحمد بن أحمد الغبريني  عنوان الدراية ص100-101 ) وهذا التعريف يجعله من الآراء) .
إلا أن بعض المتأخرين حصر المذهب على ما به الفتوى من باب إطلاق الشئ على جزئه الأهم ((مواهب الجليل 1\24 حاشية العدوي 1\34-35 الفواكه الدواني1\23 )
ومن مصطلح ابن الحاجب في مختصره أنه يذكر لفظ المذهب لبيان مذهب مالك في تلك المسألة ، وقد يصرح بذكر الخلاف مع قوله والمذهب ، ومن قاعدته أن يأتي بلفظ المذهب إذا كانت حجة المذهب على ذلك الحكم فيها ضعف ، فيذكر المسألة وينسبها للمذهب كالمتبرئ من قوة الدليل ، ومن قاعدته أنه يطلق المذهب حيث يكون الحكم منصوصا لمالك ، أو يكون هو مشهور المذهب ، وقد يطلقه على التخريج ، وانتقد عليه إطلاق المذهب على التخريج) (الإختلاف في المذهب المالكي لناصر الخليفي ص (47.
- مراحل تطور المذهب:
لا يجد الباحث في كتب المؤرخين للمذهب وتطوره خطوطا واضحة المعالم لمراحل التطور في المذهب ، إلا ما كان من القول بأن "أول طبقة المتأخرين في اصطلاح المذهب ابن أبي زيد(382)  وأما من قبله فمتقدمون"( (محمد بن عرفة الدسوقي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير1\26) ) إلا أن الفاحص لتاريخ تطور المذهب يجد إيجازا شديدا في هذا التقسيم.
وممن غاص في تاريخ المذهب العلامة محمد الفاضل بن عاشور في كتابه أعلام الفكر الإسلامي ص70
- الأطوار التي مر بها المذهب عبر تاريخه:
يرى الدكتورعمر الجيدي في كتابه " مباحث في المذهب المالكي بالمغرب " أن المذهب المالكي مر بمراحل خمسة هي مرحلة التأسيس، ومرحلة التفريع، ومرحلة التطبيق، ومرحلة التنقيح والنقد، ثم مرحلة الجمع والإختصار،  بينما ذهب بعض الدارسين الى تقسيم تاريخ المذهب المالكي إلى ثلاثة أطوار رئيسة هي طور النشوء، وطور التطور، وطور الإستقرار، وسنعتمد في هذه الدراسة على التقسيم الأخير نظرا لدقته من وجهة نظرنا والله أعلم.
1- طور النشوء :
  وهو مرحلة التأصيل والتأسيس، على يد المؤسس، فالإنطلاقة كانت من المدينة النبوية حيث لا صراعات عقدية ولا نزعات خارجية.." فلم يكن الوضاعون والمدلسون بالذين تنفق خزعبلاتهم بالمدينة ، ولا تروج ترهاتهم ، إذ كانت المدينة مكتظة بأهل العلم والأثر، هجيراهم الرواية والتحديث"( (محمد الطاهر بن عاشور ، كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ ص8  ).
- المؤسس :
كان مالك من مزدوجي التخصص ) انعقد له لواء الحديث ولواء الفقه، وقد نقل رحمه الله هذه الخاصية العظيمة إلى تلاميذه ، فهذا الإمام محمد بن الحسن الحنفي(189)  يروي الموطأ عن مالك وهو رأس ماله في كتابه   المبسوط) (تسهيل دراية الموطأ ص (23-24) وهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه "مادة اجتهاده هو الموطأ وإنما تعقبه في بعض المواضع وخالفه في بعض ترجيح الروايات"( (تسهيل دراية الموطأ ص(23)  ولم تكن طريقة أهل الرأي محبذة عند مالك فهذا أسد بن الفرات (154) وهو تلميذ علي بن زياد (183) المتأثر بمنهج الحنفية- يأتي يسأله على طريقة أهل الرأي ، فيقول مالك : سلسلة بنت سليسلة : إذا كان كذا وكذا كان كذا وكذا ، إن أردت هذا فعليك بالعراق( (ترتيب المدارك (1\190-191) ، (3\292) وقد دون تلامذته آراؤه وحفظوها كابن وهب الذي ألف في سماعه من مالك ثلاثين كتابا( (ترتيب المدارك ( 3\242 ويقول القرافي أن ما أملاه مالك في مذهبه نحوا من مائة وخمسين مجلدا في الأحكام الشرعية ، فلا يكاد يقع فرع إلا وله فتيا ( (الذخيرة . (1\33
)ومالك ينطلق في اجتهاداته من أصول ، وقد أحصاها أهل العلم فاختلفوا في عددها وهي عند أكثر أهل العلم ستة عشر أصلا ((التسولي البهجة في شرح التحفة( 2\133  الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة ص(115  إلا أن أدق إحصاء لها – كما قال العلامة أبو زهرة - هو ما ذكره القرافي رحمه الله الكتاب والسنة والإجماع وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع والإستصحاب والإستحسان.( (الإمام مالك ، لأبي زهرة ص  (218
)واعتبار عمل أهل المدينة من أهم مميزات المذهب ، وقد اضطرب الناس في تحديد مفهومه ، وذهبوا فيه مذاهب شتى ، وقد حقق المراد منه الشيح حسن المشاط رحمه الله  (1399هـ إذ يقول : "فتحصل من هذا أن عمل أهل المدينة حجة عند مالك رحمه الله فيما طريقه التوقيف ولا مجال للرأي فيه" ((الجواهر الثمينة (212- 213 
- تشكل المدارس في المذهب :
-  سبب ظهور المدارس :
وفي هذا الدور بدأت تتشكل مدارس المذهب – بعد وفاة الإمام ولعل ظهورها يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسة :
1- منهج الإمام الإستنباطي وأصوله فقد احتج بنوعين من السنة : الأحاديث المرفوعة. وآثار الصحابة وفتاويهم وعمل أهل المدينة وأعرافهم.
2- التخصص المزدوج لإمام المذهب حديث ، فقه ، جعل تلاميذه يتأثرون به فبعضهم يغلب عليه الجانب الفقهي والبعض يغلب عليه الجانب الحديثي.
وكان لهذين العاملين أثر واضح في ظهور منهجين في المذهب :
- 1يقدم الأحاديث على العمل ، وعلى رأسهم ابن الماجشون 212هـ وابن وهب من المصريين وعبد الملك بن حبيب السلمي من الأندلسيين 338 هـ 
2 - يرى اعتماد الأحاديث التي أيدها العمل وتقديمها ، وعلى رأسهم عبد الرحمن بن القاسم وأكثر تلاميذ الإمام المصريين .
ويصور يحيى بن يحيى الليثي هذين المنهجين بقوله " كنت آتي عبد الرحمن بن القاسم ، فيقول لي  من أين يا أبا محمد ؟ فأقول  من عند عبد الله بن وهب ، فيقول لي  اتق الله فإن أكثر هذه الأحاديث ليس عليها العمل.  ثم آتي عبد الله بن وهب ، فيقول لي من أين ؟ من عند ابن القاسم ، فيقول لي  اتق الله فإن أكثر هذه المسائل رأي" (ترتيب المدارك (3\387.
3- عامل البيئة ، إذ كان في العراق منهج أهل الرأي غالبا فتأثر بهم مالكية العراق . 
-  مدارس المذهب :
- 1-  مدرسة الحجاز :وهي المدرسة الأم ، وتمثل الإتجاه الأثري في المذهب ويمثلها تلامذة مالك المدنيين .
والمدنيون مصطلح يقصد به كبار تلامذة مالك في المدينة من أمثال :عثمان بن عيسى بن كنانة (185هـ)  وابن الماجشون(212هـ )ومطرف بن عبد الله بن مطرف(220هـ) وعبد الله بن نافع بن الصائغ (186هـ) ومحمد بن سلمة(216هـ ونظرائهم)  مواهب الجليل (1/ 40
وقد تميز هذا التيار بتقديم الأحاديث النبوية على العمل وآثار الصحابة والتابعين . وقد أيد هذا التيار من المصريين ابن وهب ومن الأندلسيين ابن حبيب.
- 2-مدرسة العراق:كانت البصرة مسرحا لبداية ظهور مذهب مالك في أرض السواد على يد بعض تلامذته كعبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري  (198هـ) وعبد الله بن مسلمة بن قعنب (221/222هـ) وأحمد بن المعذل الملقب بالراهب، لكن المذهب لم يظهر بقوة إلا في الطبقة التالية أيام قضاء آل حماد بن زيد وكان منهم القاضي إسماعيل أحد الذين شُهد لهم بالإجتهاد بعد مالك، قال الباجي  (ولم تحصل هذه الدرجة بعد مالك إلا لإسماعيل القاضي ترتيب المدارك (4/ 282.
وهذه المدرسة تميل إلى التحليل المنطقي للصور الفقهية ، والإستدلال الأصولي . ومن أبرز رجالات هذه المدرسة –والذين كان لهم تأثير واضح - : القاضي إسماعيل ، والقاضي أبو الحسن بن القصار  (398هـ) , والقاضي عبد الوهاب  (422هـ) وعبد الله بن الحسين ابن الجلاب  (378هـ ) والشيخ أبو بكر الأبهري  (375هـ
وقد انقطعت هذه المدرسة بحدود  452هـ وهي سنة وفاة الإمام أبو الفضل بن عمروس ، آخر فقهاء المالكية ببغداد.
3-  المدرسة المصرية: وقد احتلت مركز القيادة بين المدارس المالكية بزعامة ابن القاسم ، واعتمدتها مدرسة إفريقية والأندلس اعتمادا كليا ،كما كانت سماعات ابن عبد الحكم ومروياته عن مالك واشهب وابن القاسم ذات حظوة عند المدرسة العراقية شاركتها فيها مدونة ابن القاسم لسحنون.
وتعتبرهذه المدرسة رائدة منهج اعتماد العمل إلى جانب الحديث ، خلافا للمنهج الحجازي ، وهذا المنهج المصري هو الذي ساد المذهب المالكي وتبنته أكثرية مدارس المذهب.
- 4-المدرسة المغربية :كان المذهب السائد في المغرب وتونس ، مذهب الإمام ابوحنيفة ، إلى أن دخل علي بن زياد وابن اشرس .وبعدهما أسد بن الفرات وغيره فبدا المذهب في الإنتشار إلى أن جاء سحنون فغلب المذهب في أيامه.
وما المدونة إلا نتيجة تعاون المدرسة المصرية والقيروانية ، فقد أملاها ابن القاسم بمبادرة اسد وتدقيق سحنون وتولت المدرسة التونسية ضمان الحياة لها بنشرها وتدريسها . وأهم مميزات هذه المدرسة – التونسية/القيروانية - الحرص على تصحيح الروايات وبيان وجوه الإحتمالات وضبط الحروف على حسب ما يقع في السماع وتتبع الآثار . (أزهار الرياض  (3/ 22
ورغم تأخر ظهور هذا الفرع إلا انه سيصبح فيما بعد الممثل للمذهب المالكي في المغرب العربي عامة والأندلس خاصة . وقد تعرض هذا الجناح لهزات كبيرة وعديدة ، لكنه صمد أمامها ، وهي في غالبها هزات سياسية.
ومن العلماء المغاربة في اصطلاح المتأخرين ابن أبي زيد القيرواني ، وابو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري ابن القابسي (403هـ) وابو بكر محمد بن محمد بن وشاح ابن اللباد (333هـ)  والباجي ، واللخمي ، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محرز (450هـ) وابن عبد البر (463هـ) وأبوالوليد بن رشد الجد  (520هـ) وأبو بكر بن العربي (543هـ) والقاضي سند بن عنان بن إبراهيم أبو علي (541هـ
- 5 -  مدرسة الأندلس: مؤسسها زياد بن عبد الرحمن الملقب بشبطون  (193هـ وقيل غيره) وهوأول من أدخل الموطأ إلى الأندلس ، وكان له تلميذ كان له الفضل في تثبيت المذهب بالأنلس وهو يحيى بن يخيى الليثي مستشار الأمير عبد الرحمن بن الحكم . ولا فرق بين هذه المدرسة والمدرسة المغربية بل هي امتداد لها ، خاصة أن عددا من علماء الأندلس هاجروا إلى المغرب.
- أثر هذه المدارس في تطور المذهب:
تتلمذ على ابن زياد في القيروان الإمام أسد بن الفرات ، فأراد الإستزادة فرحل إلى المدينة حيث سمع من مالك ، ثم رحل إلى العراق ودرس على أبي يوسف القاضي ، واختص بمحمد بن الحسن ملازما له ، حتى إذا أدرك من مذهبهما بغيته عاد إلى مصر بعد وفاة مالك ، فعرض على ابن القاسم "مشروعا علميا " بأن يجيب على اختيارت أبي حنيفة ومذهبه بما سمعه من مالك أو بما يراه إن تعذر السماع ، فظهر أول كتاب فقهي في المذهب بعد الموطأ سماه أسد باسم (الأسدية) جمعت بين المنهج العراقي في تفصيل المسائل وطبق عليها المذهب المالكي في مسائل الأحكام.( (الصراع المذهبي بافريقية لعبد العزيز المجدوب ص  51-وأعلام الفكر الإسلامي ص(27
 ولأن مالكا كان عازفا عن منهج الحنفية وكذا طلبته فلم تلق الأسدية قبولا بل قال الناس جئتنا بأخال ، وأحسب ، وتركت الآثار ، وما عليه السلف  (ترتيب المدارك (3/ 298
على أن سحنونا لاحظ فيها آراء تخالف ما عليه الفتيا ، فرجع بها إلى ابن القاسم مقترحا عليه إعادة النظر والتصحيح والترجيح ، وبذلك رد سحنون الفقه المالكي إلى طريقته المدنية الأولى فقها ومنهجا ، مع الحفاظ على ما أفاده أسد من منهج أهل العراق.
وبهذا الثلاثي (أسد وابن القاسم وسحنون) : أُلفت أكثر الكتب اعتمادا في المذهب ، وأصبح ابن القاسم وسحنون حجري الزاوية في المذهب ، ولذلك قيل : إنهما مهندسا المذهب.
وفي المقابل فقد أثرت المدرسة المصرية في العراقية من خلال مؤلفات ابن عبد الحكم ، فقد روى الأبهري – وهو عراقي- سماع ابن عبد الحكم المصري وقرأ مختصره خمسمائة مرة والأسدية خمسا وسبعين مرة) (ترتيب المدارك (6/ 186.
