الاجتهاد والمذهبية الفقهية
بسم الله الرحمان الرحيم
- مفهوم الاجتهاد:
أصل استعمال مادة جهد في اللغة يرجع إلى المشقة وعنه تفرعت سائر الصيغ والاستعمالات التي مدارها على بذل الوسع والمجهود في طلب أمر معين.
وفي الاصطلاح عرفه الشاطبي بتعريفين هما:
1-تعريف وظيفي: أي باعتبار الوظيفة التي يؤديها: " هو استفراغ الوسع في تحصيل العلم او الظن بالحكم".
2-تعريف مقاصدي: أي باعتبار قصد المجتهد من الاجتهاد والذي هو معرفة قصد الشارع : " استفراغ الوسع وابلاغ الجهد في طلب مقصد الشارع المتحد".
ويمكن جمعهما في تعريف واحد هو: استفراغ الوسع وإبلاغ الجهد في تحصيل العلم او الظن بالحكم طلبا لمقصد الشارع المتحد". ( انظرالمصطلح الأصولي عند الشاطبي لفريد الأنصاري 284).
- ويتضمن هذا التعريف:
- استفراغ الوسع وإبلاغ الجهد: معنى إحكام الجهد هو إتمامه في طلب الدليل بحثا واستقراء وبه يتحقق الإجتهاد أما بغير ذلك فلا يتحقق وهذا لايكون إلا لمن توفرت فيه شروط الاجتهاد والتي يلخصها الشاطبي في:
1-معرفة المقاصد الشرعية : وهي متوقفة على إدراك جملة من المعارف ذكرها العلماء عند تناولهم لشروط الإجتهاد.
2-معرفة اللغة العربية: يقول الشاطبي " إنما تحصل درجة الإجتهاد لمن اتصف بوصفين أحدهما فهم مقاصد الشريعة على كمالها والثاني التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها".
وقد إختلف العلماء حول شروط الإجتهاد والتي من أهمها العلم بالقرآن الكريم – والسنة المطهرة - ومواضع الاجماع- ومعرفة القياس- والعلم بأصول الفقه – وصحة الاعتقاد - وحسن الفهم - وصحة التقدير- ومعرفة الناس - والإلمام بالواقع - والإسلام - والبلوغ - والعقل - والعدالة بالإضافة الى ما ذكره الشاطبي من معرفة المقاصد الشرعية - واللغة العربية ، وغير ذلك مما يمثل الشروط الذاتية والموضوعية للإجتهاد الواردة في كتب علم أصول الفقه ، فالإلتزام بهذه الشروط في الجملة هو الذي يميز لنا بين الإجتهاد المقبول والمردود يقول الشاطبي رحمه الله "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعا وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر إليه الاجتهاد... والثاني غير معتبر وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي والأغراض ".
جاء في "الرسالة"للإمام الشافعي تفصيل لشروط الا جتهاد، فهو عنده لا يكون إلا لمن جمع الآلة وهي العلم بأحكام كتاب الله، فرضه وأدبه وناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه وإرشاده ،ويستعين على فهم مراد الله تعالى فيما احتمل التأويل بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يجد فبإجماع المسلمين، وإن لم يجد فبالقياس .ثم يبين أن المقبل على القياس، لابد له من العلم بما مضى قبله من السنن، وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم ،ولسان العرب، ويكون صحيح العقل حتى (يفرق بين المشتبه ،ولا يعجل بالقول به دون التثبيت.
ويحسن الاستماع للمخالف، ويجتهد في بلوغ غاية جهده والانصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقول وترك ما يترك ويحث على معرفة ما يقيس عليه إذ لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبر ة له بسوقه، أي معرفة الواقعة موضع الاجتهاد، وطبيعة الواقع الذي تتنزل عليه أحكام النصوص ، ويطالب المجتهد بحقيقة المعرفة بما سبق لا مجرد الحفظ لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني، وخلاصة قول الإمام الشافعي في شروط الاجتهاد هو معرفة كتاب الله وسنة رسوله الكريم نصا واستنباطا ومن ادرك ذلك مع الاستقامة استحق الامامة في الدين ( انظر الرسالة للشافعي 19 ومن 509 الى 511)
*قوله في تحصيل العلم أو الظن بالحكم: يمثل الغاية الوظيفية التي يمارس الإجتهاد من أجلها، والتي هي الوصول إلى الحكم الشرعي وتحصيله إما على سبيل العلم أو الظن.
وقد اختلف علماء الأصول في الحكم الذي يتوصل إليه بالإجتهاد هل هو قطعي يفيد العلم أم ظني؟
-المشهور أنه ظني لأنه يرتبط بالنصوص الظنية أو الأدلة العقلية.
-وذهب البعض أنه يمكن ان يكون قطعيا يفيد العلم وهو مذهب الشاطبي (وهذا لايتأتى إلا في الإجتهاد المنبثق عن منطوق النصوص المفيدة للقطع).
ومن هنا فرق بعض العلماء بين الدليل والأمارة: فالدليل عند البعض يفيد القطع والأمارة تفيد الظن، بينما ذهب البعض الآخر إلى عدم التمييز بين ما يفيد القطع وما يفيد الظن واعتبروا الجميع دليلا.
يستفاد من ذلك:
1-أن هناك إجتهادا في إطار النصوص الشرعية يرتبط أو يؤول إلى نصوص ظنية يفيد الظن وهو مجال إختلاف العلماء والظن مراتب عند العلماء أهمها:
-ما هو غالب وهو مطلوب الأخذ به.
ما هو متساوي مخير صاحبه بين الأخذ بأحد نوعيه.
-ما هو ضعيف لا يؤخذ به إلا عند انعدام اجتهاد آخر راجح.
2-إجتهاد في غياب النصوص الشرعية وهو أوسع مجال للاجتهاد، وأبرز مجال لاختلاف العلماء كذلك وسنزيد هذا الموضوع بحثا بحول الله.
*قوله في طلب مقصد الشارع المتحد: يمثل الغاية المقاصدية للتعريف وهو يعني:
1-أن المجتهدين مهما اختلفوا فإن قصدهم واحد هو معرفة قصد الشارع في المسألة.
2-أن قصد الشارع من الدليل مهما تعددت الدلالات التي يفيدها والإحتمالات المتعلقة به هو واحد بعينه وهذه مسألة خلافية بين العلماء سيرد بيانها لاحقا بحول الله.
3-إن البلوغ إلى معرفة المقصد الشرعي للمسألة لا يمكن تحقيقه إلا بمراحل ثلاثة هي:
-الفهم الصحيح للمسألة.
-استنباط الحكم المرتبط بهذه المسألة إستنباطا خاضعا لضوابطه المقررة.
-تنزيل المسألة او تحقيقها في الواقع الذي يناسبها تحديدا.
-الفرق بين الاجتهاد والإستنباط:
- مفهوم الإستنباط:
لغة هو الإستخراج وإصطلاحا يعرفه الشاطبي بأنه ” استفادة نظرية لحكم شرعي من دليل معتبر لما لم ينص عليه من وقائع" وبذلك فهو أخص من الإجتهاد حيث أنه يرتبط بمعرفة الحكم الشرعي عن طريق الإستدلال (أي الاجتهاد انطلاقا من الأدلة العقلية المختلفة كالقياس والإستحسان والإستصلاح وغيرها) بمعنى أن الإستنباط هو إجتهاد لا يرتبط بالنصوص الشرعية، على خلاف الإجتهاد الذي منه ما يرتبط بالنصوص ومنه ما لا يرتبط بها.
* إلا أن مراعاة هذا الفرق بين الإجتهاد والإستنباط هو نادر لذلك يرد مفهوم الإجتهاد مرادفا للإستنباط في غالب كلام علماء الأصول من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل . قال ابن القيم رحمه الله " ومعلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض ، فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظيره ويلغي ما لا يصلح هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط قال الجوهري الاستنباط كالاستخراج ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط وإنما تنال به العلل والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلم والله سبحانه ذم من سمع ظاهرا مجردا فأذاعه وأفشاه وحمد من استنبط من أولى العلم حقيقته ومعناه"( انظر اعلام الموقعين 1/325).
فالاستنباط مرحلة متقدمة عن الفهم الأولي للنص ولا بد فيه من معارف تمكن من ذلك مثل معرفة العلل والمقاصد ولهذا أشار الإمام الشافعي إلى أن من عرف كتاب الله نصا واستنباطا استحق الإمامة في الدين يقول رحمه الله " فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه وانتفت عنه الريب ونورت في قلبه الحكمة واستوجب في الدين موضع الإمامة " ( انظر الرسالة 1/19).
- أدلة مشروعية الإجتهاد:
استدل العلماء على مشروعية الاجتهاد بأدلة متعددة منها:
- أدلة من القرآن الكريم:
- قوله تعالى " وَمَا كَانَ الْمُومِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ".
قال الإمام النسفي في تفسيرهذه الآية الكريمة " فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد ويبقى سائرهم يتفقهون حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذى هو الجهاد الأكبر إذ الجهاد بالحجاج أعظم أثرا من الجهاد بالنضال" ولا شك أن التفرغ لتحصيل ملكة الاجتهاد داخل في ذلك،إذ المجتهدون مرجع لا يستغني عنه المتفقهون وليس أشرف في التعلم والتفكر والتدبر والتفقه من كتاب الله وسنة رسوله والنظر في أحوال الناس حتى لا يخرج شيء عن حكم الشرع".
- وقوله تعالى " فاعتبروا يا أولي الأبصار ".
قال الجصاص في تفسيرهذه الآية الكريمة " فيه أمر بالاعتبار والقياس في أحكام الحوادث ضرب من الاعتبار فوجب استعماله بظاهر الآية ".
فكل آية تأمر بالعلم والتعلم وترفع شأنه، وتأمر بالفكر والتفكر، والتدبر والتفقه ، وما في هذا المعنى - وهي كثيرة- تصلح في الاستدلال على مشروعية الاجتهاد بل وأحيانا على وجوبه إن لم يكن على الأعيان فهو على الكفاية.
- ومن السنة النبوية الشريفة:
- ما رواه الترمذي في سننه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال كيف تقضي فقال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم "
- وكذا بالحديث الوارد في صحيح البخاري " عن بن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم" ففهم العلماء منه جواز ومشروعية الاجتهاد.
قال صاحب فتح الباري" قال السهيلي وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب" وكأن فيهم رضي الله عنهم سلف لأهل الظاهر وسلف لأهل المعاني والمقاصد والقياس.
وما قلناه في الآيات الداعية إلى العلم والتفكر والتدبر والتفقه يصدق بخصوص الأحاديث النبوية في جواز ومشروعية الاجتهاد وهي كثيرة يصعب حصرها ويطول ذكرها.
- حكم الإجتهاد:
يمكن التمييز في حكم الإجتهاد بين أمرين:
1- حكم الإجتهاد بالنسبة لسائر الأمة:
انقسم العلماء حول هذا الموضوع الى فريقين:
- فريق يقول بجوازه وهم جمهور علماء الإسلام : وقد استدلوا على ذلك بنصوص شرعية كثيرة حصل عندهم منها ما يشبه التواتر المعنوي حسب اصطلاح الشاطبي على جوازالإجتهاد.
- وفريق يقول بوجوب الإجتهاد ومن هؤلاء الشافعي : قال رحمه الله" فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه ما تعبدهم به ، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه فمنها ما أبانه لخلقه نصا مثل مجمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن... ومن:ما سن رسول الله عليه الصلاة والسلام مما ليس لله فيه نص حكم... ومنه ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد ، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم" .
نفهم من ذلك فرضية الاجتهاد في الإسلام، وابتلاء الله تعالى عباده به، كل بحسب وسعه كما ابتلاهم بسائر فرائضه، وأن تكليف العقل بالفكر والاجتهاد للقادر عليه والمؤهل له يساوي تكليف الجسم بالعبادة.
- وقال رحمه الله " أخبرنا عبد العزيز عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله يقول إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" واستنتج من منح الأجر للمخطئ تكليف المجتهد بالاجتهاد وليس مجرد الإباحة والجواز يقول " وفي هذا دليل على ما قلنا أنه إنما كلف في الحكم الاجتهاد على الظاهر دون المغيب والله أعلم" وقال النووي في هذا الحديث " وهذا دليل على أنه وكل بعض الأحكام إلى اجتهاد العلماء جعل لهم الأجر على الإجتهاد" (انظر في ذلك تربية ملكة الاجتهاد من خلال بداية المجتهد لابن رشد لمحمد بولوز).
2- حكم الإجتهاد بالنسبة للأفراد:
ينقسم حكم الاجتهاد بالنسبة لأفراد الأمة الى:
- واجب عيني: وذلك عندما يسأل مجتهد لا يوجد غيره ،أو نزلت به نازلة لا يدري حكم الله فيها، ويكون هذا الوجوب على الفور إذا خيف الفوات أو التراخي إذا كان غير ذلك.
- واجب كفائي : وذلك عند تعدد المجتهدين وليس هناك خوف على فوت الحادثة، فإذا أفتى واحد منهم، برئت ذمتهم و إلا أثموا جميعا.
- اجتهاد مندوب: ويكون في حوادث لم تحصل بعد أو أن احتمال وقوعها قريب.