وكذلك في المدرسة الأندلسية حيث أضحى قول ابن القاسم هو الذي يحكم به في محاكم قرطبة ((نفح الطيب ( 4/ 202  بل ما خالفوا رأي ابن القاسم إلا في ثماني عشرة مسألة فقط ، مخالفين رأي مالك في أربع مسائل فقط ((اصطلاح المذهب المالكي ص(88
- أهم مصنفات هذا الدور وخصائصها:
إن عامة الكتب المشهورة في هذا الدور لا تعدو كونها سماعات ومرويات الطلبة من الإمام مالك ، وقد يضاف إليها الآراء الشخصية والترجيحات والإستنباطات ، ولا يخرج عن هذا الطابع إلا كتاب المؤسس وهو الموطأ.
- وفيما يلي عرض لأهم تلك الكتب :
- الموطأ:
يقول الإمام مالك في سبب تأليفه للموطأ   "لقيني أبو جعفر المنصور – يعني في الحج - فقال  إنه لم يبق للناس عالم غيري وغيرك . فأما أنا فقد شُغلت بالسياسة  ، واما أنت فضع للناس كتابا في السنة والفقه  تجنب فيه رخص ابن عباس ، وتشديدات ابن عمر ، وشواذ ابن مسعود ، ووطئه توطئا . قال مالك  فعلمني كيفية التأليف"  (تنوير الحوالك ص  (9
ومن أسباب اختيار مالك لهذا لإسم الموطأ)  أنه كتاب قد صنفه رحمه الله ووطأه للناس ، كما أنه قد واطأه عليه فقهاء المدينة بعد عرضه عليهم.
وقد بوبه رحمه الله فأحسن تبويبه وترتيبه وجمع فيه بين الفقه والحديث .
ويمكن حصر عناصر مادته العلمية فيما يلي :
- أحاديث مرفوعة.
- أحاديث مرسلة.
- أخبار منقطعة.
- البلاغات : وهي قول الإمام بلغني أن رسول الله قال   .
- أقوال الصحابة والتابعين الفقهاء.
- استنباطات الإمام المستندة إلى العمل أو القياس أو قواعد الشرع.
وقد روي الموطأ بروايات متعددة تزيد على الثلاثين لكثرة تلاميذ الإمام وأكبرها رواية القعنبي) (الفكر السامي (1\336 واشتهر بين المالكية رواية يحيى بن يحيى الليثي وبين الحنفية رواية محمد بن الحسن الشيباني) . وسنزيد هذا الموضوع بسطا في عنصرأهم المصنفات في المذهب المالكي)
- كتاب خير من زنته لعلي بن زياد التونسي العبسي 183هـ.
كان علي أول من ألف كتابا في مسائل الفقه والفتاوى التي تكلم بها مالك بن أنس سماه خير من زنته) ( ترتيب المدارك (1\80-   وقد كان مائلا إلى طريقة الحنفية في التاصيل والتحليل ، فأثر ذلك على منهجه الفقهي وإن كان ملتزما بمذهب مالك.
  - سماع عبد الرحمن بن القاسم (191) هـ :
ضمت الأسدية (المدونة) أكثر سماعات ابن القاسم عن مالك ، فقد كان يجيب بقول مالك لا يحيد عنه ، حتى لو كان بلاغا بلغه.
- كتب أبو عبد الله زياد بن عبد الرحمن ابن شبطون وله :
كتاب سماع زياد) : وهو كتاب في فتاوى مالك ، وكتاب الجامع في الفقه.
-  كتب أشهب بن عبد العزيز(204) هـ وله : 
- سماعاته : وعددها عشرون كتابا  (ترتيب المدارك (3\264.
  -مدونة أشهب : ألفها على نسق الأسدية ، مخالفا لابن القاسم في أكثر آرائه ، ولم يكن يوافق مالكا في كل ما يذهب إليه  بل كان يجتهد برأيه في القضايا التي تلقى إليه ، وما يؤيد هذا ما حدث لما "جلس أشهب يوما بمكة إلى ابن القاسم ، فسأله رجل بمكة ، فتكلم فيها عبد الرحمن ، فمعر له اشهب وجهه ، وقال : ليس كذلك ، ثم أخذ يفسرها ، ويحتج فيها . فقال ابن القاسم : الشيخ يقوله – عافاك الله  - يعني مالكا .فقال أشهب  لو قاله ستين مرة"( (دراسات في مصادر الفقه المالكي ص(183
-  كتب عيسى بن دينار (212)هـ وله : 
-الهداية أو الهدية:  من أجمع الكتب للمعاني الفقهية على المذهب وأرفعها ، وقد عد ابن حزم هذا الكتاب من مفاخر الأندلس في رسالته المشهورة.
- كتب عبد الملك بن الماجشون(212) هـ.
لابن الماجشون – كما سبق – منهج فقهي متميز يعتمد على الأحاديث وإن خالف ما عليه العمل ، وقد رويت أراؤه الفقهية في واضحة ابن حبيب ، وأول من أدخل منهج ابن الماجشون للقيروان : حماد بن يحيى السجلماسي تلميذ سحنون ((دراسات في مصادر الفقه المالكي ص (118) وله سماعات، ومؤلف في الفقه .
  - مختصرات عبد الله بن عبد الحكم بن أعين (214)هـ: 
وله ثلاث مختصرات جمع فيها سماعاته من مالك وكبار أصحابه  :
- المختصر الكبير : اختصر فيه سماعاته عن أشهب وغيره.
- المختصر الأوسط : وفيه أربعة آلاف مسألة ، وقد اقتبس منه ابن أبي زيد في نوادره.
- المختصر الصغير : يحتوي على ألف ومائتي مسألة ، وقد قصره على علم الموطأ ، واقتبس منه ابن أبي زيد في نوادره.
- كتب عبد الملك بن حبيب السلمي(238/ 239)هـ.
كان من المناصرين لمنهج ابن الماجشون ، ألف كتبا حسانا من اشهرها الواضحة  :ومنهجه فيها أنه يأتي بالترجمة ويورد أحاديث بسنده ثم يتكلم عقب الحديث بشرح الغريب وفقه الحديث. كما تميزت الواضحة بعرضها للخلاف المذهبي وأقوال الفقهاء المالكية. وهي ثاني أمهات الفقه المالكي.
ويعتبر ابن حبيب أشهر الممثلين للخط المدني في بيئة أندلسية ذات توجه مصري.
  - مدونة سحنون((240هـ.
أصبح اسم المدونة) علما على الصيغة الأخيرة المنقحة المهذبة لما عرف من قبل بالأسدية ، أو مدونة أسد ، والصيغة الجديدة هي التي تلقاها سحنون من ابن القاسم .  وهي أولى أمهات الفقه المالكي.
ولا يشك أحد في ان الفضل لا يتعدى أسدا في أسبقيته للتفكير في صياغة منهج فقهي جديد ، يمزج بين منهج العراقيين الفرضي والمنهج الحجاز الأثري ، وقد عورض معارضة شديدة يلخص الشيخ محمد الفاضل بن عاشور الاسباب في سببين :
1- تداخل المذهبين أدى إلى وقوع أخلال جاءت قادحة فيما يطلب في كتب الأحكام من الصحة المطلقة.
-2 اعتاد الفقهاء بناء الفقه على الأحاديث والآثار، وهي غير الطريق التي جاء بها أسد (أرى – أخال – أحسب.
  - المستخرجة من الأسمعة العتبية لمحمد بن أحمد العتبي (255)هـ: 
وهي عبارة عن حصر شامل لمعلومات فقهية يرجع معظمها لابن القاسم العتقي عن مالك بن أنس ، وهي برواية من جاؤوا بعده مباشرة ، كما أنها تحتوي على آراء تلاميذ مالك (3\266) وقد اختُلف فيها قبولا ورفضا بين المالكية لإكثار صاحبها من المسائل الشاذة والغريبة والروايات المطروحة.
ولولا ابن رشد لما بقي للعتبية مجال في الساحة العلمية ، ذلك أنه قام بعملية نقدية في كتاب أسماه "البيان و التحصيل " فأصبحت المستخرجة خيرا وبركة.
وهي ثالثة الأمهات .
  - ثمانية أبي زيد لعبد الرحمن بن إبراهيم بن عيسى  ويعرف بابن تارك الفرس(258)هـ:
كان رحمه الله مناصرا لخط ابن حبيب وابن الماجشون المدني ، ألف ثمانية كتب جمع فيها أسئلته لمشايخه المدنيين . وقد حفظ الباجي في المنتقى كثيرا من الإقتباسات الفقهية من الثمانيات.
  -الموازية لمحمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز  (269)هـ:
كانت الموازية أشهر كتاب فقهي إبان القرن الرابع الهجري في شمال إفريقيا ، وتتميز بالقصد إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم ، وهو منهج لم يُسبق إليه إذ كان الغالب جمع الروايات فقط.  وهي رابع الأمهات.
- الكتب المعتمدة المشهورة في هذه الفترة:
اجتبى علماء المالكية أربعة كتب أطلقوا عليها اسم الأمهات). وهي : 
1-المدونة : مصرية \قيروانية.
2-  الواضحة : أندلسية.
3-العتبية : أندلسية.
4-  الموازية : مصرية.
ثم عندهم الدواوين) وهي الأمهات السابقة ، ويضيفون إليها :
- المختلطة : وهي المدونة نفسها لكن قبل مرحلة تحقيق ومراجعة سحنون.
- المجموعة : لابن عبدوس وهي خامسة الدواوين . وهي : تونسية \ قيروانية
- المبسوط : سادس الدواوين ، ومنه تعرف طريقة العراقيين في التأليف والفقه، وقد أفاد منها الباجي وابن أبي زيد في النوادر .وهو عراقي التأليف والمنهج.
على ان المدرسة العراقية اعتمدت كتبا أخرى ، واهتمت بها بالغ الإهتمام وأهمها مختصرات ابن عبد الحكم وتعتبر البنية الأساسية – عند العراقيين  -إلى جانب الموطأ في الإجتهاد والترجيح. 
- طور التطور:
تبد أ مرحلة التطور من حيث انتهت مرحلة النشوء ، أي مع بداية القرن الرابع ، ولا يمكن فصل هذه المرحلة عن غيرها ، فمراحل المذهب تتداخل وتمتزج امتزاجا ينصهر في الآراء والإجتهادات ، والترجيحات التي تبرز في المراحل المختلفة.
وقد أصيبت المدارس المذهبية بنكبات متعددة خلال هذه الفترة باستثناء المدرسة الأندلسية التي استمرت مزدهرة نتيجة الدعم السياسي المطلق للمذهب خلافا لما لاقاه من العبيدين في تونس وغيرها .
وإذا كانت مرحلة النشوء قد تميزت بالإتجاه الإنفرادي حيث أن كل مدرسة تعتمد سماعات شخص أو اثنين بعينهما وعدم اعتبار سماعات غيرهما من أنصار المدارس الأخرى ، فإن هذه النزعة قد بدأت تضمحل وتتلاشى ، وصار التلاقح الفكري واضحا بين مدارس المذهب بواسطة عدة طرق كالتلمذة و الحج و تبادل الكتب...
وقد كان للمدرسة الأندلسية السبق في هذا المجال حيث أنتجت أول كتاب في سماعات الإمام مالك أيا كانت المدرسة التي ترويه أو تعتمده – خلافا لما كان عليه الحال- وأخرجت بذلك كتاب الإستيعاب.
وهو كتاب كان القاضي إسماعيل قد ابتدأه لكن المنية اخترمته قبل إتمامه –رحمه الله- فأُعجب أمير الأندلس (الحكم بن عبد الرحمن) بالكتاب ومنهجه فذاكر قاضيه ابن السليم في إمكانية إتمام الكتاب , فاسند القاضي المهمة إلى الفقيهين أبي بكر المعيطي القرشي (367هـ) وأحمد بن عبد الملك الإشبيلي الشهير بابن المكوى (401هـ) فبذلا جهدهما في جمع السماعات ايا كان مصدرها فكان كتاب الإستيعاب الكبير في مائة جزء .
كما أن فقهاء العراق بدؤوا في الإهتمام بكتب واحد من أعلام المدرسة المغربية وهو ابن أبي زيد القيرواني فألف أبو بكر الأبهري سرحا سماه (مسلك الجلالة في مسند الرسالة) وللقاضي عبد الوهاب البغدادي شروحات مشهورة.
وقد كانت المدرسة العراقية تعتمد مختصرات ابن عبد الحكم ، في حين كانت المداس الأخرى تعتمد سماعات ابن القاسم لا تحيد عنها ثم بدأ التقارب يلوح بين كافة المدارس في اعتماد سماعات ابن القاسم...
لَا تَظلمُوا الموتَى وَإنْ طَال المدَى *** إنِّي أخَـافُ عَليكُم أَن تَلتَـقُوا
بيانه : أن قاعدة "إذا اختلف الناس عن مالك فالقول ما قاله ابن القاسم" تعد من أقدم قواعد الترجيح في المذهب ، ومن الحوادث التي تظهر مدى تمسك مالكية الأندلس برأي ابن القاسم ما ذكر أن فضل بن سلمة بن حريز (319هـ) لما رجع إلى بلده (وجد فقهاءها قد تمكن سؤددهم ، وتفننهم في المدونة خاصة . فلما جالسهم , وذكر لهم أقوال أصحاب مالك قالوا  دع هذا عنك ، فلسنا نحتاج إليه ، طريقنا كلام ابن القاسم لا غيره".
على أن المدرستين المصرية والقيروانية تعتمد أيضا على آراء ابن القاسم ، وكيف لا وهو زعيم المدرسة المصرية ، ومدونة سحنون – رأس المدرسة القيروانية - هي زبدة آراء ابن القاسم.
قال القابسي " سمعت أبا القاسم حمزة بن محمد الكناني (357هـ) يقول  إذا اختلف الناس عن مالك ، فالقول ما قال ابن القاسم ، وبحضرته جماعة من أهل بلده ومن الرحالين ، فما سمعت نكيرا من أحد منهم ، وهم أهل عناية بالحديث وعلمه"
والمدرسة العراقية –كما ورد- وإن كان جل اعتمادها على روايات ابن عبد الحكم فإنها لم تهمل المدونة ولم تتركها ، وهذا الإمام الأبهري يقول عن نفسه الأسدية خمسا وسبعين مرة. كما أن القاضي عبد الوهاب – كما في ترتيب المدارك- ( رجح مسائل المدونة , لرواية سحنون لها عن ابن القاسم , وانفراد ابن القاسم بمالك , وطول صحبته ، وأنه لم يخلط غيره إلا في شئ يسير.
لكن هذه القاعدة قد خضعت لتطويرات عديدة ، يصور لنا العلامة أبو محمد صالح بن محمد الفاسي الهسكوري هذا التطور في كتابه (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك) إنما يفتى بقول مالك في الموطأ ، فإن لم يجده في النازلة فبقوله في المدونة ، فإن لم يجده فبقول ابن القاسم فيها ، وإلا فبقوله في غيرها ، وإلا فبقول الغير فيها ، وإلا فأقاويل أهل المذهب.
- خصائص مرحلة التطور من ناحية البحث ومنهج التأليف والموضوعات:
لقد تبلور في أواخر المرحلة الأولى اصطلاحان رئيسان لدراسة المذهب واستنباط الأحكام الشرعية (اصطلاح عراقي واصطلاح قروي). ولكل من المدرستين منهج بحثي مغاير لما عليه الأخرى.
1  - الإصطلاح العراقي : لقد جعل مالكية العراق في مصطلحهم مسائل المدونة كالأساس ، وبنوا عليها فصول المذهب بالأدلة والقياس ، وإفراد المسائل وتحرير الدلائل على منهج أهل الرأي ، لكنهم لم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات ومناقشة الألفاظ .
2  - الإصطلاح القروي :
وعلى العكس من العراقيين اهتم القرويون بالبحث عن ألفاظ الكتاب وتصحيح الروايات ، وبيان وجوه الإحتمالات ، والتنبيه على بعض الإضطرابات الحاصلة في الأجوبة. فهو اتجاه نصي قائم على خدمة النص والتخريج عليه ومدارسته.
إلا أن هذا التمايز المنهجي لم يستمر طويلا ، فقد نتج عن الإتصالات العلمية توحيد منهج البحث عند أتباع المذهب المالكي : وخير مثال على ذلك الإمام ابن أبي زيد والباجي والقاضي عياض .
أما الأول فقد جمع أفضل ما عند كل مدرسة  فمن إفريقية استفاد من أبي بكر بن اللباد , ومن الأندلس الأصيلي ، ومن فاس دارس بن إسماعيل , ومن مصر ابن شعبان صاحب الزاهي (355هـ) ومن العراق أبو بكر بن الأبهري ، فتلاقى في كنفه متباعد الأفكار.
والباجي ابتدأ حياته دارسا للفقه المالكي (الأثري) ثم انتقل للشرق فدرس الفقه المالكي العراقي ، فلما عاد للأندلس صار مدرسة قائمة بذاتها.
أما القاضي عياض فقد قدم في شرحه للمدونة نموذجا للجمع بين الطريقتين ، واشتهر شرحه باسم التنبيهات. 
- خصائص مرحلة التطور من ناحية منهج التأليف :
كانت المصنفات المذهبية الأولى تتميز بالتداخل بين كلام مالك وغيره ، وكثرة التخاريج وتعدد الإصطلاحات. فكان لا بد من عملية الضبط والتهذيب ومراعاة الإنسجام ووحدة الموضوعات. وبذلك دخل التأليف مرحلة  الغربلة والتمحيص.
- إلا أن التأليف سلك مسلكين مختلفين  :
1- مسلك التهذيب والترتيب والإختصار والتنقيح لأمهات ودواوين المذهب مع زيادة ما استجد. وفي هذا الصنف تندرج مصنفات ابن أبي زيد القيرواني إلا الرسالة ، وابن بشير ، وابن رشد.
2- صياغة منهجية جديدة للآراء الفقهية في المذهب ، فيكون الكتاب مبتدعا في منهجه وترتيب موضوعاته ، ومن هذه الكتب : رسالة ابن أبي زيد القيرواني ، والتلقين للقاضي عبد الوهاب ، والتفريع لابن الجلاب.
-  خصائص مرحلة التطور من ناحية الموضوعات :
اهتم علماء المالكية في هذه المرحلة بعلم القضاء والتصنيف فيه ، وخصوا معظم جهدهم في ثلاثة ميادين من ميادين تطبيق الفقه الإسلامي القضائي :
- 1 الوثائق والشروط : الوثائق هي (العقود أو الشروط التي يسجلها الموثقون العدول) ، وقد بدأت نهضة هذا الفن بالأندلس .
2  - ما جرى به العمل: ولا يعرف بالضبط متى بدأ به العمل ، وبالإستنتاج يكون ذلك في القرن الرابع الهجري. وقد خص بعض المالكية هذا الفن بتأليف كالباجي في كتابه فصول الأحكام ، إذ هو موضوع لبيان ما جرى عليه عمل الحكام .
3  - الفتاوى والنوازل: هو علم تروى فيه الأحكام الصادرة عن الفقهاء في الوقائع الجزئية ، ليسهل الأمر على القاصرين بعدهم . وكتب النوازل والفتاوى المالكية تنقسم إلى قسمين :
- الأول : كتب تحتوي على أحكام قضائية ، في قضايا عرضت على المؤلف بصفته قاضيا ، فاصدر حكمه فيها  ككتاب المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام للقاضي أبي الوليد هشام بن عبد الله .
- الثاني : كتب جمع فيها المؤلف فتاويه ، أو جمعها أحد تلامذته . 
- نماذج من الكتب المقبولة المؤلفة في هذا الدور :
1- المبسوطة ليحيى بن إسحاق الليثي الأندلسي (303هـ) : جمع فيه مؤلفه اختلاف اصحاب مالك وأقواله ، وبلغت عناية مالكية الأندلس بهذا الكتاب أن اختصروه بإشارة الخليفة الأموي .
2- مسائل الخلاف : محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي (305هـ)  جاء في شجرة النور الزكية ص78 : [كتابه] في مسائل الخلاف كتاب جليل.
3 - مختصر الواضحة : لفضل بن سلمة بن حريز (319هـ)  اختصر الواضحة لابن حبيب وزاد فيها من فقهه ، (وهو من أحسن كتب المالكيين) (ترتيب المدارك 5( 222-
- 4 المنتخبة لمحمد بن يحيى بن عمر بن لبابة المروزي (330هـ) وهي على مقاصد الشرح لمسائل المدونة.
5- الزاهي لأبي إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان المعروف بابن القرطي (355هـ) وفي كتبه عامة غرائب واقوال شاذة .
6- أصول الفتيا على مذهب مالك لمحمد بن حارث الخشني (361هـ) وهو يعنى بالتأصيل الفقهي وتقعيد القواعد الجامعة لمسائل من كل باب من أبواب الفقه وكان ميالا إلى جمع النظائر.
7- شرح المختصر الكبير لابن عبد الحكم لأبي بكر محمد بن عبد الله الأبهري (375) هـ
8- شرح المختصر الصغير له ايضا.
-9 مسلك الجلالة في مسند الرسالة ، للأبهري أيضا ، أسند فيها مسائل الرسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى أصحابه.
-10التفريع لعبيد الله بن الحسين (ابن الجلاب) (378هـ) ويسمى مختصر ابن الجلاب.
-11 الرسالة لابن أبي زيد القيرواني. 
-12النواذر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، له ايضا.
-13مختصر المدونة له أيضا.
-14عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار ، لابي الحسن علي بن عمر بن أحمد المعروف بابن القصار (397)هـ.
-15 الممهد في الفقه وأحكام الديانة لأبي الحسن القابسي (403 )هـ
-16التلقين للقاضي عبد الوهاب البغدادي (422 )هـ 
-17المعونة على مذهب عالم المدينة  له ايضا.
-18 الإشراف على نكت مسائل الخلاف له ايضا.
-19 الوثائق للباجي : لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الباجي (433 )هـ
-20 تهذيب المدونة لخلف بن سعيد الأزدي القيراوني (البراذعي ) (438 )هـ.
-21الإستذكار لابن عبد البر (463 هـ.
وكتب الطرطوشي والباجي وابن رشد والمازري والقاضي عياض وابن شاس وغيرهم.
- طور الإستقرار:
يبدأ  ببداية القرن السابع وبكتاب (جامع الأمهات) ، بعد أن ختمت مرحلة التطور بكتاب (عقد الجواهر الثمينة لابن شاس.
- وقد شهد هذا الطور انصهار المدارس المالكية في بوثقة واحدة ساعد على هذا عوامل منها : 
- غياب مدرسة العراق ومدرسة المدينة وضعف تأثيرهما العلمي إلا المدينة بعد ظهور ابن فرحون.
- ضعف المدرسة الأندلسية بسبب الأوضاع السياسية، ثم لم تلبث أن غابت بعد حروب الإسترداد.
فلم تبق إلا المدرسة المصرية والمغربية  وكانت العلاقات العلمية بين المدرستين قوية جدا ، فخليل بن إسحاق اعتمد في مختصره على أعلام المدرسة المصرية ولم ينس المغاربة كابن عبد السلام( 749 )هـ وابن هارون وكذلك متقدميهم كاللخمي والمازري وابن يونس .
وقد ظهر في مقابل الشيخ خليل ، ابن عرفة حيث اشتهر بتحقيقاته في المذهب لم يلبث شراح خليل أن اعتمدوها واعتمدوا استظهاراته كتاج الدين الدميري (بهرام بن عبد الله) (815هـ) في كتابه الشامل وابن مرزوق (842هـ) في شرحه على المختصر.
- وقد تميز هذا الدور بسمة الترجيح بين الروايات وهو دور اجتهاد نظري :
والقاعدة المعتمدة في هذا الدور يلخصها أبو الحسن الطنجي (734هـ): " قول مالك في المدونة أولى من قول ابن القاسم فيها ، لأنه الإمام الأعظم ، وقول ابن القاسم فيها أولى من قول غيره فيها ، لأنه أعلم بمذهب مالك رضي الله تعالى عنه ، وقول غيره فيها أولى من قول ابن القاسم في غيرها ، وذلك لصحتها".
- ويزيد الخرشي ضابط الترجيح وضوحا وهذا حاصله :
- 1 -   قول الإمام الذي رواه ابن القاسم في المدونة.
2 -  - قول الإمام الذي رواه غير ابن القاسم في المدونة.
  - 3 - قول ابن القاسم في المدونة .
  - 4 - قول غير ابن القاسم في المدونة.
  - 5 - قول الإمام الذي رواه ابن القاسم في غير المدونة.
  6 - - قول الإمام الذي رواه غير ابن القاسم في غير المدونة.
  - 7 - قول ابن القاسم في غير المدونة.
- 8 -   ثم اقوال علماء المذهب.
- أما فيما يخص تصنيف الآراء الفقهية طرحا واعتمادا فإن الرأي الفقهي لا يعدو إحدى الدرجات الثلاث :
1- الراجح : وهو ما قوي دليله.
2- المشهور : وتختلف الآراء في تعريفه ومنها :
أ- ما قوي دليله.
ب- ما كثر قائلوه، وهو المعتمد عند اكثر المتأخرين.
ج- رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة. 
3- الضعيف ويقابل الراجح ، والشاذ ويقابل المشهور.
فإذا صح في مسألة ما قول راجح أو مشهور فلا يجوز العدول عنه إلى الشاذ والضعيف إلا إذا كان العمل عليه .
- لكن من يقبل قوله في التشهير ؟
- يرى المتأخرون أن ابن رشد والمازري وعبد الوهاب متساوون في التشهير.
- ويقدم قول ابن رشد – فيما لم ينبهوا على ضعف قوله- على كل من ابن بزيزة 673هـ (كما رجح صاحب النيل) وابن يونس واللخمي .
- وابن يونس مقدم على اللخمي.
- هذا فيما يخص الأفراد أما المدارس :
فإن للمصريين الأسبقية دائما فإن اختلفوا مع العراقيين أو المدنيين فروايتهم مقدمة ، ثم يأتي المغاربة بعدهم في المرتبة لكنهم إن اختلفوا مع المدنيين يقدم المدنيون. 
- أهم المصنفات في المذهب المالكي:
قام مذهب الإمام مالك على كتابين:
1- الموطأ
وهو كتاب به من الأحاديث 822، ومن آثار الصحابة 613، ومن آثار التابعين 235 (مالك – أبو زهرة ص 192)؛ فهو كتاب حديث وفقه، على غرار مجموع الإمام زيد الذي هو أساس مذهب الزيدية.
ألفه الإمام مالك للإجابة على تحد كان مطروحا على الساحة الإسلامية، هو اختلاف الأحكام والفتاوى بين عواصم العالم الإسلامي، وخاصة بين البصرة والكوفة، وما إليهما، نظرا لقلة المرويِّ من السنة الذي أدى إلى اختلال منهجية التشريع، ونظرا لكثرة الفرق العقدية والسياسية بالعراق، مما دعا بعض المثقفين، كعبد الله ابن المقفع، أن يرفعوا ملتمسا إلى الملك أبي جعفر المنصور العباسي، لتصحيح الخلل، وللعمل على توحيد التشريع، بجمع الآراء الفقهية مع أدلتها لدى كل فريق، ليختار من بينها الأقوى دليلا، فتتم رقابة الفقه بالشرع، ويصدر ذلك في مدونة رسمية، تلزم الجميع في القضاء والفتوى؛ لأن التأصيل في الكتاب والسنة يرفع الخلاف، أو يخفض حجمه على الأقل {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء 81).
قال عبد الله بن المقفع في ملتمسه: ومما ينظر أمير المؤمنين فيه بهذه الأقضية والسير المختلفة، فترفع إليه في كتاب، ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة، أو قياس، ثم نظر في ذلك أمير المؤمنين، وأمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله، ويعزم عليه عزما، وينهي عن القضاء بخلافه وكتب بذلك كتابا جامعا، لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطأ، حكما واحدا صوابا.
وطلب أبو جعفر المنصور من الإمام مالك أن يؤلف كتابا جامعا يكون مدونة رسمية لعالم الإسلام، قال أبو جعفر المنصور للإمام مالك  "اجعل العلم - يا أبا عبد الله - علما واحدا" ( المجموعة الكاملة لمؤلفات عبد الله بن المقفع ص 206- 208(.