- اجتهاد مكروه : وهو ما كان في المسائل الافتراضية التي لم تجر العادة بوقوعها وما كان من قبيل الألغاز.
- اجتهاد محرم : وهو ما كان في مقابلة الأدلة القطعية في الثبوت والدلالة ، أو الخروج بحكم لا تحتمله هذه الأدلة أو مخالفة الإجماع ، فلا اجتهاد مع نص قطعي الثبوت والدلالة، أو إجماع (انظر في ذلك تربية ملكة الاجتهاد من خلال بداية المجتهد لابن رشد لمحمد بولوز فقد فصل وأجاد في هذا الموضوع).
- أقسام الإجتهاد:
يمكن تقسيم الاجتهاد إلى أنواع كثيرة انطلاقا من اعتبارات مختلفة:
1- تقسيم الاجتهاد باعتبار القبول والرد وينقسم إلى:
- اجتهاد مقبول : هو ما كان منضبطا بضوابط الاجتهاد وشروطه وما كان تاما يحس معه الفقيه بالعجز عن المزيد.
- إجتهاد مردود: هو ما كان اجتهادا ناقصا معه تقصير في البحث والتحري أو من قبيل الرأي المذموم مثل تعمد مخالفة النصوص والكلام في الدين بالخرص والظن أو عموما الغير المستند إلى شيء من الحجج الشرعية والذي تحركه الأغراض والأهواء.
2- تقسيم الاجتهاد باعتبار محله وينقسم إلى:
- اجتهاد عام: هو ما يتناول جميع الأدلة في كل أبواب الفقه.
- اجتهاد خاص: هو ما كان خاصا بباب معين مثل الميراث أو دليل معين مثل القياس .
3- تقسيم الاجتهاد باعتبار القائم به وينقسم إلى :
- اجتهاد مطلق: هو ما كان فيه المجتهد غير ملتزم بأصول إمام أو فروعه.
- اجتهاد مقيد: هو ما كان فيه المجتهد ملتزما بإمام معين أو بفروعه.
- اجتهاد فردي: هوما انفرد به المجتهد كما هو الحال الغالب خصوصا بعد عصر الصحابة.
- اجتهاد جماعي : هو الذي يتولاه أولو العلم والرأي والاستنباط كما كان يقع زمن الصحابة رضوان الله عليهم وكما هو ممكن في زماننا إذا تم تنظيمه وتوفير شروطه مثل:
- اختيار مجتهدين من أهل الذكر والعلم والصلاح.
- أن يكون بجانبهم مستشارون وخبراء في كل علوم الحياة وفنونها للرجوع إليهم في اختصاصاتهم.
- يؤخذ عند اختلاف آراء المجتهدين برأي الأكثرية فإنه أقرب إلى الصواب.
- أن يأمر أولياء الأمور بتنفيذ هذا الرأي، في المسائل الاجتماعية العامة باعتبارحكم الحاكم يرفع الخلاف.
4- تقسيم الإجتهاد باعتبار الإستنباط أو التطبيق:
- اجتهاد استنباط : هو الذي يرتبط باستخراج الأحكام الشرعية.
- اجتهاد تطبيق : هو الذي يرتبط بتطبيق الأحكام الشرعية.
ويستخلص ذلك من قول الشاطبي رحمه الله " الاجتهاد على ضربين أحدهما لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف وذلك عند قيام الساعة،والثاني يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا ، فأما الأول فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط ... وأما الضرب الثاني وهو الاجتهاد الذي يمكن أن ينقطع ، فثلاثة أنواع أحدها المسمى بتنقيح المناط ... والثاني المسمى بتخريج المناط ...والثالث هو نوع من تحقيق المناط ".
- مراتب المجتهدين:
للإجتهاد عند العلماء مراتب أهمها:
1- المجتهد المطلق أوالمستقل: وهو الذي تكونت عنده ملكة الاجتهاد بحيث يستطيع الاستنباط مباشرة من النصوص له أصوله التي أصلها وقواعده التي قعدها. يقوم باستقراء الأدلة التفصيلية واستنباط الأحكام الشرعية العملية منها بمراعاة ما أصله وقعده ، واجتهاده غير منحصر في باب من أبواب الفقه، فهو يتصرف في الأصول ويتكلم في المسائل التي لم يسبق بالجواب فيها . ويدخل في هذا القسم فقهاء الصحابة وفقهاء التابعين وأئمة المذاهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والطبري وداود بن علي وغيرهم قال السيوطي " وهذا شيء فقد من دهر،بل لو أراده الإنسان اليوم لامتنع عليه ولم يجز له،نص عليه غير واحد " وذكر قولا يبين أن هذا الموقف من العلماء اجتهاد، الأمر الذي يعني عدم إلزام الأمة به،ولا يجوز الحجر على فضل الله على عباده الذي حكم بوجود الخير في أول الأمة وآخرها.
2- المجتهد المنتسب: هو الذي ينتسب إلى مذهب من المذاهب الفقهية لأنه سلك طريقه في الاجتهاد ، بحيث يتفق مع إمام مذهبه في الأصول ويخالفه في الفروع ، فهو قادر على استنباط المسائل من الأدلة و ليس له منهاج خاص به ، إنما التزم بأصول إمام مذهبه إما على سبيل الاتفاق والمصادفة أوبما أداه إليه اجتهاده . وللمجتهد المنتسب اجتهاداته في عامة أبواب الفقه ، مثال أصحاب هذه الطبقة أصحاب أبي حنيفة أبي يوسف ومحمد وزفر ، وأصحاب مالك ابن الماجشون وأشهب وابن القاسم ، وأصحاب الشافعي البويطي والمزني ، وفتوى هؤلاء كفتوى المجتهد المستقل في العمل بها والاعتداد بها في الاجماع والخلاف ويسقط بوجوده فرض الكفاية عن المسلمين .
3- المجتهد داخل المذهب: وهو المتبع لإمامه في الأصول والفروع ، فإذا وقعت حادثة خرج حكمها من أقوال إمامه إن وجد وإن لم يعرف لإمامه فيها نصا اجتهد على منواله ، فهو لا يتجاوز أصول إمامه ، ويستقل بتقرير مذهبه بالدليل ، وربما اكتفى في الحكم بدليل إمامه ، ولا يبحث عن معارض مثال أصحاب هذه الطبقة الحسن بن زياد والكرخي والطحاوي من الحنفية ، والأبهري وابن زيد من المالكية ، وأبي اسحاق الشيرازي والمروزي من الشافعية، ونحوهم من أصحاب التخريج على منصوص الإمام وهؤلاء العلماء لا يتأدى بهم فرض الكفاية.
4- مجتهد الترجيح : وأصحاب هذه الطبقة يقتصرون على ترجيح قول على آخر لعلماء المذهب، ووجه من الوجوه الواردة لأصحاب المذهب على الآخر . ولايستنبطون أحكام فروع لم يجتهد فيها السابقون ولم يعرفوا حكمها ، وصاحب هذه المرتبة حافظ لمذهب إمامه عارف بأدلته قائم بتقريرها ، يصور ويحرر ويقرر ، غايته تفضيل بعض الأقوال على البعض . والموازنة بين ما روي عن أئمتهم من الروايات المختلفة وترجيح بعضها على بعض من جهة الرواية ، او من جهة الدراية فيقول هذا أصح رواية ، او هذا اولى النقول بالقبول ، او هذا أوفق للقياس او ارفق للناس ، مثال أصحاب هذه الطبقة القدوري والمرغيناني من الحنفية ومثل اللخمي وابن رشد والمازري وغيرهم من المالكية، وبواسطة أهل هذه المرتبة أمكن ضبط الأحكام الفقهية الكثيرة المنقولة عن أئمة المذاهب الأربعة ، ومعرفة الأقوال التي يصح الاعتماد عليها .
- وبعد هذه الطبقات الأربع لم يبق الا أهل التقليد المحض وهم الذين يقلدون المذهب الذي ينتسبون إليه دون رجوع الى الدليل ، وغالب أهل هذا الطور من هذه الفئة . (انظر في ذلك أصول الفقه لأبي زهرة فقد فصل وأجاد في هذا الموضوع).
- أطوار الإجتهاد وإختلاف المذاهب:
ظهر الإجتهاد يسيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث استغنى الناس عنه بالوحي عن طريق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ثم نما في خير القرون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بانتشار الصحابة رضي الله عنهم في الأمصار ، واستقام مستويا في عهد التابعين ثم استكمل نضجه بعد ذلك حيث ظهر الأئمة المجتهدون في العواصم والأمصار الإسلامية ودونت بعض مذاهبهم وخلدت بعض آثارهم.
فنشأة الإجتهاد كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن في حدود ضيقة لأن الوحي كان ينزل من السماء فليس للاجتهاد مجال واسع، فقد اجتهد عليه السلام في عدم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام لقرب عهد الناس بالكفر، روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها "ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم، قالت، فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت" ، واجتهـد رسـول الله صلـى الله عليـه وسلـم في الإذن للمعتذرين من المنـافقيـن بالتخلـف عـن غـزوة تبـوك، فنـزل قـوله تعالى " عفا الله عنك لم أذنت لهم" .
وكان الإجتهاد يقع من الصحابة رضوان الله عليهم إذا بعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ونحوه ، ومن ذلك مثلا أن عمرو بن العاص كان في سيره مع بعض أصحاب رسول الله عليه السلام وأصابهـم ما استوجب الاغتسال ولم يجـدوا مـاء دافئـا وليـس معهـم ما يستدفئـوه بـه فتيمموا وصلوا ومنهم من أعاد الصلاة ومنهم من لم يعدها، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم الاجتهادين ، ولم يكن في الحقيقة اختلاف بينهما في النتيجة، فالفريق الذي أعاد الصلاة احتاط لدينه ولم يكن ثمة ما يوجب الإحتياط، وأما إقراره صلى الله عليه وسلم للفريق الآخر فهو إقرار على أنه لا حاجة لإعادة الصلاة.
ولعل الحكمة من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم إذنه لصحابته رضي الله عنهم بالاجتهاد وتمرينهم عليه وتلقينهم طريقة الاستنباط ومعرفة كيفية أخذ الأحكام من الأدلة.
فالشريعة كما هو معلوم لم تنص على جميع الأحكام الجزئية والتفصيلية، بل قررت قواعد كلية ومبادئ عامة أساسية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب لهم المثل ويدربهم على الاجتهاد ليسايروا من بعده الحياة وكذلك من بعدهم من أمته عليه السلام، ولا سيما أن الشريعة التي جاء بها عليه السلام خاتمة الشرائع، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن في كثير من الأحيان الحكم بعلته فيقول مثلا في سؤر الهرة "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات."
وانحرف بعض الذين يكتبون في الشريعة إذ قالوا أن ما يكون باجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم فهو لا يتبع وهؤلاء قد رد الله سبحانه عليهم في محكم تنزيله فقال عز وجل " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" ، ذلك أن تقريـر المبـادئ الشرعيـة مـن الرسـول عليـه الصلاة والسلام لا يمكـن أن يكـون خطـأ لأنـه هو المبلغ عن ربه قال الحق سبحانه " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" فكيف يبلغ الناس الخطأ سواء أكان اجتهادا أم وحيا من السماء لأنه إذا كان اجتهادا وأخطأ عليه السلام فيه، فلا يمكن أن يترك من غير تصويب .
وقد يكون للنبي عليه السلام خطأ لكن في غير تقرير المبادئ والأحكام الشرعية، فقد ثبت أنه وهو يستعد عليه السلام لغزوة بدر نزل في غير المنزل الحسن، فنبهه بعض أصحابه إلى المنزل الحسن وهذا بلا ريب ليس في تقرير مبدأ ، وقد استشاره بعض الصحابة في تأبير النخل فأشار بعدم تأبيره فلم يثمر النخل فراجع صاحب المشورة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال عليه السلام: " أنتم أعلم بأمر دنياكم". والأمثلة في هذا كثيرة.
وصفوة القول أن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يتطرق إليه الخطأ فيما يقرره من أحكام ، أما شؤون الدنيا فليس الخطأ بمحال عليه فيها لأن رسالته ما كانت لذلك بل لتبليغ الشرع.
وقد احتمل النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد يخطئ في القضاء إذا حكم بين خصمين فقال عليه السلام: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقتطع له قطعة من النار فلا يأخذها" وهذا الأمر ليس تشريعا لكنه تطبيق للمبادئ المقررة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وفرق بين التطبيق والتشريع.
- الاجتهاد في عصر الصحابة رضوان الله عليهم:
اعتمـد الصحابة رضوان عليهم في حلهم لما استجد من المسائل والأحداث على الرجوع أولا للكتاب ثم إلى السنة فإن أعياهم النص عقدوا لذلك مجلس شورى بينهم ، عن علي كرم الله وجهه قال: قلت: يا رسول الله إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر أو نهي فما تأمرني ، قال عليه السلام "شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا في رأي خاصة."