وألف الإمام مالك (الموطأ)، لكنه اعتذر أن يصبح مدونة رسمية عامة للعالم الإسلامي، بحجة أن أغلب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يجمع بعد، وهي موزعة في الأقاليم الإسلامية، حسب المناطق التي اختار عدد من الصحابة، رضي الله عنهم، الإقامة بها؛ قال الإمام مالك لأبي جعفر المنصور: "يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم (ترتيب المدارك، ج2 ص72(
ولقد اتفق الجميع أبو جعفر المنصور والإمام مالك أن يتم التمهيد لتوحيد التشريع بربط الصلات بين فقهاء الأمصار، للإطلاع على مصادر التشريع من السنة النبوية وما يتصل بها، وخاصة بين فقهاء العراق وفقهاء الحجاز؛ فاتصل محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وروى الموطأ عن الإمام مالك، مقارنا بين فقه الأحناف وفقه مالك؛ ثم زار أبو يوسف المدينة المنورة، فأراه مالك أحباس الصحابة، رضي الله عنهم، مما لم يصل الأحناف، فأنكروا لذلك شرعية الوقف، فقال أبويوسف : "قد رجعت، يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي(يعني أبا حنيفة رحمه الله) ما رأيت لرجع كما رجعت"( مجموع فتاوى ابن تيمية ج 20، ص 307(
في نفس الوقت عمل الكل على تنشيط حركة جمع السنة النبوية في أقطار العالم الإسلامي حيث سيظهر الإمامان البخاري ومسلم، وأصحاب السنن أبو داود، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، وأصحاب المسانيد وعلى رأسهم الإمام أحمد الذي سجل مسنده لوحده، 27.647 حديث؛ وذلك لتوفير وسائل رقابة الفقه بالشرع؛ حتى يتم الانسجام مع الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
2- المدونة
طبعت المدونة بمصر في 6 مجلدات ضخام، يزيد كل واحد منها عن خمس مائة صفحة، وهي مجموعة مسائل وأجوبتها، كان جمعها دون دليل من الكتب والسنة، أسد بن الفرات(هوأسد بن الفرات النيسابوري الأصل، التونسي الدار، كان قديما بتونس على عهد الأغالبة ورأس جيش فتح صقلية، فمات بها شهيدا، سنة 213هـ، وهو يحاصر مدينة سرقوسة)، على مذهب الأحناف ثم تحول بها إلى المذهب المالكي، فسمع أجوبتها من جديد، من عبد الرحمن بن القاسم(هو عبد الرحمن بن القاسم العتقي المصري صحب مالكا 20 سنة أخرج له النسائي والبخاري توفي بمصر 191هـ).  بعد وفاة الإمام مالك؛ فجاء بها أسد إلى بلده تونس، فنسخها منه عبد السلام سحنون، وعاد هذا الأخير إلى عبد الرحمن بن القاسم، فسمع أجوبتها منه مرة ثانية، فتراجع عبد الرحمن بن القاسم عن كثير مما كان أجاب به أسد بن الفرات؛ ولما عاد سحنون بالمدونة إلى تونس، صحب معه كتابا من عبد الرحمن بن القاسم، إلى أسد يقول فيه: " أن أصلح كتبك على ما في كتب سحنون"(مالك -أبوزهرة - ص 209، 210، ومقدمات بن رشد، ص 28، وسحنون هو عبد السلام بن سحنون التنوخي، قدم أبوه في جيش إلى القيروان فعمل سحنون قاضيا لبني الأغلب المستقلين عن الخلافة العباسية، وكان لا يولي القضاء إلا مالكيا، ولا يقبل فتوى إلا على المذهب المالكي، توفي سنة 240هـ)
يقول الإمام بن رشد (الجد) عن المدونة، التي تضم " 36 " ألف مسألة "حصلت أصل علم المالكيين، وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطأ الإمام مالك، ويروى: أنه ما بعد كتاب الله كتاب أصح من موطأ مالك، رحمه الله؛ ولا بعد الموطأ ديوان في الفقه أفيد من المدونة؛ والمدونة عند أهل الفقه ككتاب سيبويه عند أهل النحو،...وموضعها من الفقه هو موضع أم القرآن من الصلاة، تجزئ عن غيرها ولا يجزئ غيرها عنها (مقدمة بن رشد، ص 27، توفي ابن رشد الجد سنة 520 بقرطبة).
كان للعلماء في تونس مؤاخذات على المدونة، منها أنها مسائل مجردة عن التأصيل، قائمة على منهج (التقليد) الذي يقوم على أخذ الحكم عن الإمام مالك وأصحابه دون دليله: فقالوا لمن جاء بها " جئتنا بأخال وأظن، وأحسب وتركت الآثار وما عليه السلف(ترتيب المدارك ج3 ص 298)؛ فكان من ذلك أن أعاد سحنون النظر فيها من جديد، فهذبها وبوبها، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك، ما اختار ذكره، وذيل أبوابها بالحديث، والآثار إلا كتبا منها مفرقة، بقيت على أصل اختلاطها"( ترتيب المدارك ج 3 ص 299.(
ورغم أن المدونة صارت أصل المذهب المرجح روايتها على غيرها عند المغاربة، وإياها اختصر مختصر وهم، وشرح شارحوهم وبها مناظرتهم، ومذاكرتهم"، كما يقول القاضي عياض(ترتيب المدارك ج3 ص 299.)، فإن أحد الفقهاء المحدثين أحرقها في تونس، وهو عباس الفارسي(هو عباس ابن أبي الوليد الفارسي الحافظ، المحدث، رحل مع أسد ابن الفرات إلى الإمام مالك، وسمع في رحلته الكثير من المحدثين، لكن أسد بن الفرات القاضي جلده لما احرق المدونة، ولما لامه الأصدقاء قال: إنه بجلده أنقده من الإعدام الذي كان ينويه الأمير بتونس (شجرة النور الزكية ص 62)، لأنها كتاب به مسائل تخالف سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
لقد نشأ عن ( الموطأ) رغم الحجم الصغير للحديث فيه، فقه الكتاب والسنة، الذي يتشبث بمنهج السلف الصالح في التشريع، بالتأصيل، والتدليل على القواعد والأحكام، ونشأ عن (المدونة) فقه المسائل الذي يتخذ منهج (التقليد) دون اهتمام بالتأصيل، أو بمنهج السلف، وكانت العلاقة بين النوعين من الفقه تكاملا في المرحلة الأولى؛ لكن سرعان ما غلب اتجاه فقه المسائل، فأفلت الفقه، بنسب متفاوتة، من رقابة الشرع، وخاصة على عهد المرابطين، في المغرب والأندلس معا؛ حيث وجد من يجاهر بمعاداة السنة النبوية، ويحارب أهلها، وقد قال أصبغ بن خليل (أبو القاسم القرطبي فقيه، حافظ للمذهب متعصب له، توفي سنة 273هـ) لأن يكون في تابوتي رأس خنزير، أحب إليَّ من أن يكون فيه مسند ابن أبي شيبة(ترتيب المدارك ج4 ص 252-251)؛ وذلك رغم أن اتجاه التأصيل لم ينقطع من المغرب العربي ومن الأندلس لهذه الفقرات؛ فقد وجد ابن أبي زيد القيرواني(هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد، عده الحجوي من مجددي القرن الرابع الهجري، كان يلقب بمالك الصغير توفي سنة 386هـ، الفكر السامي ج 3 ص 116)، وابن عبد البر القرطبي( فقيه قرطبة جمع بين الفقه والحديث، له شرح (التمهيد) على موطأ مالك توفي سنة 463هـ.)، وأبو الوليد الباجي(هو القاضي أبو الوليد سليمان الباجي فقيه ومحدث، شرح الموطأ، وأكثر نسخ الإمام البخاري بالمغرب إما رواية الباجي عن أبي ذر الهروي، وإما رواية أبي علي الصدفي، ناظر ابن حزم فقال ابن حزم عنه: لولم يكن للمالكية إلا عبد الوهاب والباجي لكفاهم. توفي سنة 474هـ)، واللخمي(هو أبو الحسن علي ابن محمد الربعي، أصله من القيروان، ولد بسفاقس، حيث توفي سنة 478هـ. ويعتبر من المجددين في المذهب المالكي؛ فهو فقيه ومحدث)، والمازري( هو محمد بن علي بن عمر التميمي المازري نسبة إلى مايزر بجزيرة صقلية، على ساحل البحر، ولد بالمهدية، وسكن بها، وتوفي بها سنة 536هـ، اشتهر بكتاب (المعلم) في شرح مسلم، الذي أتمه القاضي عياض بكتابه (إكمال المعلم(.) والقاضي عياض(هو أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي نسبة إلى يحصب قبيلة من حمير سكن أبوه سبتة، قادما من الأندلس، أتم شرح المازري لمسلم، وله عدة كتب أخرى، توفي في مراكش سنة 544هـ) ؛ يقول القاضي ابن العربي عن غياب منهج الإمام مالك، وسيطرة منهج التقليد الذي لا يلتفت إلى الدليل من الكتاب والسنة: " عطفنا عنان القول على مصائب نزلت بالعلماء، في طريق الفتوى ، لما كثرت البدع وتعاطت المبتدعة منصب الفقهاء، وتعلقت أطماع الجهال به، فنالوه بفساد الزمان، ونفوذ وعد الصادق صلى الله عليه وسلم، في قوله: اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا؛ وبقيت الحال هكذا، فماتت العلوم إلا عند آحاد الناس، واستمرت القرون على موت العلم، وظهور الجهل، وذلك بقدر الله تعالى، وجعل الخلف، منهم يتبع السلف، حتى آلت الحال إلى ألاّ ينظر في قول مالك، وكبار أصحابه، ويقال قد قال في هذه المسالة أهل قرطبة، وأهل طلمنكة، وأهل طليطلة، وصار الصبي إذا عقل، وسلكوا به أمثل طريق لهم علموه كتاب الله، ثم نقلوه إلى الأدب، ثم إلى موطأ مالك، ثم إلى المدونة، ثم إلى وثائق ابن العطار، ثم يختمون له بأحكام ابن سهل؛ ثم يقال له: قال فلان الطليطلي، وفلان المجريطي، وابن مغيث(هو محمد ابن محمد بن مغيث الصدفي، من أهل طليطلة فقيه مالكي متعصب، توفي سنة 444هـ)، لا أغاث الله ثراه ! فيرجع القهقري؛ ولا يزال يمشي إلى وراء ولولا أن الله مَنَّ بطائفة تفرقت في ديار العلم وجاءت بلباب منه، كالقاضي أبي الوليد الباجي، وأبي محمد الأصيلي (هو عبد الله ابن إبراهيم ابن محمد الأموي، الأصيلي نسبة إلى مدينة أصيلة غرب مدينة طنجة فقيه محدث رحل إلى المشرق وظل به (13سنة) سمع فيها محدثين وسمعوا منه، حتى قال عنه الدارقطني: حدثني أبو محمد الأصيلي ولم أر مثله عاش مدة في قرطبة ، وكان على علاقة بالمنصور ابن أبي عامر، فقر به واجر عليه من الرزق ما يكفيه وظل بقرطبة حتى توفي سنة 392هـ)، فرشوا من ماء العلم على هذه القلوب الميتة، لكان الدين قد ذهب (الفكر السامي- الحجوي ج 4 ص 177- 176، نقلا عن كتاب ابن العربي (القواصم من العواصم)، وابن العربي هوأبوبكر بن عبد الله الشهير بابن العربي المعافري، من أهل إشبيلية ذهب إلى بغداد في سفارة ليوسف ابن تاشفين إلى الخليفة العباسي يعلن له بيعة المرابطين بالمغرب للخليفة، وهو فقيه محدث شرح سنن الترمذي بكتابه ( عارضة الأحوذي) توفي بفاس 543).
-  مناطق انتشار المذهب المالكي:
إن المذهب المالكي توسع شرقا وغربا وصاحبه ما زال على قيد الحياة، وكتب له الانتشار وتمكن من قلوب الناس واعتمدوه منهجا سلوكيا في حياتهم، وعليه دارت الفتوى والقضاء في كثير من أصقاع الدنيا ولقرون عديدة، وفي هذا نود إلقاء نظرة  مختصرة على المناطق التي إنتشر بها المذهب مالك بفضل حنكة وجهد تلاميذه.
- الحجاز: كان من طبيعة الحال أن ينتشر المذهب المالكي في الحجاز في بداية أمره لأنه من الحجاز نبع، وفيه نما وترعرع، حيث فيه مهد النبوة، المدينة المنورة معقل ال البيت والصحابة رضي الله عنهم أجمعين،كعمر وزيد بن ثابت وغيرهم ممن يشكلون الأصول الأولى لمذهب مالك بن أنس رحمه الله.
فالمدينة المنورة كانت بمثابة قاعدة هذا المذهب ومدرسته الأصلية، منها انتشر في جهات مختلفة من الحجاز، ومن هناك سوف ينتقل إلى مصر ثم اليمن ثم إلى العراق،ثم إفريقية (تونس) وما وراءها من بلاد المغرب والأندلس.
- العراق: انتقل المذهب المالكي إلى العراق وزاحم مذهب الأحناف، واستقر بالبصرة وبغداد،حيث قام بنشره تلامذة مالك أمثال عبد الرحمن بن مهدي (198هـ) والقعنبي، وأبي حذافة السهمي، وسليمان بن بلال (176هـ) قاضي الرشيد ببغداد، وابي عبد الرحمن بن عبد الله المبارك (181هـ) والذين جاءوا من بعدهم كابن المعدل والقاضي ّإسماعيل (282هـ) صاحب المبسوط ، والأبهري (395هـ) والقاضي عبد الوهاب البغدادي وبموت هؤلاء رحمهم الله ضعف المذهب وانتقل امر العراق الى الشافعية والحنفية.
- خرسان : دخل المذهب المالكي خرسان وماوراء العراق بواسطة بن يحيى التميمي، وقتيبة بن سعيد، وانتشر المذهب كذلك بقزوين وأبهر وما والاها من بلاد الجبل وكان له هناك أئمة وقضاة وأتباع.
- فارس : دخل المذهب الى بلاد فارس على يد القاضي أبي عبد الله الروكاني الذي ولى قضاة الأهواز.
- بلاد الري : أدخله إليها كبير اللغويين أحمد بن فارس (تـ369هـ) ويروى عنه أنه كان شافعيا، فصار مالكيا، وقال: دخلتني الحمية لهذا البلد ، كيف لا يكون رجل على مذهب الرجل المقبول على جميع الألسنة.
- الشام : دخلها أصحاب مالك منهم الوليد بن مسلم، و أبو مسهر ، وأبومروان بن محمد التتاري،وغيرهم.
- مصر: انتشر المذهب على يد تلامذة مالك مؤسس المذهب ونذكر منهم:  إبن القاسم (تـ191هـ)، وأبو عبد الله محمد بن وهب القرشي(تـ163هـ) وأبو عمر أشهب القيسي(ت204هـ)، وأبو محمد بن عبد الحكم (تـ214هـ) وعثمان بن الحكم الجذامي (تـ163هـ)وعبد الرحيم بن خالد بن زيد (تـ163.
- تونس القيروان :كان الغالب على أهل تونس في القديم مذهب الأحناف، وأول من أدخل المذهب المالكي إليها علي بن زياد صاحب الرواية المشهورة للموطأ (تـ183هـ) والبهلول بن راشد (تـ183هـ)، وأسد بن الفرات (تـ213هـ) وغيرهم من أصحاب مالك الذين تتلمذوا على يديه وأخدوا عنه مباشرة، ولقد انتشر المذهب على أيديهم بشكل واسع مما سيمهد للغلبة الكاملة على يد سحنون(تـ240هـ) حيث استقر المذهب في الفتوى والقضاء وأخد به الناس في عبادتهم ومعاملاتهم إلى أن جاءت دولة الأغالبة فمالوا إلى الأخد بمذهب الأحناف وآثروهم في القضاء والرياسة، والامر نفسه كان مع العبيديين، إلى أن جاء المعز بن باديس فأرجع الناس إلى مذهب مالك حسما للخلاف، واستمر هو السائد إلى حين دخول العثمانيين تونس.
- صقلية :كانت الجزيرة خاضعة للحكم الإسلامي، وأول من أدخل إليها المذهب المالكي هو عبد الله بن حمدون الكلبي الصقلي تلميذ الامام سحنون وهو أول فقهاء صقلية، ومحمد بن ميمون بن عمرو الإفريقي قاضي صقلية، ولقمان بن يوسف الغساني الصقلي.
-الأندلس :كان أهل الأندلس على مذهب الأوزاعي تقريبا بعيد الفتح الإسلامي، إلى أن رحل أبناؤها إلى الحجاز، فأخدوا العلم من إمام دار الهجرة، وعادوا بمذهبه ينشرونه في بلادهم، ونذكر من هؤلاء: زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون (تـ204هـ) وهو على الأرجح أول من أدخل مذهب مالك إلى الأندلس.وقرعوس بن العباس(تـ220هـ)، والغازي بن قيس (تـ199هـ)،ويحيى بن يحي الليثي (234هـ)، وعيسى بن دينار القرطبي (212هـ.
هؤلاء وغيرهم جاءوا بعلم مالك، وأبانوا للناس فضله، واقتداء الأمة به، وأخد به الأمير هشام بن عبد الرحمن بن معاوية، واعتمده في القضاء والفتيا وامر الناس باتباعه وذلك سنة (170 )هـ. وتذكر المصادر التاريخية أن قوما من الرحالين والغرباء أدخلوا شيئا من مذهب الشافعي وابي حنيفة واحمد وداود، فلم يتمكنوا من نشره، فمات بموتهم.
- المغرب :كان المغرب منذ الفتح الإسلامي على مذاهب شتى من حنفية وخارجية ومعتزلية. وغيرها كمذهب الأوزعي، إلى أن قامت دولة الأدارسة، فكان من بين أعمال الامير إدريس بن الحسن بن حسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم هو دعوته الناس للأخد بمذهب مالك واتباع منهجه وجعله مذهبا رسميا للدولة وقد روي عنه  (نحن أحق باتباع مذهب مالك وقراءة كتابه الموطأ)) وأصدر الأمر لأعيانه وقضاته بنشر كتاب الموطأ وإقراءه.
وتذكر كتب التراجم أن الموطأ أول كتاب حديثي نقل في عهد الملك إدريس إلى المغرب، نقله قاضيه عامر بن محمد القيسي الذي سمع من مالك والثوري وروى عنهما مؤلفاتهما وقدم بها إلى المغرب، فسمع منه إدريس رحمه الله وغيره من الفقهاء.
وتعزز المذهب المالكي بالمغرب نتيجة رحلة نخبة من العلماء الى بلاد الحجاز وعودتهم بعلم مالك وعزمهم على نشره ونذكر منهم: أبو هارون البصري،وأحمد بن فتح المليلي،ودراس بن إسماعيل (تـ357هـ) وهو أول من أدخل مدونة سحنون إلى المغرب، وابن العجوز، وأبو جيدة، وغيرهم كثير. وقد تعددت رحلات المغاربة الى بلاد الحجاز في وقت مبكر للأخد عن إمام دار الهجرة ومثال ذلك ماروي عن أحد أعلام سجلماسة من أنه أخذ عن الإمام مالك ورجع إليها ودرس العلم بها.
هكذا لم يمض القرن الثاني الهجري حتى كان المذهب قد امتد الى ثلاث قارات، وترسخ بها واعتمد في القضاء والفتوى.
- أسباب انتشار المذهب المالكي في المغرب الإسلامي :
إن المتأمل في مسيرة الفقه الإسلامي لا يلبث أن يشد انتباهه ظاهرة فريدة ومتميزة تخص المغرب الإسلامي والتي تكمن في أن الفرق الكلامية -عدا المدرسة السنية- والمذاهب الفقهية -عدا المذهب المالكي- ما لبثت أن تقلص نفوذها واضمحل وجودها بعد انتشارها بزمن ليس بالطويل. وهذه الظاهرة التي يتميز بها المغرب الإسلامي عن سائر الأقطار الإسلامية الأخرى لتدعونا إلى التساؤل لماذا انتشرت هذه الآراء دون غيرها؟ وكيف استمرت ؟ وما العوائق التي واجهتها ؟ وكيف تعاملت مع هذه العوائق؟ ثم : ما هو الأثر الذي لعبته هذه الآراء في الحياة المغاربية؟ 
وهذه محاولة للإجابة على سؤال واحد فقط ­ هو الأول ­ ومقتصرا على الفقه دون غيره؛ ولا تعدو أن تكون منبها إلى قيمة الموضوع و مفتاحا لدراسات معمقة تجلي حقيقة الموضوع بوضوح أكثر و طرح أدق بهدف: 
  1- المساهمة في خدمة المذهب المالكي بإبراز عوامل نشوئه ونموه واستمراره. 
2-  المساهمة في عملية فهم الواقع المغاربي من أجل إدراك الوظيفة التاريخية للمغرب الإسلامي. وإدراك مدى مساهمة المذهب المالكي في تعميق وتأصيل هذه الوظيفة. والغرض العملي من كل هذا هو فهم أثر المذهب المالكي في تشكيل الواقع المغاربي المعاصر حتى لا يُتجاهل في أي عملية تغييرية أو تنموية. 
  -3 تطوير وتحسين الأداء التغييري للحركات الاجتماعية في المغرب الإسلامي من خلال الحفاظ على هذا المكسب الثمين الذي حافظ على وحدة المجتمع وهويته الثقافية و من خلال التركيز على استغلاله بشكل يدعم عملية التغيير ويساندها. والله المستعان. 
- الاطار التاريخي 
ما لبث أوائل المغاربة الذين أسلموا أن أحسوا بواجبهم تجاه فهم هذا الدين وتعلم أحكامه ثم الالتزام بتعاليمه وأوامره ونشره في المناطق التي لم تعرف بعد هذا الدين أو لم تتقبله جيداً ؛ لذا تراهم يرحلون من أجل تعلم هذا الدين إلى الكوفة والبصرة ودمشق ومصر فضلا عن مكة والمدينة؛ولم يكتفوا بالأخذ عن الصحابة الذين دخلوا إفريقيا أو التابعين الذين استقروا بها أو الذين زاروها ثم رجعوا إلى إقاماتهم دون أن ننسى الوفد الذي أرسلته السلطة السياسية الحاكمة في دمشق في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ؛وبدأ بهذا انتشار العلم بالمغرب الإسلامي بالتعلم في الوطن أولا ثم بالرحلة إلى الحواضر العلمية للاستزادة ثانيا. 
وبعد عودة الذين رحلوا لطلب العلم إلى بلادهم بدأت فكرة انتشار مذاهب فقهية معينة في بلاد المغرب خاصة مذهب أبي حنيفة النعمان ومذهب مالك بن أنس وبدرجة أقل مذهب الأوزاعي. ثم كثر أتباع الإمام مالك وانتشروا في البلاد انتشارا واسعا حتى استحوذ هذا المذهب على الساحة الفقهية المغاربية حتى صار لا يُفتى إلا به ولا يُولى إلا من انتسب إليه؛ وبذلك تشكل واقع متميز تمكن من القضاء على المذاهب المنافسة ­ أو تحجيمها على الأقل ­ حتى أنّ الرحالة المغاربة كانوا يتفاجؤون من تعدد المذاهب التي يرونها في رحلاتهم إلى المشرق إضافة إلى بعض التصريحات الدالة على هذه السيادة مثل ما قاله ابن التبان لو نشرت بين اثنين ما خالفت مذهب مالك أو مثلما تعبر عنه بعض الأمثال الشعبية الشائعة "سيدي خليل والألفية، الحكمة ثمة مخفية" دون أن ننسى تأثر القوانين الحالية بالمذهب المالكي خاصة في ما يتعلق بشؤون الأسرة. فهذه الأدلة وغيرها تؤكد سيادة المذهب المالكي على الربوع المغربية وإذا ما حاولنا تعليل ذلك بالنظر في أسباب هذا الواقع خلُصنا إلى ثلاثة عوامل أساسية هي: 
1- العامل النفسي والاجتماعي: 
ويتلخص هذا العامل في الأسباب التالية:
1- تأثير الإمام مالك بن أنس على المغاربة: 
لقد كان لشخصية مالك بن أنس ­ صاحب المذهب ­ المتميزة أبلغ تأثير في تحبيب مذهبه إلى الناس عامة والمغاربة ؛ ويتضح ذلك لمن يطالع ترجمته وذلك من خلال أخلاقه العالية واهتمامه بالطلبة المغاربة خاصة. فأما أخلاقه فكان المعروف عنه الكرم ومحبة الناس والتواضع والحرص على الخير والزهد في ما في أيدي الناس عامة والولاة إضافة إلى تهيبه الشديد من الفتوى وتحريه الشديد لما ينقل ويرويه من حديث النبي ­ صلى الله عليه وسلم ­ وإقباله على ما ينفع وتركه خلاف هذا، مع ما عرف عنه من توقير حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -­ وكل هذا وغيره مكنّ حبه من التوطد في قلوب الناس فكانوا لا يخرجون عن حكمه ولا يعقبون على رأيه و لا يفتون ومالك في المدينة . 
وأما عنايته بالطلبة المغاربة: فقد كان شديد العناية بالطلبة عموما حتى قال للمهدي لما طلب السماع منه هذا شيء يطول عليك، ولكن أكتبها لك وأصححها وأبعثها إليك. ولما جاءه كتاب ابن غانم يوصيه بعبد الله بن أبي حسان اليحصبي أكرمه حتى قال عبد الله فلم أزل عنده مكرَّما. وأما الطلبة المغاربة فلم يكن يزدريهم ­ كما فعل زُفَرُ بن الهذيل تلميذ أبي حنيفة الذي كان يزدري عبد الله بن فَرُّوخٍ للمغربية، بل كان يثني عليهم ويقول: إنَّ أهل الأمن والذكاء والعقول من أهل الأمصار ثلاثة: المدينة ثم الكوفة ثم القيروان ، فكان لسلوكه هذا الأثر الحسن في نفوس المغاربة. ومما ساعد على نمو هذه العلاقة تفسير العلماء لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -­ يُوشِكُ أَن يَضرِبَ النَّاسُ أَكبَادَ الإِبِلِ يَطلُبُونَ العِلمَ فَلاَ يَجِدُونَ أَحَداً أَعلَمَ مِن عَالِمِ المَدِينَةِ فقد قال العلماء أن مالكا بن أنس هو المقصود بالحديث، وكان هذا التفسير بمثابة الحجة الشرعية الدالة على مبلغ علم الإمام مالك، وهذه الميزة لا تتوفر لأي مذهب من المذاهب الأخرى.
2- تأثير التلاميذ والأتباع: 
ويتضح تأثيرهم من الناحيتين التاليتين: 
2-1 التأثير الكمي: لقد رزق الله مالكا بن أنس البركة في التلاميذ والأتباع ما لم يرزقه إمام من الأئمة الآخرين؛ فلقد عُدَّ تلاميذه الذين أخذوا عنه العلم بأزيد من ألف وثلاثمائة [1300] تلميذ عدد السيوطي منهم أزيد من تسعمائة [900] رجل بأسمائهم وألقابهم وأنسابهم وبلغ بهم الألف [1000] وطبيعي أن ينشر هؤلاء التلاميذ علم أستاذهم ويدافعوا عن علمه، وهذا ما حدث بالضبط في المغرب حين نشر أسد بن الفرات وعبد الله بن فروخ ويحي بن يحي الليثي والبهلول بن راشد وزياد بن عبد الرحمن وعلي بن زياد ومن بعدهم. 
2-2  التأثير النوعي: وأقصد بذلك ما تمتع به تلامذته وأتباعه من هيبة قوية ومحبة لدى الناس مكنتهم من كسبهم ­ خاصة العامة ­ والتأثير فيهم : فلما أراد محمد بن مقاتل العكبي ­ وكان واليا ­ ضرب البهلول بن راشد ­ الفقيه المالكي ­ رمى الناس أنفسهم عليه حماية له من السياط. كذلك وقف عبد الله بن غانم ضد إبراهيم بن الأغلب من أجل استرداد أموال الناس التي أخذها الأمير ظلما وحمدها له الناس واغتبطوا به .ومن أمثلة هذا ما جاء في ترجمة العالم سحنون قالوا  اجتمعت فيه خلال قلما اجتمعت في غيره الفقه البارع ، والورع الصادق ،الصرامة في الحق ، الزهادة في الدنيا ولم يكن يهاب السلطان في حق يقوله.
3- تشابه بيئتي الحجاز والمغرب من الناحية الاجتماعية: 
وهو ما عبر عنه ابن خلدون بـمناسبة البداوة بين أهل الحجاز وأهل المغرب حيث قال "وأيضا فالبداوة التي كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى الحجاز أميل بمناسبة البداوة ورغم كل ما أثاره هذا القول من آثار وزوابع كلامية فإن جانبا منه صحيح يكمن في التشابه بين البيئتين من حيث أن تأثير الحضارات المجاورة والوافدة لم يكن بشكل فعال فإذا كان العربي لا يرضى أن يتشبه برومي أو مجوسي ولا يقبله أن يكون حاكما عليه ومصدرا لقيمه له، فكذلك البربري لم يرض يوما بوجود البيزنطيين ولا الوندال وغيرهم ، فالبيئتان صنعتا نفسيهما بأنفسهما دون تأثير كبير من بيئات أجنبية على عكس بيئات إسلامية قريبة كالعراق والشام التي صنعت شخصياتها من تثاقف حضارات وافدة ومجاورة. 
2- العامل الجغرافي:
- دور قافلة الحج في التلقي على مذهب مالك: 
يعتبر الحج مؤتمرا سنويا يجتمع فيه المسلمون من كل الأقطار لأداء فرض الله الذي افترضه عليهم ثم يعرجون إلى المدينة لزيارة قبر النبي ­ صلى الله عليه وسلم ­ والصلاة في مسجده. 