وكان لابد على كبار الصحابة وخاصتهم أن يجتهدوا لمعرفة أحكام الأمور التي عرضت لهم وجدت عليهم ليبينوا حكم الله فيها، لأن عهدهم عرف فتح بلاد فارس والشام ومصر وشمال إفريقية وماجت المدن الإسلامية بأمشاج أمم فيها عناصر مختلفة الأجناس والأقوام، فكان لابد أن تجد في شؤون المجتمع أحداث لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا عرضت لهم حادثة واختلفت آراؤهم وتباينت اتجاهاتهم في أمر من الأمور وعثروا على النص القرآني عادوا جميعا إليه وإذا لم يجدوا نصا في كتاب الله تعالى اتجهوا إلى السنة يبتغون منها الحكم الشرعي، فإذا ذكر الحديث أفتوا بمقتضاه، فإن لم يكن لجأوا إلى الرأي والمشورة وهذا المسلك الواضح في الاجتهاد يثبت لنا فهم الصحابة الكامل لمدلولات الأوامر والنواهي والترجيح بين النصوص، فاتفقت اجتهاداتهم حينا واختلفت أحيانا أخرى ، وذلك الذي سلكوه هو ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا عليه عندما أرسله قاضيا على اليمن فقال له بم تقضي؟ قال بكتاب الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسول الله، قال فإن لم تجد: قال أجتهد برأيي ولا آلوا، فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله.
ولقد اعتبر كثير من علماء الأصول أن الرأي هو القياس، استنادا لما أكده عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطابه إلى أبي موسى الأشعري في قوله "ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليه مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال“ وهذا يقتضي أن يكون الرأي مقصورا على ذلك النوع من الاجتهاد، مما يحتم على المجتهد أن يعلم النص المعين الذي يشترك مع الفرع غير المنصوص على حكمه في العلة وذلك مثل قياس كل مسكر على الخمر فإن علة تحريمهما هي الاسكار، فيثبت التحريم في كل مسكر ، والراجح والله أعلم أن الرأي الذي كان معروفا عند الصحابة كان يشمل الاجتهاد بالقياس كما يشمل الاجتهاد بالمصلحة فيما لا نص فيه، فقد كان كلا النوعين ثابتا في عصر الصحابة.
والاجتهاد بالرأي تأمل وتفكير لمعرفة الأقرب إلى كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك الأقرب يعرف من نص معين وهو القياس أم اعتبار الأقرب إلى المقاصد العامة للشريعة وذلك هو المصلحة ، وعلى رأس من اجتهد من الصحابة عن طريق المصلحة عمر بن الخطاب فقتل الجماعة بالواحد فيه مصلحة وكذا تضمين الصناع فيه أخذ بالمصلحة، وقد قال علي رضي الله عنه في شأن تضمين الصناع: "لا يصلح الناس إلا ذاك".
- ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أمرين مهمين:
1- أن بعض الناس يفهم من إفتاء الصحابة برأيهم أن في ذلك تركا للحديث الذي تثبت صحته وقد ادعوا ذلك على عمر رضي الله عنه، بل ادعوا عليه أنه كان يترك بعض نصوص القرآن الكريم معتمـدا بـذلك علـى رأيـه وهـذا خطـأ وقـع فيه من لم يمحص الحقائق، فما ترك أحد الصحابة نصا معتمدا على رأيه أو على مصلحة يراها. بل كانت آراؤهم تطبيقا حسنا للنصوص وفهما سليما لمقاصد الشريعة من غير انحــراف.
2- وهنـاك من قـال أن الذيـن تمسكـوا بالأثـر ولم يفتـوا إلا به محافظـون من أهل الأثر، أما أهل الرأي فهم في نظرهم مجددون وهذا قول بعيد عن التحقيق العلمي، لأن كلا الفريقين متمسك بالدين وبالنصوص الشرعية ، إذ أن الذين توقفوا عن أن يفتوا بغير نص من الشارع لم يختبروا بالحكم وشؤون الدولة، مما يضطرهم للبت في الأمـورالمستجدة ، أمـا الفريـق الآخـر فقـد ابتلـي بالحكـم فكـان لابـد مـن أن يجتهـد برأيـه، وليـس مـن المعقـول أن يهمـل الخليفـة أمـرا يتعلـق بإصـلاح الناس إذا لـم يجـد نصـا، كما أن الذيـن لـم يبتلوا بالحكم من أهل الرأي، كانوا يخشون على أنفسهم من أن يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتجهوا إلى النقل فقـط.
- ومن مناهج اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم :
- وقف العمل بالنص في غياب شروط تطبيقه ومثال ذلك:
- سهم المؤلفة قلوبهم:
من المعروف أن القـرآن الكـريـم قـد قـرر للمؤلفة قلوبهم سهمـا في الصدقـات، قـال تعالـى : "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"، وكـان الرسـول عليـه الصـلاة والسـلام يعطـي للمـؤلفـة قلوبهـم من أموال الصدقات تأليفا لقلوبهم وتشجيعا لهم على الإسلام ودفعا لأذاهم عن المسلمين وقد سار أبو بكر على هذه السنة النبوية فأعطاهم أرضا عن طريق الإقطاع وكتب كتابا وأشهد عليه. فلما ذهبوا إلى عمر بن الخطاب ليشهد على الكتاب أخذه منهما ومحا ما فيــه وقال لهما "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحالفكم والإسلام يومئذ قليل… وأن الله قد أغنى الإسلام…".
وقد يتبادر إلى الذهن أن عمر بن الخطاب قد خالف النص الشرعي ونسخه، والجواب أن عمر رضي الله عنه لا يملك نسخ النص القرآني ولا إبطاله ولا مخالفته، وإنما فهم الحكم المستفاد من النص في إطار مصلحة المسلمين التي دعت أولا لإعطاء هؤلاء من أموال الصدقات، ثم رأى عمر رضي الله عنه أن مصلحة المسلمين تقتضي عدم إعطاء هؤلاء من أموال المسلمين. وقد فعل ما اعتقده صوابا وهو فهم ناضج للحكم الشرعــي.
- وقف تطبيق حد السرقة عام المجاعة:
من المعلوم شرعا أنه يلزم لتطبيق حد السرقة توفر حد الكفاية بالنسبة للسارق، وفي غياب هذا الشرط يتوقف العمل بالحكم ، وهذا ما دفع بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى وقف تطبيق حد السرقة عـام المجاعـــة.
وبالرغم من أن عصر الصحابة أنجب الكثير من الآراء والاجتهادات الرائدة، فإن اجتهادات عمر بن الخطاب تبقى الاجتهادات الأكثر قابلية للخلود لانبثاقها من منهج رائد، ولعل أهم ما ميز اجتهاداته رضي الله عنه فهمه للنصوص التشريعية في إطار مقاصدها الشرعية وفي إطار المصالح الجماعية وكذا في ضوء التطورات الزمانية والتغيـرات المكانيـة ، رضي الله عن عمر الذي نعته الحجوي الثعالبي بأنه أمهر مجتهد في الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف لا يكون كذلك والرسول عليه السلام يقول في شأنه "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
- الجمع والتوفيق بين الدليلين لاستخراج مدلول من مجموعهما :
وهو ما اصطلح عليه الأصوليون بدلالة الاقتران مثال ذلك ما نلمسه في قضية المجنونة التي أمر عمر برجمها لأنها وضعت لستة أشهر، فرد علي كرم الله وجهه على ذلك بقوله إن الله يقول " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال: " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين".فيؤخذ منهما معا أن أقل الحمل ستة أشهر، وقال إن الله رفع القلم عن المجنون ، فمن مجموع الدليلين استطاع علي كرم الله وجهه، التوصل إلى الحكم وهو صحة نسبة المولود إلى والده في ستة أشهر.
- تقديم بعض النصوص على بعض إذا ما بدا التعارض بينهما ظاهرا أو تخصيصها أو نسخ المتأخر منها ومن أمثلة ذلك:
أ- تقديم العام القطعي من القرآن على خبر الواحد:
من ذلك أن فاطمة بنت قيس شهدت عند عمر بن الخطاب أنها كانت مطلقة ثلاثا، فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنا فرد شهادتها وقال لا نترك كتاب الله تعالى لقوله: "لا تخرجوهن من بيوتهن" لقول امرأة لا ندري احفظت أم نسيت لها النفقة والسكن، وقالت فاطمة بيني وبينكم كتاب الله تعالى " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا"، وأي أمر يحدث بعد الثلاث فتبين أن الآية في تحريم الإخراج والخروج إنما هو في الرجعية وصدقت، وهكذا هو في الآية الأولى ولكن ذلك في المبثوثة وهذا ما ثبت من الآية الأخرى وهو قوله تعالى " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم" غير أن عمر رضي الله عنه رأى أن عموم القرآن القطعي مقدم على خبر الواحد.
ب- تقديم القول على الفعل:
ومن هذا ما جاء في حديث الصحيحين عن نافع أن ابن عمر كان يكري أرضه مزارعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من إمارة معاوية حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي عليه الصلاة والسلام ، فدخل عليه وأنا معه فسأله فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع فتركها عمر بعد ذلك ، وفي مسلم عن رافع بن خديج كنا نكري الأرض على أن لنا هذه، ولم هذه، فربما خرجت هذه ولم تخرج هذه. فنهانا عن ذلك وأما الورق فلم ينهنا.
ج- تخصيص القرآن بخبر الأحاد:
وهو كما في حكم عثمان بن عفان رضي الله عنه في المختلعة بأن عليها الاستبراء بحيضة، وليس عليها العدة كما في المطلقة ذاهبا إلى أن الخلع فسخ، وذلك فيما رواه النسائي عن ربيع بنت معوذ قالت : "اختلعت من زوجي ثم جئت عثمان فسألته ماذا علي من العدة؟ فقال لا عدة عليك أن تكوني حديثة عهد به، فتمكثي حتى تحيضي حيضة، قال وأنا متبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية، كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه ، فهو بهذا الموقف لا يرى بأسا من تخصيص القرآن بخبر الآحاد الظني أما من لا يقول به فإنه يقول أن الواجب في العدة ثلاثة قروء بالنص فلا يترك النص بخبر الأحاد.
د- نسخ المتقدم بالمتأخر.
ومن هذا القبيل ما روته عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " كان فيما أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخت بخمس معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن".
وقد كـان مـن آثار هـذا الفهـم الدقيـق للشريعـة الإسلامية ومقاصدها أن استطاع الصحابة رضي الله عنهم وضع الحلول الشرعية السليمة للمشكـلات والتطـور الكبـير الـذي لم يكن للمسلمين سابق عهد به قبل الفتوحات الإسلامية إذ كانت اجتـهاداتهـم وفتـاواهم مبنية على قواعد متبعة، وقد عقد الإمام أبو إسحاق الشاطبي فصلا في هذا الصدد بعنـوان " سـنة الصـحابة كسنة رسول الله يعمل بها ويرجع إليها" ومما استدل به على ذلك :"إن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقاويل فقد جعل طائفة قول أبي بكر وعمر حجة ودليلا، وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دليلا وبعضهم عد قول الصحابة على الإطلاق حجة ودليلا ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة".
ومما تقدم يتضح أن الاجتهاد التشريعي بمتطلباته الفطرية والعلمية كان متوفرا لدى فقهاء الصحابة رضي الله عنهم وهذا لا شك جار حسب القوانين الطبيعية لتكوين العلوم، فالفكر يسبق التكوين والتأسيس وهذا ما قرر مصداقيته العلماء من أن المسائل والقواعد الأصولية كانت جبلة وملكة فطرية في الصحابة رضوان الله عليهم.
ولا شك أن المادة العلمية لأصول الفقه قد نمت وتضاعفت بفضل الاجتهاد الذي مارسه فقهاء الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، واكتشفها من بعدهم، واتخذوها أسسا ومصادر للتشريع أطلقوا عليها بعد التدوين عناوين علمية تشير إلى مدلولاتها وقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل " ما أجبت في مسألة إلا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا وجدت في ذلك السبيل إليه أو عن الصحابة أو عن التابعين، فإذا وجدت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعدل إلى غيره، فإذا لم أجد عن رسول الله عليه السلام فعن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين، فإذا لم أجد عن الخلفاء فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر فالأكابر من أصحابه عليه السلام، فإذا لم أجد فعن التابعين وتابعي التابعين وما بلغني حديث بعمل له ثواب، إلا عملت به رجاء ذلك الثواب ولو مرة واحدة.
- الاجتهاد في عصر التابعين:
لما انتقل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى حمل الصحابة رضوان الله عليهم الأمانة بكل إخلاص، وخدموا شرع الله وسنة رسوله ، ومما ساعد على انتشار أثرهم في الأمصار الإسلامية خروج بعضهم من المدينة الأمرالذي أدى إلى إيجاد مدارس علمية تنهل من منهلهم، وفي هذه المدارس نشأ جيل جديد حمل هذه الشعلة وهو جيل التابعين يقول تعالى: " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان" ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " خير القرون قرني الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" حملوا علم سلفهم وتأدبوا بآدابهم وتأثروا بمناهجهم في الاستنباط فكانوا بذلك خير خلف لهم في الفهم الواسع والإدراك العميق لمرامي الشريعة ومقاصدها.
والأمر الذي يلفت الانتباه في مرحلة التابعين، بداية ظهور اتجاهات فكرية مختلفة في منهجها ومنطلقاتها، متأثرة بظروف مختلفة من حيث الطبيعة والبيئة والمكان، ومؤثرة في كل من يتلقى العلم في ظل هذه الظروف ، ومن أهم تلك الاتجاهات التي بدأت تتكون بثبات وتتضح بجلاء، ما يلاحظه المرء من منهج استطاع أن يفرض نفسه في المدينة، متأثرا بما كان قائما فيها من حيث توافر الحديث، الذي كان منتشرا في بيئتها محفوظا لذى علمائها ، ومنهج آخر يختلف من حيث المنطلق عن منهج المدينة نشأ في العراق وتأثر بما كان قائما فيها من ظروف تفرض سيطرة الرأي على الحديث، خوفا من الأخذ بالأحاديث الموضوعة التي كانت منتشرة بشكل كبير في العراق.
فكانت إحدى الظواهر المهمة في هذا العصر اشتداد النزاع بين فقهاء الحجاز وفقهاء العراق في الأخذ بالرأي ، وكان الحجازيون يأخذون بالأثر، على حين كان يميل العراقيون للرأي ويأخذون به فيما ليس لذيهم فيه نص. ولست هنا في مجال البحث عن الأسباب التي أدت إلى تشجيع وجود هاتين المدرستين المختلفتين في المنهج ، إلا أني أريد أن أؤكد أن ظهور هاتين المدرستين قد أسهم إسهاما عظيما في خدمة الاجتهاد، وهكذا نجد أن علماء كل بلد وفقهائه كانت لهم مناهج وطرق في الإستنباط تنمو وتزداد وضوحا كلما تقدم بهم الزمن مما ضاعف من المادة التشريعية.
ولعل أبرز فقيهين من فقهاء التابعين هما سعيد بن المسيب في المدينة، الذي آوى إليه علم كثير من الصحابة الذين أقاموا بالمدينة وثانيهما إبراهيم النخعي الذي آوى إليه علم عبد الله بن مسعود وأقضية علي وغيرهما من الصحابة القليلين الذين أقاموا بالعراق.
- مناهج التابعين في الاجتهاد:
كان إختلاف الصحابة والتابعين مفيدا لأنه أثمر تلك الثروة العظيمة من الآراء الاجتهادية المختلفة، ولهذا نجد كثيرا من العلماء يؤكدون مدى الفائدة العلمية التي حققها ذلك الاختلاف سواء من حيث تعدد المناهج الفقهية أو من حيث اختلاف الفروع الاجتهادية... فرأينا الذين يؤثرون الرواية يزيدون في الاستمساك بطريقتهم ويرون فيها عصمة من الفتن والآخرين يرون كثرة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، فيسلكون بسبب ما يجد من الأحداث منهج الأخد بالرأي لبيان الأحكام الشرعية.
أ- منهج مدرسة الحديث في الاستنباط:
أهم ما ميز منهج مدرسة الحديث، الأخذ بالقرآن والسنة أولا فإذا لم يجدوا فيهما حكما للمسألة المعروضة عليهم نظروا فيما ورد عن الصحابة من آراء واجتهادات فإن لم يجدوا نصا أو اجتهادا أو إجماعا يتوقفون عن الفتوى، وقد يلجؤون إلى الرأي في أضيق الحدود مع كراهيتهم له ولا يأخذون به إلا اضطرارا أو في حالة الضرورة فقط ويترخصون في الأخذ بـــه.
ولعل هذا المسلك من أبرز الأسباب التي أدت إلى اتساع دائرة الأدلة الشرعية حيث نجد أن علماء وفقهاء المدينة أصبحوا يعتمدون إجماع فقهاء المدينة ويقدمونه إلى جانب الإجماع العام، فأضافوا بذلك مصدرا جديدا هو إجماع فقهاء أهل بلدهم ، فإذا أعوزهم النص على حكم مسألة بعينها خرجوا وتتبعوا الإيماء والاقتضاء ، ومما يروى عن أصحاب مدرسة الحديث أن رجلا جاء إلى القاضي شريح فسأله عن دية الأصابع. فقال في كل أصبع عشرة إبل، فقال سبحان الله هذه وهذه سواء الإبهام والخنصر، فقال ويحك إن السنة منعت القياس اتبع ولا تبتدع وأخرج مالك في الموطأ عن ربيعة ، سألت سعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة؟ قال: عشرة من الإبل. قلت ففي أصبعين؟ قال عشرون. قلت ففي ثلاث؟ قال ثلاثون. قلت ففي أربع؟ قال عشرون . قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ فقال له سعيد: أعراقي أنت؟ فقال ربيعة بل عالم مستثبت أو جاهل متعلم. فقال سعيد هي السنة.
ففي مذهب أهل الحجاز تكون دية المرأة كدية الرجل إلى ثلث الدية، لما رواه النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتهـا"، فإذا زادت على ذلك كانت ديتها على النصف من ديته، فأجرى ذلك على ظاهره ولو أدى إلى نتيجة غير معقولة ، إذ لا شأن للعقل في التشريع الذي فيه نص، فالأربعة الأصابع ديتها أكثر من الثلث ولذلك ترد إلى النصف من دية الرجل فتصير عشرين فلم يفهم ربيعة وجه ذلك، فلذلك سأله فلم يعجبه سؤاله فقاله له: أعرافي أنت؟ لقول العراقيين وإن ديتها على النصــف ولعل أهم اثر تركته هذه المدرسة هي خدمة السنة باعتبارها المصدر الأساسي المعتمد إلي جانب القران الكريم لذا نجد أن أصحاب هذه المدرسة يوسعون مجال إعمال السنة ويأخذون بخبر الآحاد ويخصصون به عام القرآن.
ب- منهج مدرسة الرأي في الاستنباط:
تمثـل مدرسـة الـرأي الاتجـاه الفقهـي الثانـي الـذي بـدأت معالمـه تتضـح في العـراق، ومـن الصعـب أن ندعي أن هذا الاتجاه قد نشأ في العراق فمن المرجح أن نشأته الأولى بدأت في المدينـة من خـلال منهـج بعض الصحابة الذين كان يغلب عليهم منهج الرأي، أمثال عمر بن الخطاب وعلـي بـن أبى طالب وعبد الله بن مسعــــود ولما انتقل عبد الله بن مسعود إلى العراق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نقل معـه إلـى العراق ما يحمل في صدره من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحفظه من فتاوى الصحابة ، وهناك وضع أسس منهج فقهي يعتمد على الرأي والاجتهـاد.
وأهـم مـا ميـز العراقييـن هـو عـدم تهيبهـم مـن الفتـوى وعـدم خشيتهم إبداء رأيهم في أية مسالة معروضة عليهم سواء أكانت واقعية أم افتراضية ، وسبب ذلك هو اعتقادهم بان الحكم الشرعي المنصوص عليه معلل بعلة تهدف إلى مقصـد ومهمة الفقيه أن يكشف تلك العلة ثم يراعي ذلك المقصد من خلال آرائه واجتهاداته خاصة أن النصوص الشرعية متناهية في مقابل الوقائع اللامتناهية، فكان لابد على النص الشرعي الذي ينص على حكم نتيجة علة معينة أن يستوعب جميع الحوادث التي تتوافر فيها نفس العلة عن طريق استعمال القياس ومثال ذلك أن أهل الرأي كانوا يفتون في ضمان المصراة بان يردها المشتري وقيمة ما احتلبه منهـا، وأهـل الحديـث كانـوا يفتـون بـان يردهـا وصاعـا من ثمر للحديث الذي رواه أبـو هـريـرة فـي ذلك - والمصـراة هـي الشـاة التـي يختـزن اللبن في ثديها حتى يظن الرائي أنها غزيرة اللبن- فأهل الرأي يقولون أن قانون ضمان المتلفات في الشريعة إنما هو أن يرد مثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو قيمتها إن كانت من ذوات القيمــة ، وهـذا الخبـر يجعـل المتلـف مقـدر بمـا ليـس بمثـل ولا قيمة له وهذا يوجـد شكـا في صحة الخبـر إن كان بلغهم والظاهر أنه لم يبلغهم ، وكان أهل الحديث يعيبون أهل الرأي بأنهم يتركون بعض الأحاديث لاقيستهم وهذا من الخطأ لأنه لم يعرف فيهم من يقدم قياسا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن منهم من لم يروى له الأثر في الحادثة أو روي له ولم يثق بسنده فأفتى بالرأي فربما أفتى به مخالفا لسنة لم تكن معلومة له أو علمت ولكنـه لم يثق بروايتها أو عارضها من هو أقوى في نظره ، وهيبة فقهاء الرأي من رواية الحديث هو دليل صادق على صدقهم وورعهم وتقواهم،إذ لا يمكن لأي مسلم أن يعتمد على حديث في مجال التشريع وهو لا يشعر بالاطمئنان إلى صحته أو يداخله الشك في روايته ، والشك في صحة الأحاديث بالنسبة لأهل العراق له ما يبرره لأن احتمال عدم صدق الرواية وارد لتفاقم ظاهرة الوضع عندهم في الحديث.
ومن أهم ما ميز مدرسة الرأي عن مدرسة الحديث أيضا رفضهم الاعتماد على خبر الآحاد وعدم قبولهم تخصيص عام القرآن به إذ يعتبرونه لا يفيد أكثر من الظن وهو بالتالي لا يصلح لتخصيص نص قطعي وارد في القرآن ، ومن المؤكد أن أساس الاختلاف بين المدرستين لا يرجع في أصله إلى الاحتجاج بالسنة وقبولها، بل في مقدار الأخذ بالرأي وتفريغ الأحكام تحت سلطانـــه.
بالإضافـة إلـى مـا ذكرنـاه مـن أوجـه الاختلاف بين المدرستين نلاحظ وجود الاختلاف من حيث الامتداد والشمول ، وتقوم هـذه الظـاهـرة عند العراقيين على أساس توسيع دائرة الإباحة والتماس "الحيل الشرعيـة" لكي تخـرج التصرف من دائرة الحظر إلى دائرة الإباحة، في حين أننا لا نجد مثـل هذا الاتجاه عند الحجازيين الذين يعاكس اتجاههم الاتجـاه الأول، الذي يقـوم على أساس تضييق دائرة الإباحة عن طريق تحريم كثير من التصرفات تحت مبدأ سد الذرائع"، وصفوة القول أن هذا الجو العلمي الفقهي الذي عاشه فقهاء الصحابة والتابعين بما كان فيه من اختلاف وتعدد لمناهج الاستنباط حسم المشاكل العلمية التي تواجه الفقهاء والتي أصبحت تتطلب الحلول العاجلة وهكذا تكاثرت المادة التشريعية واتضحت الصورة فبدأت تقترب من التدوين كلما تقدم بها الزمن لتنتقل من الفكر إلى العمل ومن التصور إلى التدوين.
- الاجتهاد في عصر أتباع التابعين:
جاء بعد التابعين تلاميذهم وهم أتباع التابعين وقد حذا هؤلاء في استنباط الأحكام حذو سلفهم من التابعين حيث انحدر إليهم من الأحاديث النبوية وفتاوى الصحابة وأقوال التابعين وتجمع لذيهم ما لم يتهيأ لسابقهم، وبلغ الفقه في هذا الطور نشاطا لم يبلغه من قبل، فقد برز فيه الفقهاء وكثرت فيه الاتجاهات الفقهية المختلفـة الـتي لا يزال بعضها موجودا إلى الآن وإن كان البعض الآخر قد اندثر ونشطت حركة التدوين بصورة لم تعهد من قبل، فدونت السنة النبوية تدوينا رسميا كما دونت بعض كتب الفقه الممزوجة بالحديث النبوي ، وكذا كتب الفقه الخاصة، ولأول مرة يدون علم جديد وليد الفكر والثقافة الإسلامية يقنن الاجتهاد ويعصم الفقيه عن الوقوع في الخطأ وهو علم أصول الفقه، ويمكن إرجاع أهم أسباب ازدهار الاجتهاد وكثرة الاختلافات الفقهية في هذا الطور بالذات إلى الأمور الآتية:
1- اتساع رقعة الدولة الإسلامية التي بلغت في هذه الفترة أقصى اتساعها حيث ضمت بين جنباتها جنسيات وقوميات وعادات وثقافات مختلفة وجميعها تخضع لتشريعات دين واحد، وقد كان لهذه القوميات المختلفة حرص شديد على معرفة أحكام دينهم في شؤون حياتهم مما أسهم لا محالة في ثراء الفقه.
2- رعاية الدولة العباسية للحركة العلمية عموما وللفقه على وجه التحديد ومن ذلك تشجيع العلماء والفقهـاء وكثرة مجالس المناظرة في قصور الخلفاء مما دفع بالفقهاء إلى حرصهم الشديد على عرض أفضـل ما عندهـم مدعميـن ذلك بكل ما يملكون من حجج عقلية ونقـلية ، وفي هذا الإطار عرض الخليفة المنصور على الإمام مالك أن يصنف له كتابا يكون مرجعا للحكم الفقهي والقضاء في الدولة فصنف الإمام مالك موطأه.
3- التدوين الرسمي للسنة كان له بالغ الأثر في ازدهار الفقه ولا عجب في ذلك إذ أن السنة مادة الفقه الثانية بعد القرآن الكريم، حيث بدأ العلماء يصنفون السنة بطريقة أخرى أكثر تقدما تمثلت في إفراد الحديث النبوي بالتأليف بعيدا عن الفتاوى، وقد أخذ هذا المنهج من التصنيف بادئ الأمر شكل المسانيد، ثم بدأت الحاجة لتمييز الحديث الصحيح فظهرت في القرن الثالث الكتب الستة.