وكما كان يصاحب قافلة الحج من التجار يتجرون إلى مكة والمدينة ومصر؛ كان يصاحبها جمع من الطلبة الذين يطلبون العلم في مكة وفي المدينة وفي غيرها من الأقطار؛ وفي المدينة لا يجدون أشهر من عالمها مالكا ليأخذوا العلم عنه فيلازمونه ويتعلمون منه ثم يعودون لبلادهم ينشرون مآثر مالك وعلومه فيمهدون الناس لحبه وتقبل آرائه الفقهية خاصة وأنه كان في المدينة وهي مهبط الوحي ومحط أنظار المسلمين.
- نشوء المذهب بالديار المقدسة: 
كانت رحلة المغاربة لا تعدو أرض الحجاز إلا قليلا فقد كانوا يؤمونها للحج والعمرة فإذا أتموا ذلك عرجوا على المدينة لزيارة قبر النبي ­ صلى الله عليه وسلم ­ويقيمون بها يستمعون أخبارها. وكانت شهرة مالك تملأ المدينة وتتجاوزها إلى غيرها ؛لذلك كان الحجاج يقصدون مجلسه لطلب الفتوى وللتعلم وللتأدب والتبرك أثناء إقامتهم بالمدينة. 
وكان لجلوس مالك قرب قبر النبي ­ صلى الله عليه وسلم ­ وفي مسجده ­ صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عنه ويروي عنه فيتمثلونه في مقاٍم عالٍ جداً وهم أحدث الناس إسلاما ­فيؤثر ذلك على أنفسهم تأثيرا إيجابيا ؛وهذا مما يساعد مذهب مالك على الانتشار بين المغاربة لمَّا يحملون عنه أطايب الأخبار معطرة بالأجواء التي توحيها قيمة المدينة التاريخية والنفسية.
- بعد العراق عن طريق رحلة المغاربة إلى الحجاز: 
وكان لهذا العامل دور كبير ؛ فالكوفة تبعد آلاف الأميال عن المغرب وكذلك البصرة؛ وإنما كان المغاربة يرحلون إلى الحج إما عن طريق سيناء و ينعطفون منها عن طريق البر، وإما عن طريق البحر الأحمر ، ولم يكن العراق في طريقهم حتى يأخذوا عن علمائه والذين رحلوا إليه اثنان فقط: عبد الله بن فروخ وأسد بن الفرات. 
ثم إن العراق له ميزة أ خرئ جعلت المغاربة يعزفون عنه إضافة إلى بعده وهو أنه كان موطن الفرق المختلفة والنحل المتباينة ففي ربوعه كان الشيعة ­ معتدلوهم و غلاتهم ­ وفيه كانت المعتزلة والجهمية والقدرية والمرجئة وغيرهم منذ القدم حتى قال ابن أبي الحديد: ومما يقدح لي في الفرق بين هؤلاء القوم [الروافض] وبين الذين عاصروا رسول الله ­ صلى الله عليه وسلم ­ أن هؤلاء القوم من العراق وساكني الكوفة؛ وطينة العراق ما زالت تنبت أرباب الأهواء وأصحاب النحل العجيبة والمذاهب البديعة، وأهل هذا الإقليم أهل بصر وتدقيق ونظر وبحث عن الآراء والعقائد وشبه معترضة المذاهب ، وقد كان منهم أيام الأكاسرة مثل ماني و ديصان ومزدك وغيرهم، وليست طينة الحجاز هذه الطينة ولا أذهان الحجاز هذه الأذهان" 
3 - العامل السياسي: 
وأعني به التزام السلطات السياسية [الأمراء/الخلفاء/القضاة] بأحكام المذهب المالكي وكان هذا العامل نتيجة للجهود التي أثمرتها العوامل السابقة ولولاها لما كان لهذا العامل كبير أثر في التزام المجتمع المغاربي بالمذهب المالكي والدليل عليه ما صنعه الفاطميون الذين حاولوا فرض مذهبهم على الناس فحاربوه وناصبوه العداء ،وفي هذا السياق يمكن أن نفهم كلمة ابن حزم المشهورة: مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان الحنفي بالمشرق والمالكي بالمغرب". 
وسنركز في حديثنا على القضاة باعتبارهم ألصق السلطات السياسية بالناس بالمقارنة مع الأمراء والخلفاء ؛ونلاحظ تأثيرهم على الناس من خلال جانبين أساسيين:
1- صلابة القضاة في تنفيذ أحكام الشرع: 
إن تولي المالكية خطة القضاء وصلابتهم في تنفيذ أحكام الشرع ­ خاصة إذا تعلق الأمر بالأمراء والخلفاء ­ كان له أثر كبير على انتشار المذهب المالكي من حيث قبول الناس له ومن حيث قسر الناس على التعامل وفق أحكامه. ونمثل لذلك بما قاله سحنون للأمير محمد بن الأغلب لما ولاه القضاء مكرها أبدأ بأهل بيتك وقرابتك وأعوانك، فإنَّ قِبَلَهُم ظلمات الناس وأموال لهم منذ زمان طويل إذ لم يجترئ عليهم من كان قبلي ولذا لما قيل لسحنون هذا منصور دخل من تونس بالحرائر فركب وانتزع ما بيده فدخل منصور على ابن الأغلب وقد شق ثوبه وذكر ما جرى له مع القاضي وكان أن غضب الأمير وأرسل فتاه إليه قائلا له اردد السبي على منصور وإلا فأتــني برأسه وبعد قصة طريفة قال الأمير لمنصور سلني عما شئت عن حوائجك وأعرض عن خبر سحنون وفي قصة أخرى دخل ابن طالب مع الأمير جنانا قد طاب ثمره فناوله ثمرا منه ثم قال ابن طالب" أيها الأمير يجب لله شكر أن بلغك غرسه ثم أكلت ثمرته". فــقـال الأمير "ما هذا الشـكر ؟" قال أن تصلي ركعتين . فأمر الأمير بحصيرين فبسطا ثم صليا ثم قال ابن طالب  وبقي آخر قال وما هو ؟ قال تبعث بصدقة إلى أهل الدمنة فإنهم أهل زمانة وضعف .ففعل ثم قال  وبقي آخر .قال وما هو ؟ قال تعزل من عمالك من كان جائرا وتجعل مكانه من يعدل في الرعية فأمر الأمير بذلك. 
2 - أوصاف القضاة الحسنة: 
فقد قيل في محمد بن سحنون كان ابن سحنون إمام عصره في مذهب أهل المدينة بالمغرب جامعا لخلال قلما اجتمعت في غيره من الفقه البارع والعلم بالأثر والجدل والحديث والذب عن مذهب أهل الحجاز ،وقيل في يحيى بن معمر الألهاني الذي عُدَّ من خير القضاة في قصد بصيرته وحسن هديه و صلابة قناته ،لا يميل بلومة لائم وقيل في ابن طالب أنه كان عدلا في قضائه ،ورعا في أحكامه ،كثير المشاورة لأهل العلم من أهل مذهبه وغيرهم. 
- منزلة المذهب المالكي من بين المذاهب الأخرى:
مما سلف نستشف أن للمذهب المالكي فضائل ومزايا راجعة إما إلى شخصية صاحب هذا المذهب نفسه، وإما إلى البيئة النقية التي نشأ فيها ومكث فيها طول حياته ولم يخرج منها. إضافة إلى خصائص هذا المذهب المنهجية. 
فقد مزج المذهب المالكي في أصوله بين ما هو نقلي وبين ما هوعقلي مراعيا في ذلك مقاصد الشريعة وما تعارف الناس عليه في معاملاتهم وشؤون حياتهم مما لا يتعارض مع النصوص الصريحة.
وجدير بالذكر أن المذهب المالكي نال عناية واهتماما كبيرين من المستشرقين والأوربيين بصفة عامة، فدرسوه ونشروا كتبه ورسائله على أوسع نطاق، وتتبعوا فروع فقهه في مسائل متعددة (انظر في ذلك "المستشرقون" لنجيب العفيفي، و"موسوعة المستشرقين" للدكتور عبد الرحمن بدوي). كما استفادت من هذا المذهب أغلب القوانين العربية في تشريعاتها المدنية، وتعديلاتها التنظيمية.
- خصائص المذهب المالكي: 
إن المذهب المالكي الذي اختاره بعض المسلمين ومنهم المغاربة عن إيمان واقتناع وحجة وبرهان، ولم يبغوا به بديلا منذ عرفوه، جمع شملهم ووحد كلمتهم وصان دولتهم وعصمهم من التفرق والاختلاف بما يمتاز به من خصوصيات على صعيدين:
1- خصوصيات المذهب على مستوى أصول الفقه:
يمتاز المذهب المالكي على مستوى أصول الفقه بعدة مزايا وخصوصيات من أهمها: 
1- وفرة مصادره وكثرة الاصول: 
وهي المتمثلة في الكتاب والسنة والإجماع وعمل أهل المدينة والقياس والاستحسان والاستقراء وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والأخذ بالأحوط ومراعاة الخلاف. بالإضافة إلى القواعد العامة المتفرعة عنها والتي أنهاها بعض المالكية إلى ألف ومائتي قاعدة تغطي جميع أبواب الفقه ومجالاته. 
هذه الكثرة أغنت الفقه المالكي وأعطته قوة وحيوية ووضعت بين أيدي علمائه من وسائل الاجتهاد وأدوات الاستنباط ما يؤهلهم لبلوغ درجة الاجتهاد ويمكنهم من ممارسته ويسهل عليهم مهمته. وإذا كانت بعض المذاهب شاركت المذهب المالكي في بعض هذه الأصول فإن ميزة الفقه المالكي تكمن في الأخذ بجميع هذه الأصول بينما غيره لم يأخذ إلا ببعضها ورد الباقي. 
2- تنوع هذه الأصول والمصادر:
فإنها تتراوح بين النقل الثابت والرأي الصحيح المستمد من الشرع والمستند إليه كالقياس، هذا التنوع في الأصول والمصادر والمزاوجة بين العقل والنقل والأثر والنظر وعدم الجمود على النقل أو الانسياق وراء العقل هي الميزة التي ميزت المذهب المالكي عن مدرسة المحدثين ومدرسة أهل الرأي وهي سر وسطيته والإقبال الشديد عليه وضرب أكباد الإبل إلى إمامه أيام حياته. 
3- توسعه في استثمار الأصول المتفق عليها توسعا كبيرا :
مما ساعد ويساعد على سد الفراغ الذي يمكن أن يحس به المجتهد عند ممارسة الاجتهاد والاستنباط، وهكذا نجده في التعامل مع الكتاب والسنة لا يكتفي بالنص والظاهر بل يقبل مفاهيم المخالفة والموافقة وتنبيه الخطاب كما يقبل دلالة السياق ودلالة الاقتران والدلالة التبعية، وقد استدل بقوله تعالى:" والخيل والبغال والحمير لتركبوها " على عدم وجوب الزكاة في الخيل لاقترانها بالحمير التي لا زكاة فيها، كما توسع في باب القياس فقبل أنواعا من القياس لا يقبلها غيره ولم يخصه بباب من أبواب الفقه ولا نوع من أنواع الحكم. 
بينما نجد كثيرا من الفقهاء يردون بعض أنواع القياس ويضيقون مجالات المقبول عندهم، فلا يقبلون القياس على ما ثبت بالقياس ولا القياس المركب والقياس على مخصوص وقياس العكس، ولا يجيزون القياس في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات والاسباب والشروط والموانع. 
2- في خصوصياته على الصعيد الفقهي:
ونلخصها في أمور عشرة: 
1- رحابة صدره وانفتاحه على غيره من المذاهب الفقهية والشرائع السماوية السابقة واعترافه بالجميع واستعداده للتعايش معها والاستفادة منها بفضل قاعدة شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ التي اتخذها مالك أصلا من أصوله التي بنى عليها ما له وأسس عليها فقهه وانطلاقا من إيمانه بحرية الاجتهاد ووجوبه وأنه لا يقلد مجتهدا غيره، وأن المصيب واحد كما يراه مالك وأكثر علماء الأصول يتجلى ذلك: 
1- - في اتخاذ شرع من قبلنا شرعا لنا ما لم يرد ناسخ ، وهكذا أخذ المالكية بمشروعية الجعالة والكفالة من شريعة يوسف كما حكاه الله عنه في قوله: "ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " كما استدلوا على مشروعية قسمة مهيأة بقول صالح  "هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم" وعلى جواز الإجارة والنكاح على المنافع بقول صاحب مدين  "إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج ".
2 - - في إباحته الاقتداء بالمخالف في الفروع ولوترك شرطا من شروط الصلاة أو ركنا من أركانها في الفقه المالكي إذا كان الإمام لا يراه شرطا ولا ركنا في مذهبه، كالصلاة وراء من نام ولم يتوضأ أولا يقرأ في الصلاة أو يفتتح الصلاة بغير تكبيرة الإحرام على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. 
3 - - في رفضه تكفير المسلمين بالذنب والهوى فقد سئل مالك عن أكفار المعتزلة ؟ قال: من الكفر فروا. 
4 - - في تصحيحه حكم المخالف لمذهب مالك ومنع نقضه وإن خالف المشهور أو الراجح في المذهب المالكي، وهي القاعدة المعروفة بحكم الحاكم يرفع الخلاف .
5 - - فيما قرره الفقه المالكي في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن المختلف فيه لا يجب فيه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تحقق التعايش بين المذاهب والطوائف المختلفة وتحفظها من الصراع المذهبي والطائفي. 
6 - - فيما قرره الفقه المالكي أيضا أنه إذا لم يوجد نص للمالكية في النازلة المعروضة فإنه يعمل فيها بالفقه الشافعي أو الحنفي على خلاف بينهم. 
7 - - في رفض مالك فرض مذهبه وموطئه على جميع الأئمة حين عرض عليه الخليفة العباسي ذلك واعتذر مالك عن ذلك. 
8 - - في استحسانه العمل برأي المخالف ابتداء في بعض مواطن الخلاف من باب الورع والخروج من الخلاف، كقراءة البسملة سرا، وقراءة الفاتحة خلف الإمام للخروج من خلاف الشافعي. 
9 - - في قبوله رواية المبتدع إذا لم يكن داعية لمذهبه ولم يكن ممن يعرف بالكذب. 