4- الإهتمام بحفظ القرآن الكريم والعناية بأدائه إذ اشتهر في هذه الفترة عدد كبير من القراء الذين اعتنوا بتعليم القرآن والتبريز في أدائه.
5- الاختـلاف فـي مـادة الفقـه فقد دار جدل طويل حول حجية السنة عموما وحجية أخبار الآحاد والمرسل كمـا دار جـدل حول الإجماع ومدى حجيته وكذا إجماع أهل المدينة والإجماع السكوتي، كما انتقل الخلاف حول القياس والرأي والاستحسان، بل وصل الأمر إلى أن يناقش الفقهـاء في أساس التكليف بافعل ولا تفعـل.
6- توفير حرية الرأي للمجتهدين إذ أن النهضة العلمية لا يمكن أن تزدهر إلا في مناخ ملائم، والاجتهاد صورة من صور التفكير العقلي المجرد من حيث إرتباط المجتهد بالقواعد والنصوص الشرعية التي تضبط له عملية الاستنباط لكيلا يضل الهدف أو ينحرف عن الصواب.
7- اعتمـاد القضـاء على الفقـه الإسلامي إذ أن الفقه ينمو من خلال التعامل به في مجال القضاء، والقضاء يعرض له فـي كـل يـوم مسائل جديدة، ومهمة القاضي أن يبحث عن الأدلة فليس للقاضي الخيار في القضاء أو عدمه فلا يمكنه رفض النظر في القضية المعروضة عليه، وقضاء القاضي يعتبر حكما جديدا يضاف إلى الثروة الفقهيـة.
8- ظهـور أحكـام لمسائل افتراضية ونقاش ومناظرات ومراسلات تمت بين فحول الفقهاء حول مسائل أصولية كالمراسلة التي تمت بين الإمام مالك والليث بن سعــد.
9- تدوين الفقه في مدونات وتبويبها مما نتج عنه ثروة ضخمة من هذه المؤلفات التي اعتبرت مادة غنية للفقهاء المجتهدين.
10- ظهور المجتهدين الكبار من الأئمة حيث ورث كل من هؤلاء الأئمة من فقهاء بلادهم من التابعين مناهج الإجتهاد وطرق الإستنباط.
- أقسام المذاهب الفقهية:
خـلال بحثنـا عـن تاريخ الإجتهاد وجدنا أن أصله يمتد إلى عصر الرسول صلـى الله عليـه وسلـم وتبيـن لنا أن الصحابة رضوان الله عليهم كان يغلب على بعضهـم مبـدأ تعليـل الأحكـام وذلك بتقصي عللها، إلا أنه من الصعب أن يظهر ذلك الاتجاه جليا في عهد الرسالة لوجود الوحي والاجتهاد النبوي آنئــذ.
ثم بدأ هذا الاتجاه يبدو واضحا في عصر الصحابة، فلمسنا أن منهج الاجتهاد لدى كل منهم اختلـف عن الآخر من حيث ظهور الرأي عن طريق الأقيسة الدقيقة وإستنباط العلل الكامنة في النصوص والمعبرة عن مقاصد الشريعة وكذا تمسك البعض الآخر بالأثر وذمه للـرأي.
ولما انتقل بعض الصحابة إلى الأمصار أخذت تلك الظاهرة تبدو واضحة مع التابعين وأتباعهم كاتجاهات مؤثرة في الحركة الفقهية فعرف هذا العصر نشأة المدارس الفقهية التي أخذت تتضح معالمها لذى فقهاء الأمصار من حيث الاعتماد على الحديث أو الرأي وتمايزت أصولها الإستنباطية، فأصبحت مذاهبا لكل منها أشياع وأتباع، ولم يكن هذا معروفا قبل هذا العصر.
ومـن أبـرز أسبـاب نشـوء المذاهب الفقهية إلى جانب الإجتهاد، الانقسام السياسي والتفرق الحزبي في صفوف الأمة مما كان مصدره الأساسي الإختلاف في الإمامــة، فانشقت الأمة الإسلامية إلى فريقين كبيرين هما أهل السنة والجماعة والشيعـة وعـن هذا الخلاف نشأت نزاعات وإختلافات في أمور شتى، كالعقيدة ومصادر التشريع، كما اختلفوا في كثير من الفروع سواء منها ما يرجع إلى العبادات والمعاملات.
كما أن لتفرق العلماء المجتهدين وانتشارهم في كل ناحية دور كبير في ظهور المذاهب واختلافها إذ أن كل واحد يفتي بما ثبت عنده من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو يذهب إلى الرأي والإجتهاد فيما لم يجد فيه نصا.
- أقسام المذاهب:
تنقسم المذاهب الفقهية إلى قسمين هما المذاهب السنية والمذاهب الشيعية:
1- المذاهب السنية:
المذاهب السنية هي التي قال أصحابها بخلافة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم.
وهي باعتبار الانتشار والاندثار تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- ما كثر انتشاره واستمر بقـاؤه.
2- ما انتشر انتشارا محدودا ثم اندثر.
3- ما اضمحل بموت صاحبـــه.
- المذاهب السنية التي انتشرت وكتب لها الإستمرار:
أ- المذهب الحنفي:
إمامه أبو حنيفة النعمان رحمه الله فقيه العراق وإمام مدرسة الرأي فيها، ويعتبر المذهب الحنفي من أكثر المذاهب الفقهية انتشارا في الأمصار الإسلامية، وقد استطاع أن يؤثر تأثيرا واضحا في الفقه الإسلامي، وبفضل هذا المذهب الذي ظهر في وقت مبكر ازدهر الفقه الإسلامي ازدهارا عظيما فقد تميز هذا المذهب بأصالته وعمقه وشموله واعتماده على مناهج أصولية في غاية الدقــــــة.
- أهم مميزات المنهج الإستنباطي عند أبي حنيفة:
كان أبو حنيفة يأخذ بالكتاب أولا ثم بالسنة ثم باقضية الخلفاء ثم باقضية باقي الصحابة ثم يقيس بعد ذلك وقد عرف بالتوسع في الأخذ بالقياس والاستحسان، وبسبب هذا التوسع في الرأي عاب عليه الكثيرون منهجه واتهموه بتقديم القياس على الحديث ولكنه كان يقول : " إني آخذ بكتاب الله اذا وجدته فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صل الله عليه وسلم، والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات فاذا لم أجد في كتاب الله وسنة رسول الله شيئا أخذت بقول من شئت من أصحابه وأدع قول من شئت ثم لا أخرج من قولهم الى قول غيرهم فاذا انتهى الأمر الى من بعدهم فلي أن أجتهد كما إجتهدوا".
- أبرز تلاميذه وإنتشار مذهبه:
اقترن إسم أبي حنيفة باسم عدد من كبار تلاميذه، كانوا يناقشون معه المسائل الفقهية ويطرحون أمامه وجهات نظرهم المختلفة، وكان أبو حنيفة يشجعهم على أن يناقشوه بكل صراحة، وأن يخالفوه إذا بدا لهم ما يجعلهم يقتنعون برأي آخر وبفضل هذا الأسلوب العلمي ربى أبو حنيفة جيلا من العلماء جعلوا من مذهبه، المذهب الفقهي الأكثر إنتشارا بين المذاهب الأخرى.
ومن أهم تلاميذ الإمام أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، وبفضلهما انتشر المذهب الحنفي انتشارا واسعا في الأمصار الإسلامية، حيث ظهر من بعدهم علماء في المذهب الحنفي استطاعوا أن يسهموا إسهاما عظيما في خدمة فقه المذهب تأصيلا وتخريجا وتفريعا وتقعيدا.
وقـد انتشـر المذهـب الحنفـي في العـراق أيام الدولة العباسيـة، فكان المذهب الرسمـي والشعبـي ثم انتقـل إلى الشـام وانتشـر فيهـا ثم تبنته الدولة العثمانية فيما بعــد.
ب- المذهب المالكي:
إمامه مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة، نشأ بالمدينة المنورة وهي موطن حركة علمية كبيرة آنذاك، إذ كانت مجالسها تتزاحم بالعلماء والفقهاء لأخذ العلم عن علمائها الذين كانوا أعلم أهل الأمصار بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- أهم مميزات المنهج الاستنباطي عند مالك:
كان للإمام مالك منهج اجتهادي متميز يختلف عن الفقهاء الآخرين فهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة فإنه كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه في بعض المسائل.
والأخذ بالرأي لم يكن محل خلاف بين أئمة المذاهب الفقهية، غير أن الإمام مالك توفر له من الأسباب ما لم يتوفر لغيره من الفقهاء إذ أن الحديث كان متوفرا في مدينة رسول الله، ولم يدخل إليه ما دخل للحديث في العراق من روايات موضوعة ولم يكن من المقبول أن يأخذ الإمام مالك بالرأي مخالفا بذلك السنة أو عمل أهل المدينة ولو كان أبو حنيفة في المدينة لسار على نفس المنهج فالبيئة غالبا ما تفرض على المجتهد منهجا معينا.
واعتمد الإمام مالك في مذهبه على أصول اختلف العلماء حول عددها فذكر صاحب المدارك أنها أربعة قال رحمه الله: " وأنت إذا نظرت لأول وهلة منازع هؤلاء الأئمة ومآخذهم في الفقه واجتهادهم في الشرع وجدت مالكا رحمه الله ناهجا في هذه الأصول منهاجا مرتبا لها مراتبها ومدارجها مقدما كتاب الله علـى الآثـار ثـم مقدمـا لها على القياس والاعتبـار، تاركا منها ما لم يتحمله الثقاة العارفون لما تحملوه أو ما يجهلونه، أو ما وجد الجمهور الجم الغفير من أهل المدينة قد عملوا بغيره وخالفوه ولا يلتفت إلى من تـأول عليه بظنه في هذا الوجه سوء التأويل وقوله ما لا يقوله بل صرح بأنه من الأباطيــل".
- أبرز تلاميذه وإنتشار مذهبه:
من أشهر تلاميذ الإمام مالك الذين أخذوا عنه العلم ابن القاسم وأشهب وعلي بن زياد التونسي وأبو عبد الله الملقب بشبطون وأسد بن الفرات ويحيى بن يحيى الليثي الذي أخذ العلم عن شبطون وكذا سحنون الذي أخذ العلم عن علماء القيروان.
ورغم نشوء المذهب المالكي بالمدينة إلا أنه لم يكتب له الاستمرار كمذهب بها لكنه انتشر في المغـرب الأقصـى والأندلـس والجزائـر وتونـس وطرابلس الغرب ومصر والسودان والبحريـن.
ج- المذهب الشافعي:
ينسب إلى الإمام الشافعي الذي التقى بالإمام مالك وأخذ عنه العلم ومـكث زمنـا طويـلا في المـدينة يـلازم مجالــسه ثم انتقل إلى العراق بعد محنة اتهم فيها بالتشيع وأخذ عن محمد بن الحسن الشيباني فقه العراق.
وأقام الإمام الشافعي بمكة المكرمة حيث التف العلماء حوله ووجدوا عنده علما جديدا ومنهجا جديدا يختلف عن منهج الإمام مالك فقد استطاع أن يضع الأصول ويقعد القواعد ويعرض لأراء الإمام مالك ناقدا لها ودارسا لمنهاجها ومبينا لأراء فقهاء العراق فيها.
ولم يظهر التميز الفقهي للإمام الشافعي إلا بعد عودته إلى العراق للمرة الثانية سنة 193 حيث كانت بيئة العراق مهيئة لقبول آرائه التي تمثل المنهج المعتدل المنبثق عن فقه الإمام مالك، ويعد الشافعي أول من صنف في علم أصول الفقه على الراجح وذلك من خلال كتابه الرسالة ومن مؤلفاته رحمه الله كذلك كتاب أحكام القران وإبطال الاستحسان وكتاب الأم.
- أهم مميزات المنهج الاستنباطي عند الشافعي:
جاء في كتاب الأم " العلم طبقات شتى، الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت ثم الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة وأن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا لا نعلم له مخالفا منهم واختلاف أصحاب النبي عليه السلام في ذلك ثم القياس ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى".
اختلف منهج الإمام الشافعي عن منهجي الإمام أبي حنيفة ومالك إذ استطاع أن يحقق تمازجا بين الاتجاهين فوضع أسسا جديدة لمنهجه الاجتهادي الذي أقامه على أسس وقواعد أصولية دونها في مؤلفاته والتي على رأسها كتاب الرسالة ، ومما يلاحظ على أصول الشافعي أنه كان يربط المصادر الشرعية بالقرآن والسنة ويجعل نصوصهما المنطلق الوحيد في اجتهاداته وقد ربط المصادر الأخرى بالمصادر الأصلية لأن أي مصدر اجتهادي لا يمكن أن يستمد قوته الا من خلال صلته بالقرآن والسنة.
- أبرز تلاميذه وانتشار مذهبه:
اشتهر عدد من أصحاب الشافعي في العراق ومصر فالعراقيون نقلوا عنه مذهبه القديم والمصريون نقلوا عنه مذهبه الجديد ومن أهم العراقيين أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وأحمد بن حنبل والحسن بن محمد الزعفراني ، أما أصحاب الشافعي في مصر فمن أشهرهم يوسف بن يحيى البويطي وإسماعيل بن يحيى المزني والربيع بن عبد الجبار المرادي.
وقد انتشر المذهب في معظم الأمصار الإسلامية رغم أنه لم يحظ بالرعاية الرسمية كالمذهب الحنفي ، وهو المذهب الغالب في فلسطين والأردن وله كثير من الأتباع في سوريا ولبنان والعراق والحجاز وباكستان والهند وأندونيسيا والسنيين من أهل فارس واليمن ولا يزال له في مصر كثير من الأتباع وخصوصا في الريف.
د- المذهب الحنبلي:
إمامه أحمد بن حنبل رحمه الله عرف بقوة عزيمته وصلابة عقيدته لذلك وقف وقفته المشهورة ضد من قالوا بخلق القرآن ، قال الإمام الشافعي رحمه الله خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلا أفضل ولا أعلم من أحمد بن حنبل، وقد كان الإمام أحمد بن حنبل من أبرز تلاميذ الإمام الشافعي، ويبدو أن شغفه بالحديث دفعه للاتجاه نحو المحدثين أو من يغلب عليهم منهج الحديث، فكان يتمنى لو أنه التقى بالإمام مالك، وقد تأثر بالإمام الشافعي وأعجب به وكان الشافعي رحمه الله يعتمد عليه في الحديث ويعتبره حجة فيه.
وخلف الإمام أحمد عدة مؤلفات من أهمها كتاب المسند الذي ابتدأ تأليفه سنة 180 هـ وقد توفي قبل تنقيحه فتولى جمعه وترتيبه من بعده ابنه عبد الله.
- أهم مميزات المنهج الإستنباطي عند احمد بن حنبل:
تميز منهج الإمام احمد الفقهي باعتماده على الرواية في الدرجة الأولى، إذ لا يتجاوزها إلى الرأي ما لم يجد حاجة ملحة لذلك، ولا شك أن الإمام أحمد قد جاء في عصر متأخر عن الفقهاء الآخرين وكان التدوين في عصره قد ازدهر ولم يواجه ما واجهه غيره من الأئمة الذين ظهروا قبله في العراق من حيث عدم إمكان الاعتماد على الرواية لاختلاط الصحيح بغير الصحيح.
قال الإمام أحمد لبعض أصحابه: " إياك أن تتكلم في مسألة ليس فيها إمام، والحق التفصيل فإن كان في المسألـة نـص في كتـاب الله أو سنـة رسـول الله صلى الله عليـه وسلـم أو أثـر عـن الصحـابـة لـم يكره الكـلام فيهـا، وإن لـم يكـن فيهـا نـص ولا أثر فـإن كـانـت بعيـدة الوقـوع أو مقـدرة لا تقـع لم يستحـب لـه الكـلام فيها، وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة، إذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم، ولاسيما إن كان السائل يتفقه بذلك ويعتبر بها نظائرها، ويفرع عليها، فحيث كانت مصلحة الجواب كان هو الأولـى".
- أبرز تلاميذه وإنتشار مذهبه:
لعـب تلاميـذ الإمـام أحمـد دورا بـارزا في نشر آرائه وفقهه، أما آراؤه الفقهيـة فقـد رواهـا أبنـاؤه عنـه فـي أجوبـة عن مسائـل فقهيـة ، ثم جـاء تلاميـذه مـن بعـده فدونـوا آراء الإمـام الفقهيـة ونقحـوهـا وفـق التنسيق الفقهـي.
وللإمام أحمد ولدان عالمان هما صالح وعبد الله، أما تلاميـذه المشهـورون فهـم الأثـرم وعبد الملك الميموني والمروذي والكرماني وإبراهيم الحربي وعمر بن الحسن الخرقي.
انتشر مذهب الإمام أحمد أولا في بغداد ثم في مصر وقد زاد في نشره وتجديده أتباعه من بعده كابن تيمية وابن القيم الجوزية إلى أن قام من بعدهم محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر للهجرة بحركته الإصلاحية المعروفة بالحركة الوهابية في نجد فشاع المذهب الحنبلي وأصبح مذهب المملكة السعودية الرسمي، كما أن له اتباع في فلسطين والشام والعراق.
ولم يكن انتشار المذاهب بالذي يحمل أصحابها على الزهو والإعجاب بالنفس فقد روي عن غير واحد منهم أنه قال، إذا روي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط.
وروي عـن الإمام مالـك انـه قـال في أبي حنيفة " اجتمعت مع أبي حنيفة وجلسنا أوقاتا وكلمته في مسائل كثيرة فما رأيت أفقه منه ولا أغوص منه في معنى وحجـة".
وقال الإمـام الشافعـي في حـق أبـي حنيفة رحمهما الله: "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة" وقال: " مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا خطأ يحتمل الصـواب".
وقال أحمد في الشافعي: "ما أحد من أهل الحديث حمل محبرة إلا وللشافعي عليه منة".
وقال الشافعي في مالك " لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز".
إلا أن مظاهـر التعصـب المذهبـي بدأت تظهـر بعد عصر أئمة المذاهب وتتفاقم حتى بات بعض من ينتسـب إلى مـذهب يـرى أن مـن ينتسـب إلى مذهـب آخـر كأنه منتسب إلى دين آخر، ونسوا ما كان يتحلى به مؤسسـوا هـذه المـذاهـب من تسامح وتقدير بعضهم بعضا.
- أسباب انتشار المذاهب:
إن من الأسباب الرئيسة لانتشار المذاهب واستمرارها ما يلي:
1- التلاميذ الذين تأثروا بطريقة إمامهم والذين كانت لهم مكانة مرموقة عند عموم المسلمين، إذ أن تأثر التلاميذ بروح إمامهم كان إلى حد الإعجاب بطريقته والدفاع عنها ، كما أن مكانتهم عند الجمهور كانت تدعو العامة إلى الأخذ عنهم والاقتداء بهم والعمل بفتاواهم، ولقد وفق الأئمة المشهورون الذين بقيت مذاهبهم قائمة توفيقا كبيرا في اختيار أبين التلاميذ حجة وأنشطهم عملا وأرفعهم شأنا، فنشروا ما تلقوه عن أئمتهم من الأحكام وبثوها في نفوس من اتبعوهم ثقة منهم بفتواهم، فكان ذلك من أقوى العوامل على تمتين أساس المذهب الذي رزق صاحبه أمثال أولئك التلاميذ والأتباع.
2- كان لحركة التدوين دور كبير في انتشار المذاهب، فكل إمام نشط أتباعه في تدوين مذهبه وتأليف ما أخذوه عنه من الأحكام وبثها تحقق له اقتناع الناس بآرائه واعتناقهم لمذهبه.
3- يعد القضاء والتدريس عنصران مهمان في بروز العديد من المذاهب واستمرارها فالمجتهدون لما دونوا الأحكام التي تلقوها من أئمتهم وهذبوها ثم نشروها في الأمصار الإسلامية، رغب الناس أن يكون قضاتهم وأساتذتهم أصحاب مذاهب معروفة يتبعونهم في قضائهم ويقتدون بهم في عملهم، وأن يكون ذلك المذهب مما دون وعرف كي لا يتبع القاضي هواه في أحكامه، وليكون المتعلم على بينه مما يأخذه من معلمه، ولذلك تخلفت المذاهب التي لم ينشط أتباعها في تدوينها ولم يسهل تناولها ولا الاطمئنان إليها.
4- ومما هو أقوى أثرا في هذا الصدد أن يقلد السلطان أو الملك مذهبا خاصا فإنه يقصـر القضـاء والتدريـس على معتنقـي مذهبـه فيكون ذلك من أقـوى الدواعـي والأسبـاب التي تعين على انتشار ذلك المذهب وتكاثر العلماء الذين يقومون بنشــره.
- أهم المذاهب السنية التي انتشرت ثم اضمحلت:
- مذهب الأوزاعي:
إمامه أبو عمر عبد الرحمان بن محمد الأوزاعي أخذ عن جماعة من التابعين وروى عن كبار العلماء وقد استفتي الأوزاعي عن الفقه وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وروى له أصحاب الكتب الستة وقد نوه علمـاء السلـف الصالـح بالعديد من الصفات التي كان يتميز بها الأوزاعـي.
ومن مؤلفاته كتاب السنن وكتاب المسائل في الفقه، ويعد المذهب الأوزاعي مذهبا حديثيا، فقد ثبت عنه انه يكره القياس وينفر من الرأي وقد أخذ بسد الذرائع والاستصحاب وفقه الإمام الأوزاعي لم يجمع وكذلك أصوله التي اعتمد عليها وآراؤه لا تزال في بطون الكتب حسب علمي.
وقد انتشر المذهب الأوزاعي في المغرب ما يقرب من أربعين سنة ثم غلبه مذهب مالك وذلك في أوائل المائتين للهجرة على يد زياد بن عبد الرحمان الذي عرف بشبطون (ت 204).
وذكر بعض الباحثين أن الإمام الأوزاعي ترك مصنفات لكنها احترقت في الزلزال الذي أصاب بيروت عند ما كان مقيما بها.
- المذهب الظاهري:
إمامه أبو سليمان داوود بن علي المعروف بالظاهري وكلمة الظاهري نسبة إلى ظاهر الكتاب والسنة، كان من المتعصبين للشافعي وقد صنف كتابين في فضائله والثناء عليه ثم انتحل لنفسه مذهبا خاصا به أساسه العمل بظاهر الكتاب والسنة.
وقد خلف داوود عدة مؤلفات منها كتاب إبطال التقليد وكتاب إبطال القياس وكتاب خبر الواحد وكتاب الإجماع وكتاب صفة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
يقوم المذهب الظاهري على أساس التمسك بظاهر الكتاب والسنة من غير مراعاة لمصالح ومقاصد الشريعة التي من أجلها يقع تشريع الأحكام فلم يأخذوا بالقياس وبعض الأصول الأخرى وبذلك خالفوا ما عليه جمهور العلماء، ولا يأخذ الظاهرية بالدليل الظني وبذلك خالفوا جمهور الأمة .
تسرب مذهب الظاهري إلى الأندلس حيث انتشر على يد الإمام ابن حزم ، إلا أنه أخذ في الاضمحلال ابتداء من القرن الخامس إلى أن اختفى تماما في القرن الثامن الهجري.
- مذهب الطبري:
إمامه أبو جعفر الطبري رحمه الله تفقه أول أمره بمذهب الشافعي رحمه الله كما أخذ الفقه الحنفي والمالكي، آتاه الله من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره إذ كان حافظا لكتاب الله بصيرا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عارفا بأحوال الصحابة والتابعين بصيرا بأيام الناس وأخبارهم، اختار ابن جرير الطبري لنفسه مذهبا ودونه في كتبه.
ومن أشهر كتبه:
1- جامع البيان في تفسير القرآن، قال عنه الحافظ ابن تيمية : " وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين.
2- كتاب تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار وكتاب اختلاف الفقهاء ويسمى هذا الكتاب: "اختلاف علماء الأمصار في أحكام من شرائع الإسلام" تناول فيه عدة أحكام فقهية وتعرض في كل مسألة لآراء الفقهاء أبي حنيفة ومالك والأوزاعي وأبي يوسف والشافعي…
3- كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وقد ثبت عن الطبري انه كان يقول: " لي كتابان لا يستغني عنهما فقيه الاختلاف واللطيف" وغيرها من الكتب القيمة.
انتشر مذهب الطبري زمنا يسيرا وذلك بفضل طائفة من العلماء الذين تفقهوا على مذهب ابن جرير الطبري، أمثال عبد العزيز الدولابي والقاضي أبو بكر احمد بن كامل بن خلف وأبو الحسن أحمد بن يحي بن علي وأبو الفرج المعافي استمر مذهب الطبري معروفا معمولا به في بغداد إلى منتصف القرن الخامس.
- أهم المذاهب السنية التي لم يكتب لها الإنتشار:
كانت هذه المذاهب تزيد على عشرة، ظهرت ثم اختفت واضمحلت بموت أصحابها ومن أشهرها على الإطلاق:
- مذهب محمد بن أبي ليلى:
إمام المذهب محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى ولد سنة 84 على الأرجح، كان من أصحاب الرأي، تولى القضاء بالكوفة وولي لبني أمية ثم لبني العباس. كان فقيها ومفتيا توفي رحمه الله سنة 148 هـ وقد اشتهر له تلاميذ انتسبوا إليه انتساب المتعلم للمعلم وكانت لهم اليد الطولى في تفريع الفروع لمذهبه وإعداد الجواب عنها.