10 - - في إباحته الخروج عن المذهب والعمل بقول المخالف عند الحاجة وفي بعض القضايا التي يصعب فيها الأخذ بالفقه المالكي أو لغير ذلك من الأسباب، روي عن مالك أنه دخل المسجد بعد صلاة العصر وجلس ولم يصل تحية المسجد فقال له صبي قم يا شيخ فاركع ركعتين، فقام فصلاهما، فقيل له في ذلك، فقال: خشيت أن يصدق علي قوله تعالى (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. (
هكذا إذن يتبين مدى انفتاح الفقه المالكي على غيره ومصالحته له وتعايشه معه في سلام وتفاهم ووئام وإمكان الأخذ عنه والاقتباس منه. وهذا هو الذي تفاعل في رحم المجتمع المغربي عبر التاريخ ليجعل منه هذا المجتمع المنفتح المتسامح المتسع لمخالفة المخالفين لكن دون فقد خصوصياته ولا تضييع هويته، مما يمكن اعتباره حسنة من حسنات هذا المذهب وفضلا من أفضاله على هذا البلد. 
-2   قابليته للتطور والتجديد ومواكبته العصر والمستجدات في ظل الشريعة الإسلامية وتحت مراقبتها وداخل إطارها الفقهي ومحيطها الفلسفي والخلافي بفضل أخذه بمبادئ العادة الحسنة والمصلحة المرسلة وسد الذرائع، فإن هذه الأمور تختلف من عصر إلى عصر ومن بلد إلى بلد، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام كل باحث مقتدر، وكل فقيه مجتهد يتمتع بالأهلية الضرورية للاستنباط ما يحتاج لاستنباطه من أحكام أو اختيار ما هو الأفضل والأنسب مما هو موجود ومنصوص عليه في التراث الفقهي الإسلامي. 
وقد أثبتت التجربة المغربية نجاعة هذا الأسلوب وفائدته في فقه العمليات أو ما يعرف بما جرى به العمل العمل الفاسي العمل المطلق، فإن رواد هذا الفقه التجديدي استندوا في أحكامهم وفتاويهم التي جرى بها العمل إلى المصالح المرسلة وسد الذرائع والعادات الحميدة، لاعتماد أقوال مرجوحة أو خارجة عن المذهب، تتناسب مع الظروف الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي كانوا يعيشونها، مما أغناهم عن الاستيراد والتبني والتقليد والاقتباس من الغير، وساعدهم على المحافظة على الهوية الإسلامية والطابع المالكي في تشريعهم وقضائهم، كمثال على ذلك قراءة القرآن جماعة، وشهادة اللفيف وبيع الصفقة، إلا أن هذه القابلية للتطور والتجديد محصورة ومحدودة في ساحة المسكوت عنه، أو المخير فيه، أو المختلف فيه، أما المنصوص عليه أمرا أو نهيا أو إذنا، أو ما يسمى بالعادات الشرعية، فإنه من الثوابت التي لا تقبل التغيير ولا يجوز المساس بها باسم المصلحة المرسلة أو العادة المتجددة، لأن ذلك يعتبر نسخا للشريعة ولا نسخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. 
-3 المرونة في معالجة كثير من القضايا الشائكة والحالات المستعصية والعمل على حل المشاكل الطارئة، بفضل مبدأ مراعاة الخلاف الذي اتخذه أصلا من أصوله الفقهية التي بنى عليها فقهه، يتجلى ذلك في: 
1-- تصحيحه بعض العقود الفاسدة المختلف فيها، بعد وقوعها مراعاة لقول المخالف بشرط أن يكون ذلك القول مؤسسا على دليل قوي في نفسه. 
-2- في ترتيب آثار العقود الصحيحة على العقد الفاسد المختلف فيه أيضا، وكمثال على ذلك الأنكحة الفاسدة المختلف فيها، فإن الفقه المالكي يصحح بعضها بعد الدخول، ويلحق فيها الولد بالزوج، ويوجب فيها التوارث بين الزوجين ، ويعتد بالطلاق الواقع فيها. وفي البيوع الفاسدة ينتقل فيها الضمان للمشتري بالقبض، وإذا فات المبيع يمضي بالثمن، بينما الفقه الشافعي يرى فسخ البيع الفاسد، كما يرى فسخ الأنكحة الفاسدة ولو ولدت الزوجة الأولاد، ويحد الزوجين في بعض الحالات. 
- 4 السماحة والتيسير في أحكامه وآرائه رائده في ذلك الكتاب والسنة وما استنبط منهما من قواعد أصولية ومبادئ فقهية، ساعدته على اتخاذ أيسر الحلول وأخف الأحكام وأسهلها مثل قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، قوله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وقوله (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقوله صلى الله عليه وسلم "يسروا ولا تعسروا" وقوله أيضا: "إياكم والغلو في الدين" وقاعدة : " الحرج مرفوع " و"المشقة تجلب التيسير" وقاعدة "الضرر يزال"، و"الضرورات تبيح المحظورات" و"الأصل في الأشياء الإباحة" وغير ذلك من القواعد التي كان لها انعكاس إيجابي في مختلف أبواب الفقه في العبادات والمعاملات، والمنازعات، وشؤون الأسرة، وغير ذلك من أبواب الفقه التي جاء فيها الفقه المالكي أكثر تيسيرا وتسامحا وأكثر استجابة لحاجات الناس في عبادتهم ومعاملاتهم، وأرفق بهم وأصلح لهم في دينهم ودنياهم، مما جعل الإمام الغزالي – رحمه الله  بعد المقارنة بين المذاهب الفقهية في باب المياه يقول "وددت لو كان مذهب الشافعي في المياه كمذهب مالك". 
5 - الوسطية والاعتدال في أحكامه ومواقفه وفي أصوله وفروعه: لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تشديد، ولا غرابة ولا شذوذ ولا جمود ولا تعقيد ولا تمرد ولا تكفير، يقول بالقياس ويحبذ الأخذ بالرخص ويكره الأخذ بغرائب الأقوال وشواذ الأحكام يحب الاتباع ويكره الابتداع، ويحرم استعمال الحيل للتخلص من الواجبات أو التوصل إلى المحرمات، ويرفض نتائجها ويؤاخذ المحتال بنقيض قصده، ويحرمه من الاستفادة من حيلته، ويعاقبه على فعلته، وكمثال على ذلك التوليج في البيع والوصايا، والفرار من الزكاة والطلاق في مرض الزوج ونكاح المحلل. 
- 6 البعد المقاصدي: حيث يعتبر الفقه المالكي من أعمق المذاهب الفقهية فهما لروح الشريعة الإسلامية ومقاصدها وأبعادها نظرا واعتبارا لمآلاتها، وأكثرها التزاما بمراعاة حكمها وأسرارها عند استنباط الأحكام من نصوصها، وتفريع الفروع عليها، وخاصة فيما يتعلق بالضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فإنه تفوق على كثير من المذاهب الفقهية في العناية بها، والمحافظة عليها، ومنع المساس بها من قريب أو بعيد وبأي وجه من الوجوه. 
وللتوضيح يكفي أن نأخذ نموذجا واحدا وثيق الصلة بالمحافظة على الأرواح، حيث يستطيع كل باحث أن يلمس فيه حكمة الفقه المالكي، وبعد نظره والتزامه بروح الشريعة ومقاصدها وقدرته على بلورتها وتحقيقها في تشريعاته وأحكامه. 
ففي باب الدماء يتفق الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه ومدارسه على أن الحكمة من القصاص هي المحافظة على أرواح الناس وحياتهم، والضرب على أيدي المعتدين، وزجرهم من سفك دماء الأبرياء ظلما وعدوانا أخذا من قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فهل استطاعت المذاهب الفقهية المختلفة تحقيق هذه الحكمة وبلوغ هذا الهدف؟ وهل وفقت لاستنباط القواعد والضوابط الملائمة لها؟ وهل نجحت في المحافظة على أرواح الناس، والقضاء على جريمة القتل أو التخفيف منها؟ بالنسبة للفقه المالكي نستطيع الجواب بنعم على هذه الأسئلة كلها، فقد استطاع تحقيق تلك الحكمة، ووفق في وضع القواعد والضوابط الكفيلة بإنجاحها، ونجح في الحد من انتشار جريمة القتل في المجتمعات التي دانت له مدة سيادته في محاكمها ووجوده في تشريعاتها، حتى إذا غاب عنها تغيرت الأمور ولم يبق مسئولا عما يجري فيها. 
يؤكد ما نقوله أمران:
- الأول نظري تشريعي : يتمثل في وضع القواعد الصارمة وغير المتساهلة مع من تسول له نفسه الاعتداء على حياة الناس وأرواحهم، وهكذا أوجب القصاص في القتل العمد العدوان، بقطع النظر عن الآلة المستعملة فيه، والطريقة المتبعة في تنفيذه، وسوى بين القتل مباشرة والقتل تسببا وتوسع كثيرا في مفهوم السببية لتشمل الإكراه على قتل الغير والأمر به، وأوجب قتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في قتله أو تمالئوا عليه، ونفى شبه العمد وضيق من مفهوم الشبهة الدارئة للحد، وفتح باب الاجتهاد في الحدود وجوز القياس فيها، واكتفى في ثبوت القتل بالقسامة والتدمية ولم يقبل العفو من الولي عن القاتل إذا كان القتل غيلة أو حرابة، ولا من الإمام إذا لم يكن للقتيل ولي. 
وبهذا التشريح الصارم سد جميع أبواب القتل وأغلق نوافذه، وقطع الطريق على المتعطشين لدماء الأبرياء، ونزع الحصانة عن الجميع، وضمن للناس حياة آمنة مطمئنة مصداقا لقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون. 
- الأمر الثاني : قلة نوازل الدماء في كتب النوازل الفقهية المالكية مما يفسر بقلة حوادث القتل، ويسجل شهادة واقعية باستتباب الأمن في تلك الحقب والبلاد التي ساد فيها الفقه المالكي بينما تجد بعض المذاهب الفقهية ضيق في مفهوم القتل الموجب للقصاص، وتوسع في مفهوم الشبهة المسقطة للقصاص ومنع القياس في الحدود، وأثبتت شبهة العمد. 
وبذلك انفتح باب القتل على مصراعيه، وأصبح باستطاعة كل مجرم أن يحقق رغبته، ويقترف جريمته، ويتخلص من عدوه بكل وسيلة من وسائل القتل التي لا قصاص فيها وهو آمن مطمئن على نفسه من القصاص ضامن لنفسه الحياة بعد تخلصه من غريمه. 
-7 البعد العلمي والمعرفي بنصوص الشريعة الإسلامية وروحها كما يؤخذ من الحديث الشريف "....فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة " وفي رواية: فلا يجدون أحدا أفقه من عالم المدينة، فالعلم معرفة الشيء على ما هو عليه، والفقه إدراك الأمور الخفية، قال تعالى (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون، وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون). 
لما كان الحديث عن النجوم والبر والبحر من المحسوسات، ذيلها بقوله (لقوم يعلمون)، ولما كان الحديث عن النشأة من نفس واحدة والمستقر والمستودع من الأمور الخفية ذيلت الآية بقوله (لقوم يفقهون)، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" ولم يقل يعلمه، ومن أجل هذا البعد العلمي المعرفي كان الفقه المالكي أقرب المذاهب الفقهية إلى الكتاب والسنة، وأقلها مخالفة للحديث الصحيح كما قال ابن تيمية، وكان أكثرها صوابا وأصحها قياسا كما قال الشافعي، وأرجحها رأيا كما قال الإمام أحمد، وأقلها خطأ كما قال ابن خويز منداد، وأحسنها تأويلا وأصوبها جمعا وتوفيقا بين النصوص المختلفة والأدلة المتعارضة. والحديث يشهد لهذا كله، فإن الأعلم والأفقه لا يكون علمه وفقهه إلا هكذا، والمتتبع للفقه الإسلامي والفقه المالكي على مستوى الخلاف العالي لا يسعه إلا أن يؤكد صحة هذه الشهادات وصدقها. 
-8  البعد الاجتماعي والمصلحي في توجهاته وأحكامه بفضل اتخاده المصالح المرسلة والعادات الحسنة أصلا من أصوله الفقهية، ومصدرا من مصادره التشريعية التي بنى عليها فقهه، وأرسى عليها قواعد مذهبه واستمد منها آراءه وأحكامه. 
وهكذا نراه كلما كانت هناك مصلحة دينية أو منفعة دنيوية لم يرد دليل شرعي على إلغائها أو كانت هناك عادة متبعة في بلد، أو سنة مألوفة بين الناس في أفعالهم أو أقوالهم لا تتنافى مع الشرع ولا تخالف قواعده، فإن الفقه المالكي يقرها ويرحب بها ويدخلها في منظومته الفقهية، ولا ينتظر قيام الدليل الخاص على شرعية تلك المصلحة ودرء المفاسد، وأنه حيثما كانت هناك مصلحة فهناك حكم الله، حتى يدل الدليل على خلاف ذلك. 
إلا أن المعتبر في المصالح المرسلة ما يحقق المصالح الشرعية لا ما يحقق رغبات الناس وأهوائهم، لأن مصالح الناس تتعارض، فإن الله تعالى يقول :"ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن" 
9- المنطقية والعقلانية في أحكامه: لا تجد فيه ما يناقض العقل السليم أو يخالف المنطق الصحيح، ويرفض ذلك كله ولا يقبله، ويشترط الإمكان في كل أحكامه، ويرد ما يخالفه كما هو الشأن في الأنساب والشهادات والدعاوي. 
-10 الواقعية في نوازله وفروعه في مختلف الأبواب، موضوعاتها تتراوح بين ما هو واقع وما يمكن وقوعه. 
وقد كان مالك – رحمه الله - إذا سئل عن شيء من ذلك يقول للسائل، سل عما يكون ودع ما لا يكون، وربما أعرض عن السائل، فإذا ألح عليه السائل في طلب الجواب يقول له: لو سألت عما تنتفع به لأجبتك، هذه جملة من خصائص هذا المذهب وطائفة من السمات بوأته هذا المقام الذي أضحى معروفا به بين العالمين، مقام الانفتاح والتسامح والتعاون والثبات والتسامي، فتفاعل المغاربة مع مذهب يحمل كل هذه الخصائص، قد وسم شخصيتهم الجماعية بهذا الوسم، وجعل من فهمهم للدين وتدينهم به وتنزيله على واقعهم بمختلف تمظهراته، رافدا وحاملا نحو هذا الأفق الديني السني، الذي أصبح العام والخاص يتبينون تميزه، ويتعرفون من خلاله على إسلام التسامح والإخاء الذي جاء به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
- خصائص المدرسة المالكية بالغرب الإسلامي:
لقد تميزت المدرسة المغربية بخصائص ومؤهلات هائلة رشحتها لتلك المكانة المرموقة ضمن المدارس الأخرى، ومنحتها ذلك النفس المتجدد الذي ظلت تتميز به قرونا طويلة من الزمن، ولم يصبها ما أصاب غيرها من المدارس من أنواع الانحسار والتلاشي الذي انتهى في أغلب الأحيان بالانقراض والانتهاء، فقد كانت هذه المدرسة تحمل بين طياتها بذور بقائها واستمرارها، ولم تزدها الضربات التي أصابتها إلاّ صلابة وقوة، ويرجع ذلك إلى جملة من الخصائص التي يعسر حصرها ويصعب تحديدها أهمها:
  -1 مراعاة الخلاف العالي:
يعرف علم الخلاف بأنّه "علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبه وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية، وهو الجدل الذي هو قسم من المنطق إلاّ أنّه خصّ بالمقاصد الدينية.
وقد ألّف مالكية الغرب الإسلامي في هذا النوع من العلوم ما لايعد كثرة، إلاّ أنّ تآليفهم لم تصل إلى الشهرة والكثرة التي تميز بها مالكية العراق الذين كانوا يعيشون في جو كثرت فيه المذاهب الفقهية، فقد كانوا يعاصرون الحنفية والشافعية وكان بينهم من المد والجزر ما كان، بالإضافة إلى أنّ البيئة العراقية كانت تزخر بنشاط عارم لكل التيارات العلمية بكل أطيافها السياسية والعقدية والفقهية والحديثية واللغوية والصوفية وغيرها، فكان من الطبيعي أن يكون ذلك الزخم الهائل من التصانيف في هذا الميدان، أمّا المدرسة المغاربية فكانت أقل احتضانا للصراعات الفقهية والعقدية لسلطان المذهب المالكي واستيعابه تقريبا لكل المنطقة اللهمّ إلاّ ما نذر وقلّ ممن كان لا يصدع بانتسابه لغير المذهب المالكي لاسيما بلاد الأندلس التي هدد أميرها كل خارج عن المذهب بالعقاب والنكال.
ويقوم علم الخلاف على الرد على المخالفين واثبات الخلل في أقوالهم ونقض حججهم وبراهينهم، وفي المقابل الانتصار لآرائهم وإظهار ما تحتوي عليه من الحجية والغلبة، ورغم قلة باع المغاربة في هذا الميدان إلاّ أنّهم سبقوا غيرهم في هذا الفن بما ألّفه محمد بن سحنون من خلال كتابه الموسوم بكتاب الجوابات والذي يسمى أيضا بكتاب الرد على الشافعي وعلى أهل العراق ويقع في خمسة كتب وألّف أبو الوليد الباجي كتابه الشهير السراج في عمل الحجاج، وهو كتاب في مسائل الخلاف كبير لم يتمه صاحبه، ويرد هذا الكتاب بعنوان آخر هو كتاب المنهاج في ترتيب الحجاج.
ولم يغفل كثير من العلماء المغاربة عند شرحهم لمدونة سحنون مراعاة الخلاف في كثير من القضايا التي خالف فيها المالكية غيرهم، من ذلك كتاب التعليق على المدونة لابن الصائغ عبد الحميد القيرواني الذي كان يعرج على الخلاف خارج المذهب ولا يكتفي بسرد الآراء الواردة في المذهب فقط.
أمّا أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد فقد ظهر الخلاف العالي في كتابه المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات جليا، فهو في هذا الكتاب ينظر في ميدان الخلاف العالي وينافح عن المذهب المالكي بالحجة والبرهان وألّف ابن العربي المعافري كتابه الشهير الإنصاف في مسائل الخلاف وهو كتاب ضخم يقع في عشرين مجلدا.
أمّا ابن رشد الحفيد فكتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد يعتبر أفضل ما ألّف في هذا الميدان في وقته فقد ذكر فيه أسباب الخلاف وعللّ فأفاد وبسط فأمتع.
- 2 الموسوعية وسعة الاطلاع:
لقد كان رجال هذه المدرسة موسوعيين بما تحمله هذه اللفظة من معني، فلم يقتصروا على فن بعينه بل طارت هممهم أبعد من ذلك فعالجوا كلّ الفنون وطرقوا كلّ العلوم، وقد لا يكون غريبا أن يتخصص كل عالم في فن، بل الغريب أن يحوز عالم واحد فنونا متعددة ويحيط بعلوم مختلفة يعسر الواحد منها لتحصيلها على الواحد من الناس، وربما تطلب العلم الواحد من الزمن عمرا بأكمله ،فقد أحاطوا بعلوم القرآن وتفسيره والحديث وعلومه ومصطلحاته وقواعده، والفقه ومذاهبه وأصوله، وعلم الكلام والفلسفة والسير والتاريخ، واللغة وقواعدها من نحو وصرف وبلاغة أدب وشعر، ومنطق وحساب وطب ،كما كانوا يتقنون القراءات والتجويد وغيرها...وبالجملة فقد كانت كتبهم عبارة عن دائرة المعارف الإسلامية الكبرى.
فهذا ابن سحنون طرق أبوابا كثيرة من أبواب العلم فقد ألّف كتابه الكبير مائة جزء، عشرون في السير وخمسة وعشرون في الأمثال، وعشرة في آداب القضاة وخمسة في الفرائض وأربعة في الإقرار وأربعة في التاريخ في الطبقات والباقي في فنون العلم، وألّف في أحكام القرآن وألّف كتابه المسند في الحديث، وكتابه الكبير المشهور الجامع جمع فيه فنون العلم والفقه فيه عدة كتب نحو الستين، وكتاب السير عشرون كتابا وكتابه في المعلمين ورسالته في السنة وكتاب الإمامة وكتاب الرد على البكرية وكتاب الورع وكتاب الإيمان وكتاب الرد على أهل الشرك وكتاب الرد على أهل البدع ثلاثة كتب، وكتاب الجوابات خمسة كتب وكتاب التاريخ ستة أجزاء.
لذلك لمّا نظر محمد بن عبد الحكم في كتاب الجامع قال "هذا كتاب رجل يسبح في العلم سبحا".
أمّا ابن أبي زيد القيرواني فقد كان آية في التأليف وقد طرق فنون عديدة أتقنها أيّما اتقان وأبدع فيها أيّما إبداع، وأشهرها كتاب الرسالة التي ألّفها وعمره لا يزيد عن سبع عشرة سنة طار ذكرها شرقا وغربا، وكتب لها القبول في قلوب النّاس على مدى الأزمان، وكتاب النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات في مائة جزء، وكتاب البيان عن إعجاز القرآن، وكتاب تهذيب العتبية، وكتاب الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ، وكتاب مختصر المدونة، وكتاب كشف التلبيس في الرد على البكرية، وكتاب الذب عن مذهب مالك، وكتاب إثبات كرامات الأولياء وغيرها.
أمّا المازري فقد تفنن في التأليف وأبدع وترك للخزانة الإسلامية دررا متنوعة لا تزال تشهد له بالنبوغ والتفوق، ولعلّ أهم ما كتب شرح التلقين ليس للمالكية مثله، وشرح البرهان لأبي المعالي، والمعلم في شرح صحيح مسلم الذي وصفه ابن خلدون فقال "اشتمل على عيون من علم الحديث وفنون من الفقه".والكتاب الكبير وهو كتاب التعلقة على المدونة، وكتاب الرد على الإحياء للغزالي، والنكت القطعية في الرد على الحشوية، نظم الفرائد في علم العقائد، وله الفتاوى والرسائل الكثيرة، وألّف في الطب فكان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفتوى.
ومن أصحاب التواليف الكثيرة المفيدة ابن عبد البر يوسف بن عبد الله الذي طارت تآليفه بالأفاق وطرق بها ميادين مختلفة، فقد ألّف في الحديث والفقه والآثار والأنساب وغيرها، ومن أهم كتبه كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد وهو سبعون جزءا، وكتاب الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والأثار، وكتاب الاستيعاب جمع فيه أسماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وكتاب الكافي في الفقه، وكتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، وكتاب جمهرة الأنساب، وكتاب بهجة المجالس في ثلاثة أسفار.
أمّا الحديث عن مؤلفات سليمان بن خلف الباجي فهو حديث عن التأليف الحسن المتفنن المشهور، فقد ألّف رحمه الله تصانيف مشهورة جليلة متنوعة، فقد كتب في الحديث والقرآن والرجال والعقائد إلاّ أنّه كان أبلغ في الفقه وإتقانه على طريقة النظار البغداديين وحذاق القرويين، ومن أهم تآليفه المنتقى في شرح الموطأ، وقد اختصره من كتاب حافل جليل سماه الاستيفاء، ثم اختصر المنتقى في كتاب سمّاه الإيماء، ومنها كتاب السراج في علم الحجاج، وكتاب مسائل الخلاف وكتاب المقتبس من علم مالك بن أنس، وكتاب المهذب في اختصار المدونة، وكتاب شرح المدونة، وكتاب اختلاف الموطأ، وكتاب مختصر المختصر في مسائل المدونة، وكتاب أحكام الفصول في أحكام الأصول، وكتاب الحدود في أصول الفقه، وكتاب الإشارة في أصول الفقه، وكتاب تبيين المنهاج، وكتاب التشديد إلى معرفة طريق التوحيد، وكتاب تفسير القرآن، وكتاب فرق الفقهاء، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب التعديل والتجريح، وكتاب فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء من الأحكام.
أمّا عبد الملك بن حبيب فقد كان آية في التآليف والكتابة سئل يوما كم كتبك التي ألفت فقال: ألف كتاب وخمسون كتابا، فقد ألّف في الفقه والتاريخ والحديث والأدب والتراجم، من أهم مؤلفاته الواضحة في السنن والفقه لم يألف مثلها، والجامع، وكتاب فضائل الصحابة، وكتاب غريب الحديث، وكتاب تفسير الموطأ، وكتاب حروب الإسلام، وكتاب المسجدين، وكتاب مصابيح الهدى، وكتاب طبقات الفقهاء والتابعين، وغيرها من الكتب.
هذا غيض من فيض وبعض من كل ممّا تميز به علماء هذه المدرسة.
- 3 الطول والأطناب في المصنفات:
لقد تميزت معظم مصنفات هذه المدرسة بالطول والأطناب سواء تلك التي عالجت علما واحدا أو علوما كثيرة، فقد غطّت دراساتهم مساحات واسعة من الورق اتسمت في معظمها بالدقة والإحاطة، وتميزت بالجدية والشمول، ولعلّ السبب من وراء هذا الأطناب هو بسط قضايا الدين وشرح أحكامه وتفريغ مسائله بما يروي غليل السائل ويزيل عنه اللّبس والإبهام ويكشف له أسرار العلوم ويفتح له مغلقاته.
لذلك جاءت مصنفاتهم واضحة بيّنة لا يتحرج المبتدئ في الأخذ منها والانتفاع بها، وهي كثيرة في كل الأطوار التي مرت بها المدرسة المغربية منها الأمهات والدواوين والشروح والحواشي، ولعلّ من أهمها المدونة التي ألّفها الإمام عبد السلام سحنون والتي هي في حقيقة الأمر "ثمرة مجهود ثلاثة من الأئمة مالك بإجاباته وابن القاسم بقياساته وزياداته وسحنون بتهذيبه وتنقيحه وتبويبه وبعض إضافاته"
"ولقد ضمت المدونة بين دفتيها حوالي ستة وثلاثين ألف مسألة إلى جانب الأحاديث والآثار.
(انظر في ذلك " من خصائص المذهب المالكي " للدكتور محمد التاويل و" المذهب المالكي وتطوره بسنة التجديد "  للدكتور محمد الحبيب التجكاني و" أسباب انتشار المذهب المالكي في المغرب الإسلامي " للأستاذ الطاهر نابي و" خصائص المدرسة المالكية بالغرب الإسلامي "  للدكتور صحراوي خلواتي و" المغرب مالكي... لماذا ؟" للدكتور محمد الروكي )
والحمد لله رب العالمين
------------------------
- فهرس الموضوعات:
- مفهوم المذهب.
- مراحل تطور المذهب.
- أهم المصنفات في المذهب المالكي.
- مناطق انتشار المذهب المالكي.
- أسباب انتشار المذهب المالكي في المغرب الإسلامي.
- منزلة المذهب المالكي بين المذاهب الأخرى.
- خصائص المذهب المالكي.
- خصائص المدرسة المالكية بالغرب الإسلامي.
 - المصادر والمراجع:
- الاستقصا للناصري.
- الانتقاء لابن عبد البر.
-  التمهيد لابن عبد البر.
-  رياض النفوس للمالكي.
- جذوة الاقتباس لابن القاضي.
- نيل الابتهاج للسوداني. 
-  المعيار للونشريسي.
-  تاريخ ابن الفرضي.
- نفح الطيب للمقري.
- مقدمة ابن خلدون.
- البيان المغرب للمراكشي.
 -الإختلاف الفقهي في المذهب المالكي  لعبد العزيز الخليفي.
- حاشية علي بن أحمد العدوي على الخرشي  .
- عنوان الدراية لأبي العباس أحمد بن أحمد الغبريني .
- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لمحمد بن عرفة الدسوقي  .
- كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ لمحمد الطاهر بن عاشور. 
- البهجة في شرح التحفة للتسولي.
 -الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة.
- الإمام مالك  لأبي زهرة .
-الصراع المذهبي بافريقية لعبد العزيز للمجدوب.
- الفكر السامي للحجوي الثعالبي .
- محاضرات في المذهب المالكي لعمر الجيدي.
-  لائحة الأقراص المدمجة:
- مكتبة التفسير شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان.
- مكتبة التفسير وعلوم القرآن إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المكتبة الألفية للسنة النبوية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المحدث تصميم وإدارة طلبة دار الحديث النبوي الشريف سابقا " مدرسة" واشنطن أمريكا.
- مكتبة الفقه وأصوله إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- موسوعة الفقه الإسلامي وأصوله إعداد قسم البرمجة دار الفكر دمشق سوريا.
- مكتبة الفقه الإسلامي شركة العريس للكمبيوتر بيروت. لبنان.
- الموسوعة الميسرة في الفقه وعلومه إنتاج برمجيات ضاد. المملكة العربية السعودية.
- مؤلفات شيـخ الإسلام بن تيمية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية عبد اللطيف للمعلومات.
- مؤلفات العالم الرباني ابن قيم الجوزية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة شيـخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- العلوم الإسلامية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- موسوعة طالب العلم الشرعي إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الإسلامية المعاصرة Microteam Software
- المكتبة الشاملة الإصدار الأول والثاني والتحديث الأخير المبثوثة على شبكة الأنترنيت ws. WWW.shamela

bottom of page