- مذهب سفيان الثــوري:
إمام المذهب هو أبو عبد الله بن سعيد بن مسروق الثوري من أئمة الحديث أجمع الناس على دينه وورعه وزهده وثقته ، ولد سنة 97 أما وفاته رحمه الله فكانت في شعبان من سنة 161 هـ ، اشتغل بالعلم منذ صغره كان والده من علماء الكوفة وله من الكتب كتاب الجامع الكبير وكتاب الجامع الصغير وكتاب الفرائض ، يعد من الأئمة المجتهدين كان له أتباع يفتون بمذهبه وكان فقهه يقوم على الحديث فهو أمير المؤمنين فيه، وكان يؤثر الأخذ بعموم نص السنة المؤيد بقياس على تخصيص هذا العموم بمطلق القياس الفعلي، وثبت انه أخذ بالإجماع الذي كان عنده يشمل المسائل الاجتهادية التي لا تدخل في نطاق المعلوم من الدين بالضرورة كما أخذ بأقوال الصحابة واختار من أقوالهم وأخذ بالقياس وإن كان في دائرة ضيقة ولا يأخذ بسد الذرائع إلا إذا استوفت العقود شروط صحتهـا فإنـه كان يحكم بإجـازتها دون نظر إلى أي اعتبار آخر، وقد أثنـى علـى الإمـام الثوري أئمة السلف الصالح ومن أقواله المأثورة " إذا رأيت القارئ محببا إلى جيرانه فاعلم انه مداهن" وقوله "العالم طبيب الدين والدرهم داء الدين، فإذا اجتر الطبيب الداء إليه متى يداوي غيره".
- مذهب الليث بن سعد:
إمام المذهب هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمان الفهمي، ولد بقلقشندة إحدى قرى القليوبية بمصر سنة 94 هـ وتوفي في شعبان سنة 175، روى عن مالك ونافع وغيره من فقهاء عصره قال عنه الشافعي هو أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به".
أخذ بالسنة وفهم أن كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو واجب ورأى جواز تخصيص الكتاب بالسنة، وأخذ بالإجماع ورفض عمل أهل المدينة المتأخرين فهو يفهم الإجماع انه إجماع الصحابة فقط وكان يختار من أقوال الصحابة عند اختلافهم، وليس بين أيدينا من فقهه ما يؤكد أخذه بالقياس، وقد وجد من أقواله ما يفيد أخذه باستصحاب اليقين وقد اهتم الليث بن سعد باللغة العربية في وقت كانت لم تنتشر بعد في مصر ، والتقى بمالك بن انس في حلقة لربيعة الرأي أثناء رحلة حجه وتمت بينهما مراسلة، الأولى بعث بها الإمام مالك وهي رسالة قصيرة والثانية تعتبر بمثابة جواب عن الأولى ، وقد ناقشا في مراسلتهما قضايا فقهية وأصولية مختلفة على رأسها مسألة حجية عمل أهل المدينة.
- مذهب سفيان بن عيينة:
إمام المذهب هو أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران بن ميمون الهلالي ولد سنة 107 وحفظ القرآن الكريم وهو ابن أربع سنين سمع من سبعين من التابعين وروى عنه الشافعي وأحمد وغيرهما من الفقهاء كان إماما حجة حافظا واسع العلم، كبير القدر، قال فيه الشافعي: " لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز" وقال الإمام أحمد: " ما رأيت أعلم بالسنن منه، وما رأيت أحدا أحسن لتفسير الحديث منه" كانت وفاته رحمه الله سنة 198 هـ.
- أسباب اندثار المذاهب:
أفرزت عصور الإجتهاد ظهور كثير من الفقهاء المجتهدين وقفوا حياتهم للإستنباط والتدريس مما أورث الفقه الإسلامي ثراء علميا واختلافا مذهبيا، فدونت بعض المذاهب في الكتب وبقي البعض الآخر دون تدوين فتمكنت المذاهب التي دونت من البقاء إلى يومنا هذا بينما كتب البقاء خلال القرون الأولى لغيرها ثم تفرق عنها أتباعها كمذهب داوود الظاهري ومذهب الأوزاعي والبعض منها انقرض بموت صاحبه كمذهب الليث بن سعد وسفيان الثوري وغيرهما.
ومن ابرز أسباب اندثار المذاهب سواء منها التي انتشرت زمنا يسيرا أو التي لم تنتشر:
1- عدم تدوين الآراء الفقهية والأصول الاستنباطية لإمام المذهب سواء في حياته أو بعد وفاته، فالتصنيف يبقى العامل الأول في حفظ المذهب واستمرار بقائه لذلك قال الشافعي في الليث بن سعد رحمهما الله أن أصحابه ضيعوه بمعنى أنهم لم يدونوا فقهه كما دون فقه غيره.
2- مزاحمة بعض المذاهب لمذاهب أخرى قل أتباعها مما دفع بالناس إلى المفاضلة بين تلك المذاهب وإتباع المنتشر منها.
3- هناك من المذاهب ما دون وصنف في الكتب إلا أن ضياعها ساهم في عدم انتشارها كمذهب الأوزاعي الذي ضاعت كتبه، والليث بن سعد الذي عمل الحساد من القضاة والولاة على إخفاء فقهه وكتبه.
4- تشدد بعض أئمة المذاهب في التمسك بالأثر كالليث بن سعد أو التشدد في الأخذ بظاهر النصوص وعدم الأخذ بالرأي كالمذهب الظاهري في حين أن مذهب الإمام مالك مثلا كان يعتمد بشكل أساسي في أصوله على الأثر ويأخذ بمصادر أخرى كالقياس والاستحسان والمصالح وغيرها، مما اكسب مذهبه مرونة وجعله اقرب للواقع.
5-وقد أعزى بعض الباحثين عدم انتشار بعض المذاهب إلى ضعف تطبيق أصحابها لاجتهاداتهم وإن كانت قوية الحجة.
6-مما لم يكسب بعض المذاهب شعبية اضطهادها من طرف الخلفاء ومنعهم انتشارها.
وقد لخص أحد الدارسين هذه الأسباب بقوله:
" كان لكل مذهب من هذه المذاهب آراء وطرق في الإجتهاد، ولكل أتباع متفرقون في الأمصار، ولكن حدث أن بعض المذاهب مات لظروف خارجية كعدم التلاميذ الأقوياء الذين ينصرون المذهب وينشرونه ويدافعون عنه، وكعدم من يعتنقه من ذوي الجاه والسلطان ومن إليهم إلى غير ذلك من الأسباب وأحيانا لأسباب داخلية كالمذهب الظاهري فقد قضى عليه تشدده في عدم الأخذ بالرأي ووقوفه الشديد عند النص".
2- المذاهب الشيعية:
نشأ التشيع لأهل البيت النبوي عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان من الصحابة من يرى أن الإمامة حق لأهل البيت ولهم على ذلك أدلة كثيرة، إلا أن الذين اعتقدوا هذا المذهب أضمروه في أنفسهم ولم يعلنوا عنه إلا بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، فافترقت الأمة فريقين عظيمين فريق أهل السنة والجماعة وفريق الشيعة.
انقسام الشيعة:
انقسم الذين تشيعوا لعلي رضي الله عنه إلى فريقين هما فريق الخوارج وفريق الشيعة:
- مذاهب الخوارج:
ظهر الخوارج في جيش علي عندما اشتد القتال بينه وبين معاوية في معركة صفين، ولما اشتد على معاوية القتال لجأ إلى خدعة التحكيم بمعنى أن يحتكم الفريقان إلى كتاب الله وقبل علي كرم الله وجهه الأمر مضطرا حيث خرجت عليه خارجة من جيشه تطلب إليه أن يقبل التحكيم وانتهى أمر التحكيم إلى عزل علي وتثبيت معاوية ، ومن غريب هذه الخارجة أن اعتبرت التحكيم بعد ذلك جريمة كبيرة وطلبت إلى علي أن يثوب عما ارتكب فخالهم علي كرم الله وجهه وقاتلهم ، وفرقة الخوارج من أشد الفرق الإسلامية دفاعا عن مذهبها وحماسة لآرائها وقد اتخذوا كلمة "لا حكم إلا لله" دينا ينادون به.
وبسبب كثرة الاختلاف فيما بينهم صاروا مذاهب وجماعات متباينة ومن أهمها:
1- الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق كانوا أكثر الخوارج عددا قاتلوا ابن الزبير والأمويين بقيادة نافع تسع عشرة سنة وقتل نافع في ميدان القتال واستمر من بعده يدعون بدعوته ، وكان نافع يستبيح دماء المخالفين لمذهبه حتى الأطفال والنساء والشيوخ.
2- النجدات: أتباع نجدة بن عويمر، كانوا يخالفون الأزارقة في قتل الأطفال، وافترقت فرقة النجدات إلى ثلاث فرق، واحدة منها فقط بقيت موالية لنجدة.
3- الصفرية: هم أتباع زياد ابن الأصفر وهم في آرائهم أقل تطرفا من الأزارقة وهذه الطائفة لا ترى إباحة دماء المسلين ولا ترى أن دار المخالفين دار حرب.
4- العجاردة: أتباع عبد الكريم بن عجرد وهم قريبون في مناهجهم من النجدات، وانبعثت من العجاردة طائفة أخرى اسمها الثعلبية نسبة إلى رجل اسمه ثعلبة.
5- الإباضية: أتباع عبد الله بن إباض وهم أكثر الخوارج اعتدالا وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية لبعدهم عن الغلو والشطط ، وقد افترقت الإباضية إلى فرق كاليزيدية: الذين يعتبرون غلاة وهم أتباع يزيد بن أبي أنيسة وقد حكم العلماء بكفرهم وخروجهم من الإسلام لأن يزيد ادعى أن الله يبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء وينسخ به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنها الحفصية: اتباع حفص بن أبي المقدام الذين زعموا أن عليا كرم الله وجهه انزل الله فيه " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قبله وهو ألذ الخصام".
ومن الإباضية من اعتدلوا فكانوا أقرب إلى الجماعة الإسلامية فاستمر بقاؤهم ودون مذهبهم في مجموعات وكتب باعتباره المذهب الأقل غلوا.
وقد كانت لكل هذه الفرق اجتهادات تميز مذاهبهم الفقهية.
- مذاهب الشيعة:
هي التي تشيع أصحابها لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقالوا أنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لأنه من أهل البيت وزوج ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من دخل في الإسلام من الصبيان.
وسميت هذه الفرقة التي خالفت أهل السنة والجماعة بالشيعة لأنها شيعة علي وأنصاره، فقد كان أكبر همهم استرداد الخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان وإرجاعها إلى أهل البيت وبعد مقتل عثمان رضي الله عنه أعلن أهل الشيعة مبدأهم وبايعوا عليا كرم الله وجهه.
ولعل الشيعة من أقدم المذاهب الإسلامية فظهورهم كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الاختلاف حينها بقي في طي الكتمان ولكن بعد وفاة عثمان أصبح علنا وجهارا الأمر الذي أدى إلى كثير من المعارك سفكت فيها دماء المسلمين، ولما اشتدت المظالم على أولاد علي في عهد الأمويين وكثر نزول الأذى بهم ثارت ضغائن المحبة لهم، فاتسع بذلك المذهب الشيعي وكثر أنصاره.
ومن الشيعة المتطرفين من رفع عليا إلى مرتبة الألوهية ومنهم من رفعه إلى مرتبة النبوة ومنهم فرق اعتدلت فكانت أقرب إلى أهل السنة والجماعة في كثير من الأصول والفروع.
- ومن أهم فرق الشيعة:
1- السبئية: أتباع عبد الله بن سبأ، كان يهوديا من أهل الحيرة وأظهر إسلامه وكان أشد الدعاة ضد سيدنا عثمان، وقد أنكرت هذه الفرقة موت علي وقالت أن المقتول شيطان تصور للناس بصورة علي وأن عليا صعد إلى السماء كعيسى بن مريم عليه وعلى نبينا السلام، وسيعود ليسوق العرب بعصاه ويمـلأ الأرض قسطا كما ملئت جـورا ، ومنهم من يقول أن الله تجسد في علي تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
2- الغرابية: فرقة من الغلاة زعموا أن الرسالة كانت لعلي، ولكن جبريل أخطأ فنزل على محمد عليه السلام وسموا بالغرابية لزعمهم أن جبريل أخطأ لأن عليا يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كما يشبه الغراب الغراب.
3- الكيسانية: أتباع المختار بن عبيد الثقفي كان خارجيا ثم صار من الشيعة، يعتقدون بالبداء وهو أن الله يغير ما يريده تبعا لتغيرعلمه، وأنه يأمر بالشيء ثم يأمر بخلافه، ويعتقدون بتناسخ الأرواح وهي فرقة خارجة عن الشيعة منحرفة في الاعتقاد لا يعدها الشيعة من بينهم.
4- الزيدية: أقرب فرق الشيعة إلـى الجماعـة الإسلاميـة إذ لـم يكفـروا أحدا من أصحـاب رسـول الله صلـى الله عليـه وسلـم وإمـامهـم هـو زيـد بن علي زيـن العابديـــن.
5- الإمامية: يدخل في عمومها أكثر مذاهب الشيعة الموجودة الآن بالعالم الإسلامي وأغلبهم يأخذون بالمذهب الجعفري وهي لم تنحرف إلى درجة مخالفة نص من القرآن الكريم أو أي أمر علم من الدين بالضرورة، وسموا بالامامية لأن الأئمة لم يعرفوا بالوصف بل عينوا بالشخص فالإمام علي عين بوصية من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعين من بعده ولهم في ذلك أدلة كثيرة.
واختلف الإمامية بعد ذلك على فرق قيل أنها سبعين فرقة أعظمها "الإثنا عشرية" والإسماعيلية " وقد كانت لكل هذه الفرق اجتهادات تميز مذاهبهم الفقهية.
ومن مذاهب الشيعة المعتدلة المشهورة والقريبة من مذاهب أهل السنة والجماعة، والتي دونت وقام أصحابها بجمعها وتأليفها في مؤلفات مستقلة مذهبان هما المذهب الزيدي والمذهب الجعفري.
- المذهب الزيدي:
إمامه زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبى طالب كان فقيها ومحدثا وعالما بقراءات القرآن وله منزلة بين العلماء والقراء ، وعرف عن الإمام زيد أنه كان كثيرالأتباع والتلاميذ. وقد اختص أحد تلاميذه بتدوين ما روى عنه من الأحاديث والأحكام الفقهية، فدون الحديث في مجموعة والفقه في مجموعة وسمي مجموعهما "المجموع الكبير". فكان يقول في الحديث عنه حدثني زيد بن علي ويقول في الفقه سألت زيد بن علي.
ويعتبر رأي زيد في الإمامة مختلفا عن رأي الشيعة، فبالرغم من قوله بأفضلية على بن أبي طالب فهو يعتقد أن خلافة أبي بكر وعمر واجبة الإتباع والطاعة لأنها انبثقت عن إرادة المسلمين وحققت مصلحتهم وقال في ذلك " كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة، وبفضل هذه الآراء المعتدلة التي تعبر عن التزام بمنهج أصيل يستمد مصادره من تعاليم الإسلام استطاع الإمام زيد أن يحتل مكانة متفوقة بين علماء عصره.
- المنهج الاجتهادي للمذهب الزيدي:
لخص أحد العلماء المنهج الزيدي في الاستنباط بقوله: "إذا عدم الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع والقياس بشتى ضروبه كان دليل العقل".
والمذهب الزيدي قريب في العقائد من مذهب المعتزلة الذين جعلوا للعقل السلطان الأكبر في فهم العقائد، وقد جعلوا للعقل أيضا سلطانا في فهم الشريعة وتطبيق أحكامها.
وفقه الزيدية قريب إلى حد ما من فقه الأئمة الأربعة، لا في الحلول التي انتهى إليها، بل في المقدمات التي بنيت عليها الحلول لان الأصل الذي استقت منه واحد هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالزيدية يأخذون بالكتاب والسنة ويجتهدون برأيهم في غياب النص، كما انهم اخذوا بالقياس وادخلوا فيه الاستحسان ثم بعد ذلك يأتي دور العقل، فما يقر العقل حسنه يكون مطلوبا وما يقر قبحه يكون منهيا عنه وذلك إذا لم يوجد أي سبيل من سبل الإستدلال غيره.
وانتشر المذهب الزيدي باليمن وبلاد الحجاز والديلم وحيلان .
- المذهب الجعفري:
أمامه جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين بعد فاجعته في أبناء عمومته انصرف عن السياسة إلى العلم ليجد فيه العزة والسمو ، وقد تبرأ من جميع غلاة الشيعة حتى انه حكم بشرك بعضهم.
عاصر الإمام جعفر الصادق أثناء تلقيه الحديث والفقه عددا من فقهاء التابعين الذين أخذوا عن عمر رضي الله عنه وتلاميذ عمر من الصحابة ، وروى عن الإمام مالك وكثير من علماء المدينة، ووثقه الشافعي وغيره ورغم ذلك فالبخاري لم يخرج له ، ولعل كثرة ما نسب إليه وصعوبة التمييز بين ما هو صحيح وغير صحيح حملت البخاري على أن لا يروي شيئا من حديثه.
وفي نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس اعتبرت الأصول التي جمعت الآثار النبوية المنسوبة في روايتها للإمام جعفر منحصرة في أربعة كتب، تعتبر عند الشيعة الإمامية الاثنا عشرية الأصول الجوامع التي يرجعون إليها وهي تعرف عندهم بالكتب الأربعة الصحاح كالصحاح الستة عند أهل السنة، ويتفق الإمام جعفر في كثير من المناهج التي يعتمدها في أخذ الأحكام من مصادرها مع الأئمة الأربعة.
- المنهج الاجتهادي للمذهب الجعفري.
باعتبار المنهج الاجتهادي للمذهب الجعفري يقوم على أساس الإمامة فإن الإمام يعتبر مصدر للتشريع الاجتهادي لاتصافه بالعصمة ، وكان الإمام جعفر يأخذ بالقرآن الكريم أولا ثم السنة النبوية وإذا أعوزه وجود الحكم فيهما يرجع إلى الإجماع ثم بعد ذلك إلى الرأي معتمدا على المصلحة من حيث إعتبار الشارع لمصالح العباد في التشريع ، وبذلك يجعل جلب المصلحة أو درء المفسدة أساسا لاجتهاده في الأحكام التي لا نص فيها.
وقد نشأ المذهب الجعفري في العراق ثم انتشر في بعض البلاد الإسلامية كإيران وسوريا ولبنان وفارس وخراسان.
- مصادر التشريع عند الشيعة:
مصادر التشريع الأساسية عند الشيعة هي الكتاب والسنة والإجماع والرأي وهي في ظاهرها موافقة لأهل السنة، ولكن بالتفصيل يتضح أن هناك اختلافا بين الطرفين في هذه المصادر:
- فالقرآن شامل لكل شيء ولا يمكن لأي فرد أن يدرك معانيه وخصائصه ولهذا فإن الأئمة هم المختصون بفهم أسراره وبواطنه ، ففهم القرآن عند الشيعة بالرأي لا يجوز إلا لمن تشبع بعلم الأوصياء وأما غيرهم فيكون فهمهم للقرآن عن طريق النص من السنة.
- أما السنة النبوية فلا يعتبرون منها إلا ما روي عن أهل البيت النبوي مما يرويه جدهم جعفر الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، ويدرجون في السنة كل ما روي عن أئمتهم من غير أن يجعلوا في ذلك مجالا للعقل في القبول أو الرد لأن الإمام عندهم معصوم ولا يقول إلا الحق.
- أما الإجماع فانهم لا يعتبرونه حجة إلا إذا كان إجماعا من الشيعة لأنه لابد أن يشمل الإمام المعصوم وبذلك ينتفي عن إجماعهم الخطأ والنسيان.
- ولا يؤخذ بالقياس عند الشيعة ما لم يكن حكم الأصل معللا بعلة، أو يعتبر الحكم الثابت عن طريق العلة المنصوص عليها ثابت بالنص أما العلة التي لم تثبت عن طريق النص فلا يمكن الاعتماد عليها لأن العلل الشرعية لا تدرك بالعقل وحده.
ويقسم الفقه الشيعي الامامي القياس إلى قسمين:
1- ما تثبت فيه العلة عن طريق الاستنباط وهذا النوع ينفيه المذهب الجعفري، لأدلة عندهم مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد ذلك.
2- القياس المبني على علة منصوص عليها، فهذا مجمع على الأخذ به لأنه لا يدخل ضمن القياس المنهي عنه.
وفي مقابل القياس يأخذون بالمصلحة التي يقرها الشارع.
وبعد هذا العرض الموجز لأقسام المذاهب الفقهية ومناهج كل مذهب في استنباط الأحكام، يتضح جليا أن لكل مذهب خصوصياته وضوابطه في الاجتهاد مما نتج عنه الاختلاف حول المسائل الفقهية، وهو ما أدى إلى حيوية ومرونة وسعة هذه الشريعة السمحة وضخامة ثروتها الفقهية ، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله " ما أحب أن أصحاب رسول الله لا يختلفون لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق وأنهم أئمة يقتدي بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة"، وعليه فإن سلف الأمة وجميع الأئمة لم يجتهدوا ليخالف بعضهم بعضا أو يخطئ بعضهم بعضا وإنما اختلفوا في سبيل الوصول إلى الحق وتحقيق مقاصد الشرع بما يتوصلون إليه من فهم كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام وخاصة في مواطن الاحتمال ومسائل الاجتهاد والإستدلال.
- بعد مرحلة الإجتهاد آل الأمرالى التقليد الذي استشرى بين المسلمين واستمر لفترة طويلة الى أن أطلت الصحوة المباركة الحديثة التي استأنف العلماء بموجبها الإجتهاد في المستجدات التي طرأت على حياة المسلمين. ( انظر موقع الموسوعة الشاملة الإصدارالأخير ).
والحمد لله رب العالمين
======================
- فهرس الموضوعات
- الإجتهاد وأهم القضايا التي عالجها علماء الأصول في موضوعه.
- أطوار الإجتهاد وإختلاف المذاهب.
- الإجتهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلـم.
- الإجتهاد في عصر الصحابة رضوان الله عليهم.
- مناهج إجتهاد الصحابة رضوان الله عليهـــم.
-الإجتهاد في عصر التابعين.
-مناهج التابعين في الإجتهاد.
-منهج مدرسة الحديث في الإستنباط.
-منهج مدرسة الرأي في الإستنباط.
-الإجتهاد في عصر أتباع التابعين.
-أسباب إزدهار الإجتهاد وكثرة الإختلافات الفقهية في عصرأتباع التابعين.
- أقسام المذاهب الفقهية.
- المذاهب السنية.
1- المذاهب السنية التي إنتشرت وكتب لها الاستمرار.
- المذهب الحنفي.
- أهم مميزات المنهج الإستنباطي عند أبي حنيفة.
- أبرز تلاميذه وانتشار مذهبه.
- المذهب المالكي.
- أهم مميزات المنهج الإستنباطي عند مالك.
- أبرز تلاميذه وإنتشار مذهبه.
- المذهب الشافعي.
- أهم مميزات المنهج الإستنباطي عند الشافعي.
- أبرز تلاميذه وإنتشار مذهبه.
- المذهب الحنبلي.
- أهم مميزات المنهج الإستنباطي عند احمد بن حنبل.
- أبرز تلاميذه وإنتشار مذهبه.
- أسباب إنتشار المذاهب.
2- أهم المذاهب السنية التي انتشرت ثم اضمحلت.
3-أهم المذاهب السنية التي لم يكتب لها الإنتشار.
- أسباب اندثار المذاهب.
- المذاهب الشيعية.
- مصادر التشريع عند الشيعة.
- المصادر والمراجع:
- أحكام الإفتاء والإستفتاء لعبد الحميد ميهوب.
-الإجتهاد في الشريعة الإسلامية ليوسف القرضاوي.
-الإجتهاد في التشريع الإسلامي لمحمد سلام مدكور.
- الإجتهاد ودور الفقه في حل المشكلات لمصطفى أحمد الزرقاء.
- الإجتهاد في الشريعة الإسلامية محمد فوزي فيض الله.
- تربية ملكة الاجتهاد من خلال بداية المجتهد لابن رشد لمحمد بولوز.
- تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية محمد أبو زهرة.
- حجة الله البالغة. الدهلوي مراجعة وتعليق محمد شريف سكر.
- دراسة تاريخية للفقه وأصوله والاتجاهات التي ظهرت فيهما مصطفى سعيد الخن.
- الفكر الأصولي دراسة تحليلية نقديــة عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان.
- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي الحجوي الثعالبي تخريج وتعليق عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري.
- الفقه الإسلامي تطوره أصوله قواعده الكلية احمد يوسف.
- فقه الإمام الليث بن سعد في ضوء الفقه المقارن محمود سعد.
- مناهج الإجتهاد في الإسلام محمد سلام مذكور.
- المدخل للتشريع الإسلامي محمد فاروق النبهان.
- المدخل الفقهي العام مصطفى أحمد الزرقا.
- تاريخ التشريع الإسلامي محمد الخضري.
- مالك محمد أبو زهرة.
- أبو حنيفة محمد أبو زهرة.
- الشافعي محمد أبو زهرة.
- ابن حنبل محمد أبو زهرة.
- ابن حزم محمد أبو زهرة .
- الإمام زيد محمد أبو زهرة.
- الموسوعة الفقهية الكويتية.
- لائحة الأقراص المدمجة:
- مكتبة التفسير شركة العريس للكمبيوتر بيروت لبنان.
- مكتبة التفسير وعلوم القرآن إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المكتبة الألفية للسنة النبوية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- المحدث تصميم وإدارة طلبة دار الحديث النبوي الشريف سابقا " مدرسة" واشنطن أمريكا.
- مكتبة الفقه وأصوله إعداد الخطيب للتسويق والبرامج. الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- موسوعة الفقه الإسلامي وأصوله إعداد قسم البرمجة دار الفكر دمشق سوريا.
- مكتبة الفقه الإسلامي شركة العريس للكمبيوتر بيروت. لبنان.
- الموسوعة الميسرة في الفقه وعلومه إنتاج برمجيات ضاد. المملكة العربية السعودية.
- مؤلفات شيـخ الإسلام بن تيمية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية عبد اللطيف للمعلومات.
- مؤلفات العالم الرباني ابن قيم الجوزية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- مكتبة شيـخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- العلوم الإسلامية إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي. عمان الأردن.
- موسوعة طالب العلم الشرعي إعداد الخطيب للتسويق والبرامج الإشراف العلمي مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي عمان الأردن.
- الموسوعة الإسلامية المعاصرة Microteam Software
- المكتبة الشاملة الإصدار الأول والثاني والتحديث الأخير المبثوثة على شبكة الأنترنيت ws. WWW.shamela
وصلى الله وسلم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين