top of page

عقد بيع المرابحة-دراسة مقارنة

بسم الله الرحمان الرحيم

- مدخل:
    إن أي كلام عن بيع المرابحة لابد أن ينطلق من تعريف البيع وأقسامه لمعرفة موقع بيع المرابحة من هذه الأقسام.
     ـ البيع في اللغة مقابلة شيء بشيء وهو من الأسماء الأضداد التي تطلق على الشيء وضده مثل الشراء كما في قوله تعالى: "وشروه بثمن بخس" وفي الحديث: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يبيع على بيع أخيه". قال أبو عبيدة: "كان أبو زيد وغيره من أهل العلم يقولون إنما النهي في قوله صلى الله عليه وسلم، لا يبيع على بيع أخيه إنما هو لا يشتري على شراء أخيه. والعرب تقول: بعت الشيء بمعنى اشتريته. والبيعان هما البائع والمشتري وجمعه باعة. و البيعة: الصفقة على إيجاب البيع.
    وفي اصطلاح الفقهاء عرفوه بتعريفات كثيرة منها:
    1- "مقابلة مال بمال على وجه مخصوص".
    2-" مبادلة مال بمال تمليكا وتملكا أو مبادلة منفعة مباحة بمنفعة مباحة على التأبيد غير ربا وقرض".
    3-" عقد معاوضة يحتوي على عوض من الجانبين".
    والبيوع في الفقه الإسلامي أربعة أنواع:
    أ-بيع العين بالعين كبيع السلع بأنواعها ويسمى هذا بيع المقايضة. 
    ب-بيع الدين بالعين وهو السلم، لأن المسلم فيه مبيع وهو دين ورأس المال قد يكون عينا وقد يكون دينا ولكن قبضه شرط قبل افتراق العاقدين بأنفسهما فيصير عينا.
    ت- بيع الدين بالدين وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق ويسمى عقد الصرف.
    ج-بيع العين بالدين نحو بيع السلع بالأثمان المطلقة وبيعها بالنقود الرائجة والمكيل والموزون والمعدود والمتقارب دينا .
    وينقسم هذا النوع الأخير من البيوع إلى أربعة أقسام:
    1-بيع المرابحة وهو مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح.
    2-بيع التولية وهو المبادلة بمثل الثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان.
    3-بيع الوضيعة وهو المبادلة بمثل الثمن الأول مع نقصان شيء منه.
    4-بيع المساومة وهو مبادلة المبيع بما يتراضى به العاقدان
    وتسمى هذه البيوع في الفقه الإسلامي: بيوع الأمانة وإنما سميت كذلك للائتمان بين الطرفين على صحة خبر رب السلعة بمقدار رأس المال.
  -  تعريف بيع المرابحة:
    المرابحة في اللغة مأخودة من كلمة ربح، وتعني النماء في التجارة وربح في تجارته يربح ربحا وتربحا، والعرب تقول: ربحت تجارته: إذا ربح صاحبها فيها. وأربحته على سلعته أي أعطيته ربحا. ويقال بعته السلعة مرابحة على كل عشرة دراهم درهما، وكذلك اشتريته مرابحة.
    وفي الاصطلاح عرف الفقهاء المرابحة بتعريفات كثيرة نذكر منها:
    ـ عرفها ابن رشد: " أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السلعة ويشترط عليه ربحا ما للدينار أو الدرهم".
    ـ وعرفها الإمام المرغياني: "المرابحة نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح".
    ـ وعند الشافعية المرابحة هي الزيادة على رأس المال بأن يشتري شيئا بمائة مثلا ثم يقول لغيره وهما يعلمان بذلك بعتك بمائتين أو بما اشتريت أو برأس المال ونحو ذلك.
    ـ وعرفها ابن قدامة الحنبلي: "هو البيع برأس المال وربح معلوم ويشترط فيه علم البائع والمشتري برأس المال، فيقول رأس مالي فيه أو هو علي بمائة. بعتك بها وربح عشرة.
وجمع الجزري بين هذه التعريفات بقوله: "فأما المرابحة فهو أن يعرف صاحب السلعة المشتري بكم اشتراها ويأخذ منها ربحا إما على الجملة مثل أن يقول اشتريتها بعشرة وتربحني دينارا أو دينارين، وإما على التفصيل وهو أن يقول تربحني درهما لكل دينار أو غير ذلك".
    وعرفها الجرجاني بقوله: "هي البيع بزيادة على الثمن الأول". وخلاصة القول في تعريف المرابحة أنه بيع يقوم على أساس معرفة الثمن الأول وزيادة ربح، ولأن بيع المرابحة من بيوع الأمانة ينبغي أن يكون الثمن الأول معلوما وأن يكون الربح معلوما بناء على اتفاق بين المتعاقدين.
    - حكم بيع المرابحة الفقهية:
    عقد بيع المرابحة صورة من صور البيع، والبيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، قال تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، وقد استدل الفقهاء على جواز بيع المرابحة بعموم الأدلة على جواز البيع، وقد تعامل الناس بها في مختلف الأقطار والعصور لحاجة الناس إلى هذا النوع من البيع، يقول ابن قدامة: "وهذا البيع جائز لا خلاف في صحته".
    ورخص فيه سعيد ابن المسيب وابن سيرين والقاضي شريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر.
    وروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرى بأسا من البيع مرابحة.
    ورخص في جواز هذا البيع جماهير العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب،   فقد روي عن الإمام مالك أنه قال: ثم الأمر المجتمع عليه عندنا في البز (الثوب) يشتري الرجل ببلد ثم يقدم به بلدا لآخر فيبيعه مرابحة".
    وجاء في الكافي لابن عبد البر: "بيع المرابحة يجوز على ربح معلوم بعد أن يعرف رأس المال ويبلغه وإن تغيرت السلعة بنقص أو زيادة لم يبعها مرابحة حتى يبين".
    وأجاز المالكية هذا النوع من البيوع وهو عندهم خلاف الأولى ومعناه أن الأحب خلافه والمراد به بيع المساومة.
    ولا خلاف في أن الفقهاء قد أجمعوا على جواز بيع المرابحة لأنه الأصل في بيوع الأمانة والفرق الأساسي بين بيع المرابحة وبيع المساومة هو اشتراط الإخبار برأس المال دون الثاني وذلك واجب يقع على البائع وبه يصيرا أمينا.
   ويعقد بعض الفقهاء موازنة بين أسلوب المساومة والمرابحة، وأغلبهم يفضلون المساومة على بيع المرابحة مع جواز البيعين عندهم.
    وسبب تفضيلهم لبيع المساومة والله أعلم هو سبب أخلاقي لأن المرابحة بيع مؤسس على رأس مال السلعة المبيعة بمعنى تكلفتها وهذا يحتاج لبيان كثير من الأشياء التي قد لا يتيسر دائما للبائع ضبطها لسبب أو لآخر، وبما أنه مؤتمن لأداء هذا الواجب فقد يخل بحقوق هذه الأمانة فيأثم.
    في حين أن بيع المساومة يخلو من هذا الالتزام، يقول الدسوقي تعليقا على عبارة الدردير: "جاز البيع حال كونه مرابحة والأحب خلافه"
يقول: "وأما هو فغير محبوب لكثرة احتياج البائع فيه إلى البيان.
    وقال الإمام أحمد: "والمساومة عندي أسهل من المرابحة وذلك لأن بيع المرابحة يعتريه أمانة واسترسال من المشتري ويحتاج فيه إلى تبيين الحالي على وجه، ولا يؤمن هوى النفس في نوع تأويل أو غلط، فيكون على خطر وغرر، وتجنب ذلك أسلم وأولى".
    وقال ابن رشد: "البيع على المكايسة والمماكسة أحب إلى أهل العلم وأحسن عندهم" ويبين رحمه الله سبب ذلك فيقول: "لأن بيع المرابحة بيع أمانة فيجب أن تنفى منه كل تهمة أو جناية ويتحرز فيه من كل كذب، وفي معاريض الكلام شبهة فلا يجوز استعمالها في بيع المرابحة".
    ورويت كراهة هذا البيع عن ابن عمر وابن عباس ومسروق والحسن وعكرمة وسعيد بن جدبير وعطاء بن يسار، لأن فيه نوعا من الجهالة والتحرز عنها أولى وهذه الكراهة تنزيهية لا أثر لها في عقد البيع وصحته.
    وجاء في موسوعة فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "ونهى أن يأتي الرجل فيقول: اشتر كذا وكذا وأنا أشتريه منك بربح كذا وكذا وهو البيع المعروف اليوم بالآمر بالشراء المطبق في المصارف الإسلامية، لأنه وعد بالشراء وليس شراء، لذلك نهى ابن عمر أن يكون شراء.
    وقال ابن حزم في المحلى والبيع على أن تربحني كذا شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل والعقد باطل، وأيضا فإنه بيع بثمن مجهول لأنهما إنما تعاقدا البيع على أن يربح معه للدينار درهما، فإن كان شراؤه دينارا غير ربع كان الشراء بذلك والربح درهما غير ربع، فهذا بيع الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيع بثمن لا يدري مقداره فإن سلم البيع من هذا الشرط فقد وقع صحيحا كما أمر الله"، وقال إسحاق: "لا يجوز لأن الثمن مجهول حال العقد".
    ترجيح:
    الخلاف في المرابحة لا يرجع إلى أصل البيع، وإنما إلى بعض صوره لما يصاحبه ويلحق به، والجهالة اليسيرة لا تمنعه، ومنعه فيه حرج وتضييق كبير على الناس.
وبيع المرابحة بيع أمانة واسترسال من المشتري يحتاج إلى بيان يخلو من التدليس.
    وفي الوقت الحاضر أجاز الفقهاء بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم، معتمدين على رأي الإمام الشافعي في بيع المرابحة كما جاء في كتاب الأم: "وإذا أرى الرجلُ الرّجُلَ السلعة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذي قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا وإن شاء تركه وهكذا إن قال: اشتر لي متاعا ووصفه له أو متاعا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول ويكون هذا فيما أعطى نفسه بالخيار".
    كما اعتمدوا على رأي ابن شبرمة فيما يتعلق بالإلزام كما جاء في كتاب المحلى لابن حزم: "... وقال ابن شبرمة: الوعد كله لازم ويقضي به على الواعد ويجبر".
    وهناك من عارض جواز بيع المرابحة على أساس الوعد الملزم لما فيه من ربا، وشبهة البيعتين في بيعة وبيع الإنسان ما لم يملك، ورغم كل ما قيل فإن المرابحة جائزة بشروطها الشرعية، والتزامها بالضوابط التي تكفل لها أن تبقى في إطار الصدق والأمانة الذي يجب أن يتسم به هذا البيع، ولأنها تأخذ مشروعيتها من مشروعية البيع، ولأن الأصل في العقود الإباحة والجواز.
    - شروط بيع المرابحة الفقهية:
    المرابحة عقد معاوضة يخضع لكافة الشروط الواجب توفرها في  عقود المعاوضات الأخرى. وهو أيضا عقد أمانة يخضع لشروط خاصة به يجب توفرها فيه.
وشروط المرابحة منها ما يخص الصيغة ومنها ما يخص رأس المال ومنها ما يتعلق بالربح.
    أ- شروط الصيغة: يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ يظهر رغبة العاقدين في إبرام العقد مع تطابق الإيجاب والقبول، وأن يكونا بلفظين ماضيين أو أحدهما في الماضي والآخر في المستقبل، وذلك كأن يقول البائع للمشتري بعتك هذه السلعة بألف دينار أو بما اشتريت به وربح دينار لكل مائة، أو ما جرى مجرى هذا اللفظ، فيجيبه الطرف الثاني بالموافقة بأن يقول: رضيت أو قبلت أو ما أشبه ذلك، ولابد أن ينص في الصيغة على رأس المال والربح.
    ب- شروط رأس المال: المقصود برأس المال في المرابحة هو ما يلزم المشتري بالعقد لا ما نقده فيما بعد، وذلك لأن المرابحة بيع بالثمن الأول. والثمن الأول هو ما وجب بالبيع، فأما ما يدفعه بعد ذلك فإنما وجب عليه بعقد آخر وهو الاستبسال، ومعناه أخذ مال بدل مال آخر، فالمشتري الثاني ملزم بدفع ما وجب بالعقد لا بالمدفوع بعده، ومثاله لو اشترى رجل سلعة بمائة درهم ونقد مكانها عشرة دنانير أو أعطاه دابة بدل السلعة فرأس المال هو مائة درهم لا الدنانير ولا الدابة، لأن الدراهم هي التي وجبت بالعقد والدنانير والدابة بدل عن الثمن الواجب، وهذا مذهب الحنفية. وخالفهم المالكية حيث اعتبروا المدفوع هو رأس المال سواء كان ما اتفق عليه في العقد أو فيما اصطلح عليه فيما بعد، إذا كان نقدا من النقود، إلا أنهم اشترطوا على البائع بيان ذلك للمشتري، جاء في المدونة: سئل الإمام مالك عن رجل اشترى سلعة بمائة دينار فأعطى عوض المائة ألف درهم، فهل يجوز للبائع بيع السلعة مرابحة على الألف درهم؟
    فأجاب رحمه الله بالجواز على أن يوضح البائع ذلك للمشتري، ولا فرق بين أن تكون الدنانير أو الدراهم هي رأس المال، إذا رضي المشتري بذلك.
   - حكم الزيادة المضافة على المبيع إذا كانت لقاء ثمن:
    اتفق الفقهاء على القول بأن الزيادة التي أضافها المشتري على العين المشتراة وكان قد دفع عوضها مالا فإنها تحسب من رأس المال وتحسب لها نسبة من الربح أيضا، لأن عرف التجار معتبر في مثل هذه العقود فما جرى العرف بإلحاقه برأس المال ألحق، ولما كان العرف يقضي بإلحاق مثل هذه الإضافة على أصل الثمن وجب القول به.
    وكل ما أثر في المبيع تزداد به ماليته صورة أو معنى فللبائع أن يلحق ما أنفقه فيه برأس المال.
    واختلف الفقهاء في إلزام البائع بتوضيح ذلك للمشتري أو عدم إلزامه على قولين:
   * الأول: إن البائع ملزم بتفصيل ذلك للمشتري، ولا فرق بين تفصيله إياه ابتداء أو يجمله ثم يفصله بعدئذ، أما لو أراد أن يجمل رأس المال الأصلي مع الإضافة، ويقول قامت علي السلعة بكذا، فلا يجوز له ذلك، والأصل في العقد في مثل هذه الحالة الفساد. وهذا رأي المالكية والحنابلة، وذكر ابن قدامة ذلك عن الحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب وطاووس وغيرهم من فقهاء السلف.
    * الثاني: أجاز فريق من العلماء للبائع أن يقول قام علي المبيع بكذا، إلا أنه لا يجوز له أن يقول: اشتريته بكذا لئلا يكون كاذبا في قوله، إذ القيام عبارة عن الحصول بما عزمه البائع، ولاشك بأنه عندما زاد في المبيع شيئا جديدا، قد غرم فيه ثمن الزيادة وهذا رأي الحنفية والشافعية وبعض فقهاء الحنابلة. وما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني هو المختار لما ذكروه من تدليل ولأن البائع صادق في قوله، قام علي المبيع بكذا، والعقد بهذه الصورة تتوفر فيه الأمانة.
وبعد هذا العرض لرأي الفقهاء فيما يعتبر من الثمن ومالا يعتبر منه نذكر بشروط رأس المال كما أوردوها.
    ـ الشرط الأول أن يكون رأس المال الأول معلوما لدى طرفي العقد: لأن المرابحة كما عرفها الفقهاء هي بيع السلعة بمثل الثمن الأول الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم يتفقان عليه، والعلم بالثمن الأول شرط لصحة البيوع كلها لما علم من أن الجهالة تؤول إلى المنازعة والمنازعة تفسد العقد، فلو نسي البائع رأس ماله لم يجز بيعه مرابحة بل مساومة لأنه متى لم يكن عالما أو ظانا بذلك كان كاذبا.
    ووجه فساد العقد في حال عدم معرفة رأس المال الأول هو جهالة الثمن، وأما إعطاء المشتري حق الخيار فلوجود الخلل في الرضا لأن الإنسان قد يرضى بشراء شيء يسير الثمن إلا أنه لا يرضى بشرائه بالكثير فلا يتكامل الرضا إلا بعد معرفة مقدار الثمن، فإذا لم تتحقق المعرفة عنده اختل رضاه، واختلال الرضا يوجب الخيار، ولو أن المتعاقدين تركا المجلس من غير علم برأس المال فإن العقد باطل لتقرر الفساد.
    ـ الشرط الثاني أن يكون رأس المال من المثليات: أي مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة، جاء في البحر الرائق: "وشرطها-أي المرابحة- كون الثمن الأول مثليا. والمثلي: الكيلي والوزني والمعدود المتقارب ولا يصح البيع حتى يكون العوض مثليا والربح مثلي معلوم".
    وهذا شرط في المرابحة سواء تم البيع من البائع الأول أو مع غيره، وسواء كان الربح من جنس الثمن الأول أم لم يكن بعد أن يكون شيئا مقدرا معلوما كدرهم ونحوه فإن رأس المال مما لا مثل له كالعروض لا يجوز بيعه ممن ليس في ملكه، ذكر صاحب الهداية أن المرابحة لا تصح حتى يكون العوض مما له مثل لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه بالقيمة وهي مجهولة لم يصح ولو كان المشتري باعه مرابحة ممن يملك ذلك البدل وقد باعه بربح درهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز لأنه يقدر على الوفاء بما التزم وإن باع بربح ده يازده لا يجوز لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته لأنه ليس من ذوات الأمثال.
    وعلى هذا إن كان الثمن الأول غير مثلي، كأن يكون من الأعداد المتقاربة كالدور والثياب ونحوهما، فإما أن يبيعه ممن في يده وملكه أو من غيره، فإن باعه ممن ليس في ملكه ويده لم يجز لا يمكن مرابحته بالعرض عينه لأنه ليس في يده وملكه ولا يبيعه منه بقيمته لأن قيمته مجهولة تعرف بالحرز والظن.
    ـ الشرط الثالث أن يكون الربح معلوما: يشترط لصحة عقد المرابحة أن يكون الربح فيها معلوما لأنه جزء من الثمن ولأن الربح أحد نوعي النماء فوجب أن يخبر به في المرابحة، فلا يصح البيع إذا كان قدر الربح مجهولا كأن يقول بعتك هذه السلعة برأس مالها وتربحني شيئا.
    والمرابحة أن يبيع السلعة بربح فيقول رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة أو على أن أربح في كل عشرة درهما، جاء في روضة الطالبين: الثمن الثاني مبني على الثمن الأول ومعرفته سهلة.
    وإذا انتفت الجهالة في مقدار الربح فلا يضر أن يكون محددا بمبلغ مقطوع كأن يقول البائع اشتريتها بعشرة وتربحني درهما لكل دينار، فالربح يحدد إما إجمالا أو تفصيلا.
    ـ الشرط الرابع أن يكون العقد خاليا من الربا: يشترط لصحة المرابحة ألا يكون الثمن في العقد الأول مقابلا بجنسه من أموال الربا كما لو اشترى المشتري الأول السلعة بجنسها (قمح مقابل قمح أو ذهب مقابل ذهب)، فلا يجوز حينئذ بجنسها مرابحة لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول وزيادة، والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحا، وإذا اختلف الجنس فلا بأس بالمرابحة.
    ـ الشرط الخامس أن يكون العقد الأول صحيحا:
    ومن الشروط التي لها صلة بالثمن ما ذكره فقهاء الحنفية من انه يشترط لصحة المرابحة كون العقد الأول صحيحا فإذا كان فاسدا فلا تصح. والسبب في ذلك هو أن البيع الفاسد وإن كان يفيد الملك، إلا أن المشتري يملك المبيع بقيمته أو بمثله لا بثمنه لفساد التسمية، وبما أن الثمن الأول للبيع هو المعتبر في بيع المرابحة فإذا فسدت تسميته فلا يمكن اعتباره، والبيع في هذه الحالة لا يصح.
    - أحكام المرابحة الفقهية:
    أ- الأحكام الخاصة بالعقد قبل إنشائه:
    1- إذا حدث بالسلعة عيب في يد البائع أو في يد المشتري، فأراد بيع تلك السلعة المعيبة مرابحة، فإن كان العيب قد حدث بفعله أو بفعل أجنبي لم يجز له بيع المبيع مرابحة حتى يبين للطرف المتعاقد معه العيب وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
   أما لو حدث العيب بآفة سماوية فقد اختلف الفقهاء في اشتراط بيان ذلك أو عدم اشتراطه على قولين:
    *القول الأول: ذهب الجمهور إلى اشتراط بيان حدوث العيب للمشتري الثاني مستدلين على ذلك على أن البيع مع السكوت على العيب لا يخلو من شبهة الخيانة لأن المشتري الثاني لو علم بحدوث العيب في يد المشتري الأول لما أربحه على السلعة شيئا، إضافة إلى أن المشتري الأول عند بيعه المبيع بعد حدوث العيب عنده، قد احتبس جزءا منه فلا يملك بيع الباقي من غير بيان العيب، وصار كما لو احتبس بفعله أو بفعل أجنبي.
    *القول الثاني: ذهب الحنفية إلى القول بأن المبيع إذا أصابه عيب بآفة سماوية، فإن للبائع أن يبيعه مرابحة بجميع الثمن دون أن يشترطوا عليه إيضاح العيب للمشتري وحجتهم في هذا القول أن الفائت من المبيع جزء لا يقابله ثمن لأنه وصف بدليل لو فات بعد التعاقد عليه قبل أن يحوزه المشتري لا يسقط بحصته شيء من الثمن، لهذا فإن بيانه والسكوت عنه بمنزلة واحدة، وما يقابله من الثمن قائم بجميع أجزائه فللبائع بيع المعيب مرابحة في هذه الحالة دون أن يشترط عليه بيان العيب لأنه يكون بائعا لما بقي من المبيع بعد العيب بجميع الثمن.
    والفرق عند الحنفية بين حدوث العيب بآفة سماوية وبين حدوثه بفعل إنسان هو أن الفائت من المبيع في الحالة الأخيرة أصبح مقصودا بالفعل وصار مقابله ثمن، فيكون المشتري قد حبس جزءا من المبيع يقابله شيء من الثمن فلا يملك بيع الباقي مرابحة دون العيب.
    2- حكم شراء العرض بالنسيئة وبيعه مرابحة: إذا كان المبيع المراد بيعه مرابحة كان قد اشتراه نسيئة، فأراد بيعه مرابحة لشخص آخر، لابد من بيان ذلك له، لأن للأجل شبهة المبيع، بمعنى انه يعتبر جزءا من المبيع وإن لم يكن في الحقيقة مبيعا، لأنه مرغوب فيه بدليل أن ثمن البضاعة قد يزداد في حالة تأجيله، فكان للأجل شبهة أن يقابله شيء من الثمن فيصير بمثابة ما لو اشترى شيئين ثم باع أحدهما مرابحة على ثمن الجميع.
    3- حكم شراء العرض مقابل دين، ولو أن المبيع اشتراه صاحبه مقابل دين له على شخص، فلا يخلو الأمر من أن يكون العرض المأخوذ قد أخذه المشتري من الطرف الآخر صلحا أم لا، فإن كان قد اشترى بطريق المساومة لا الصلح جاز لصاحبه بيعه مرابحة دون أن يشترط عليه بيان ذلك للعاقد الجديد، أما لو أخذه صلحا عن دين كان له على إنسان، فلا يجوز له بيعه مرابحة قبل إيضاحه للطرف الذي يروم التعاقد معه.
    ووجه الفرق بين إلزام المشتري بتوضيح ذلك في حالة الصلح دون الشراء هو أن الصلح مبناه على الحط والتجوز بدون الحق، فلابد من بيان ذلك للمقابل ليتأكد له ما إذا كان المشتري متساهلا مع من تصالح معه أم لا، فييقع التحرز عن التهمة بينما مبنى الشراء على المضايقة والمماكسة فلا حاجة إلى البيان. كما أن الخيانة لا يمكن تصورها في حالة الشراء لأن الشراء لا يقع بذلك الدين بعينه بل بمثله.
    ب- أحكام المرابحة بعد العقد:
    1- ثبوت حق الخيار بظهور الخيانة في الثمن: خيانة البائع في المرابحة تظهر إما في صفة الثمن أو قدره، وتثبت الخيانة في المرابحة بإقرار البائع أو ببرهان على ذلك أو بنكوله عن اليمين فإن ظهرت الخيانة في صفة الثمن كأن يشتري شيئا نسيئة ثم يبيعه مرابحة على الثمن الأول، ولم يبين أنه اشتراه نسيئة ثم علم المشتري فله الخيار باتفاق الفقهاء إن شاء أخذ المبيع وإن شاء رده.
    وإن ظهرت الخيانة في قدر الثمن بأن قال البائع اشتريت بعشرة وبعتك بربح كذا ثم تبين أنه اشتراه بتسعة، فالمبيع في هذه الحالة لا يخلو من أحد أمرين إذ أنه إما أن يكون قائما في يد المشتري، ولم يحدث به ما يمنع الفسخ أولاَ بأن  يكون المشتري قد استهلك المبيع أو هلك بنفسه أو أحدث به ما يمنع الفسخ، فإن كان مما تنطبق عليه الحالة الثانية فلا خيار للمشتري ولا يلزمه جميع الثمن لأن المبيع إذا لم يكن بحالة تصلح لفسخ العقد لم يكن في ثبوت الخيار فائدة، فيسقط كما هو الحال بالنسبة لخيار الرؤية والشرط وإن كان المبيع بحال يصلح للفسخ فقد اختلف الفقهاء في حكم المبيع في هذه الحالة:
    أولا: ذهب المالكية إلى أن البائع في المرابحة  إن لم يكن صادقا فهو إما أن يكون غاشا أو كاذبا أو مدلسا، أما حكم الغش في المرابحة، فهو أن المشتري بالخيار بين أن يمسك المبيع وبين أن يرده. وأما الكاذب فهو الذي يخبر بخلاف الواقع، فيزيد في الثمن وفي هذه الحالة يكون للمشتري الحق في أن يسقط ما زاده البائع عليه من الثمن وما يقابله من الربح ولا يلزمه المبيع إلا بذلك فإن لم يقبل البائع ذلك يكون المشتري مخيرا بين إمساك المبيع ورده.
    وأما المدلس فهو الذي يعلم أن بالسعة عيبا ويكتمه والمشتري في هذه الحالة هو بالخيار بين الرد ولا شيء عليه، وبين إمساك المبيع ولا شيء عليه، قال ابن عبد البر: "ولو كذب في بيع المرابحة كان المشتري بالخيار إذا ثبت ما قال في شراء السلعة، إن أحب أن يأخذها بجميع الثمن أخذ وإن أحب أن يرد رد وفسخ البيع".
    ثانيا: يرى الحنفية أن الخيانة في بيع المرابحة إذا ظهرت في بيان الثمن فإن المشتري يكون بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه، قال المرغياني: "وإن يتحقق المشتري على خيانة في المرابحة فهو بالخيار" فالخيانة في المرابحة لا تخرج العقد عن طبيعته، فيظل البيع صحيحا، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ربح، وهذا المعنى متوفر بعد ظهور الخيانة، فيصبح بعض الثمن رأس المال وبعضه ربحا مما يوجب خللا في الرضا فيثبت الخيار.
    يقول صاحب الدر المختار: "إذا باع السلعة مرابحة فأخبره أن ثمنها مائة بربح عشرة ثم علم أنه تسعون فالبيع صحيح لأن زيادة الثمن لا يمنع صحة البيع، والمنصوص أن المشتري مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح وبين الرد لأنه لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضا".
    وناقش الحنفية مسألة تعرض البائع للخيانة إذا اشترى شيئا مرابحة فنصوا على أن له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به، لأنه بذلك قام عليه "وإن باع الرجل متاعا مرابحة فخانه في المرابحة ودلس عليه، فإن المشتري بالخيار إذا تحقق على ذلك إن شاء رد المتاع وإن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه به الباع لا ينقص منه شيئا. فإن كان المشتري أهلك المتاع أو بعضه فالثمن له لازم ولا يحط عنه منه شيء، وإذا أقر البائع بأنه خانه أو زاد عليه أو قامت بذلك عليه بينة لم يكن للمشتري أن يرجع في شيء من ذلك لتلك الخيانة إنما له أن يرد المتاع كله كما أخذه أو يلزمه الثمن كله وهذا قول أبي حنيفة".
    ثالثا: ذهب الحنابلة إلى أن للمشتري الحق في إسقاط ما زاده البائع كذبا من أصل الثمن وإسقاط ما يقابله من الربح في المرابحة، ويلزم البيع في الباقي. وأن البائع إذا قال غلطت في ذكر الثمن لأنه أكثر مما ذكر، فالقول قوله مع يمينه، بأن يطلب المشتري تحليفه فيحلف أنه لم يعلم وقت البيع أن ثمنها أكثر مما أخبر به، وبعد حلف البائع يخير المشتري بين رد المبيع وبين دفع الزيادة التي ادعاها، فإن نكل عن اليمين فليس له إلا ما وقع عليه العقد، ورجح بعض فقهاء الحنابلة أنه لا يقبل قول البائع بالزيادة إلا ببينة ما لم يكن معروفا بالصدق.
    ثالثا: فرق الشافعية في هذه المسألة بين حالتين:
1- إذا أخبر البائع بثمن أكثر من ثمن السلعة.
2- إذا أخبر بثمن أقل من ثمن السلعة ثم ادعى الخطأ.
    فأما الحالة الأولى فهي ظهور كذب البائع في المرابحة، وحكم ذلك أن للمشتري الحق في إسقاط الزائد من أصل الثمن وما يقابله من الربح إذا لم يختر الفسخ.
    وفي الحالة الثانية: إذا زعم البائع أنه ذكر أقل من الثمن الذي اشترى به خطأ، فإنه لا يكون للبائع الخيار في إمضاء العقد أو فسخه.
    أما إذا كذبه المشتري فإذا بين للبائع وجها للخطأ يحتمل وقوعه، كأن قال رجعت إلى الدفتر فوجدت ثمنه أكثر مما ذكرت أو نحو ذلك سمعت بينته إن كانت له بينة، فإذا صدقته البينة يكون للبائع الخيار، ولا تثبت له الزيادة أما إذا لم يبين وجها محتملا لغلطه فإن بينته لا تسمع مطلقا، وقيل لا تسمع بينته مطلقا سواء بين وجها محتملا أم لم يبين لتناقضه في قوله.
    2- حكم ما إذا صدق المشتري البائع:
    إذا صدق المشتري البائع في قوله غلطت في ثمن المبيع، فللفقهاء عندئذ قولان في صحة المرابحة أو عدم صحتها:
    - ذهب الشافعية في أصح القولين عندهم كما ذكر النووي إلى القول ببطلان المرابحة في هذه الحالة.
    - وذهب المالكية إلى القول بصحة المرابحة، وتنقص الزيادة التي أضيفت على الثمن غلطا، وصار بمثابة ما لو غلط المشتري بالزيادة. ولا فرق عندهم في مثل هذه الحالة بين تصديق المشتري للبائع، أو إثباته ذلك بالبينة، ويخير المشتري بين رد السلعة وأخذ ما دفعه، أو دفع ما تبين أنه الثمن الصحيح للمبيع وربحه، وإن تغيرت السلعة بزيادة أو نقص خير المشتري كذلك بين دفع الثمن الحقيقي للمبيع وربحه أو دفع قيمته، والمعتبر في القيمة والمثل يوم البيع لا يوم القبض، لأن العقد صحيح بشرط ألا تنقص القيمة عند المبلغ الذي غلط به البائع مع ربحه فإن نقصت تعين على المشتري إذا اختار إمضاء العقد دفع الغلط وربحه.
    3- حكم ما إذا كذب المشتري البائع:
    اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على رأيين:
    - الرأي الأول: يقضي بعدم قبول قول البائع وعدم سماع بينته، لأن البائع قد كذب البينة بنفسه عند إقراره بالثمن أولا، ولأن إقراره بالثمن الأول قد تعلق به حق الغير فلا يقبل رجوعه عنه، وبه قال الحنابلة والشافعية.
   - الرأي الثاني: وبه قال بعض فقهاء الحنابلة، ذكروا فيه أن البائع في المرابحة إذا ادعى الغلط في الثمن عند كلامه الأول وأشهد أن رأس ماله عليه ما قاله ثانيا تسمع بينته. وقد أجاب ابن قدامة على أدلة القائلين برفض بينة البائع في هذه المسألة بما يلي:
    1- إن البينة عادلة وقد شهدت بما يحتمل الصدق فتقبل كما هو الأمر في سائر البينات.
    2- إننا لا نسلم بأن البائع قد أقر بخلاف بينته لأن الإقرار يعني الاعتراف للغير، وإخبار البائع بثمن مبيعه قد حصل قبل أن يتعلق به حق الغير فلم يكن إقرارا.
4- حكم ما إذا ذكر البائع وجها يحتمل الخطأ:
    كقول البائع جاء في كتاب من وكيلي بأن ثمن المبيع الذي اشتراه هو مائة وعشرة مثلا وليس بمائة دينار، أو اتضح لي ذلك بعد المراجعة. فالأصح عند الشافعية، في هذه الحالة سماع بينة البائع التي يقيمها لتعزيز ادعائه، كما أن له تحليف المشتري على أنه لا يعرف الثمن الصحيح للمبيع لأن العذر هنا يحرك ظن صدقه.
    هذا هو بيع المرابحة المسطر في كتب الفقه في أنواع البيوع والذي ما زال الناس يتعاملون به في أسواقهم من غير نكير لكن هذه الصورة لا تصلح للتعامل بها في المصارف الإسلامية، فتم تحديثها وفق اجتهادات فقهية معاصرة لتلائم تطورات العصر مع الرجوع في تأصيلها إلى الأحكام السالف ذكرها.
- الاجتهادات الفقهية المعاصرة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وتطبيقاته في المصارف الإسلامية:
    - نشأة بيع المرابحة للآمر بالشراء:
    بيع المرابحة للآمر بالشراء في مجال التطبيق المعاصر للمعاملات الشرعية،  تعامل حديث دعت إليه الحاجة ورسخت جذوره الظروف السائدة في العالم الإسلامي، وأعلت راياته المصارف الإسلامية لما توسعت في استعماله وفق هذه الصيغة المستحدثة.
    وصيغة المرابحة للآمر بالشراء المتدوالة حاليا في المصارف الإسلامية تعد كشفا وفق الله إليه الدكتور سامي حسن محمود أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه في الفترة بين 1973 و 1976، حيث توصل إلى هذا العنوان الاصطلاحي بتوجيه من أستاذه محمد فرج السنهوري رحمه الله تعالى الذي كان أستاذا لمادة الفقه الإسلامي المقارن للدراسات العليا، بكلية الحقوق جامعة القاهرة.
    وبعد صدور القانون المؤقت رقم 13 لسنة 1978 بتأسيس البنك الإسلامي الأردني، وهو القانون الذي تولى الدكتور سامي محمود إعداد صيغته الأولية، حيث كان مقررا للجنة التحضيرية، وافقت لجنة الفتوى الأردنية بوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية اعتماد بيع المرابحة الآمر بالشراء، كأحدد الأدوات الاستثمارية للبنك الإسلامي الأردني واقترحت تعريفا له وهو الذي تضمنته المادة الثانية من القانون المشار إليه حيث جاء النص عليه كما يلي: "بيع المرابحة للآمر بالشراء يعني قيام البنك بتنفيذ طلب المتعاقد معه على أساس شراء الأول ما يطلبه الثاني بالنقد الذي يدفعه البنك كليا أو جزئيا، وذلك في مقابل التزام الطالب بشراء ما أمر به وحسب الربح المتفق عند الابتداء.
    وشاعت صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء وتلقفتها البنوك الإسلامية الناشئة في البلاد الإسلامية وخارجها، واعتمد عليها البنك الإسلامي للتنمية في مجال التجارة الخارجية، وصارت هذه الصيغة تمثل النسبة الغالبة من تعامل البنوك الإسلامية. إلا أن كثيرا من البنوك الإسلامية وقعت في كثير من المحاذير وذلك نتيجة الغفلة عن الطبيعة الأساس لهذه المعاملة، مما يتطلب بها العودة إلى جادة الصواب، لتخليصها من سوء الفهم والتطبيق ولتبقى أداة من أدوات الاستثمار المالي المشروعة في الإسلام فلا تقع فيما هو محظور شرعا من الربا أو غيره.
    وقد طرحت حول هذا العقد المستجد العديد من التساؤلات الفقهية والاقتصادية والتطبيقية، ضمن الناحية الفقهية أثيرت تساؤلات حول شرعية هذا العقد ومدى شرعية إلزام المشتري بوعده بالشراء ومن ثم جواز إلزامه بالتعويض في حال تحمل البنك لأية خسائر قد تنتج عن عدم التزام المشتري بوعده. وأثيرت شبهات حول جواز الربط بين المرابحة والأجل، وجواز قبض العربون ومدى حق المشتري فيه إن عدل عن وعده بالشراء. وكذلك فيما يجوز حسابه ضمن الثمن الذي يحتسب الربح على أساسه. وكل هذه التساؤلات لها تأثيرها على الجانب التطبيقي لبيع المرابحة فضلا عن الجانب الفقهي.
وهذا ما سنحاول تفصيله في المباحث اللاحقة إن شاء الله.
    * الألفاظ التي تطلق على المرابحة للآمر بالشراء:
    هناك عدة ألفاظ ومصطلحات وألقاب تطلق على بيع المرابحة للآمر بالشراء، من أهمها:
    1- بيع المرابحة للآمر بالشراء: وهو أول التسميات ظهورا لهذا المصطلح، ويفهم من هذا الاسم أن هناك بيعا بالمرابحة لشخص أمر وطلب الشراء،  كما أنه يفهم من لفظ الآمر الإلزام والالتزام بالبيع والشراء، فإذا أطلق هذا المصطلح حسب ما يظهر من عنوانه فالمراد به عقد المرابحة المستحدث في المصارف الأسلامية.
    2- المرابحة المركبة: والمراد بالعقد المركب، الذي يشتمل على عقدين أو أكثر على سبيل الجمع أو التقابل، حيث تعتبر جميع الحقوق والالتزامات المترتبة عليها جملة واحدة لا تقبل التفريق والتجزئة بمثابة آثار العقد الواحد.
    3- المرابحة للواعد بالشراء: يعبر بعض الباحثين بلفظ الواعد بدل الآمر ليدل الاسم على مرحلتي هذه المعاملة: مرحلة الوعد ومرحلة البيع سواء كان الوعد ملزما أو غير ملزم.
4- بيع المواعدة: وذلك لأن هذه المعاملة في جميع صورها مبنية على الوعد، ملتزما به كان أو غير ملتزم به، ولئلا تختلط على الأذهان مع بيع المرابحة المحرر عند متقدمي الفقهاء في بيوع الأمان.
5- المرابحة المصرفية: أو المراجعة في المصارف الإسلامية أو المرابحة كما تجربها المصارف الإسلامية وتمثل أهم الأدوات الاستثمارية لديها.
6- المواعدة على المرابحة: اقترح بعض الباحثين تسميتها: "المواعدة على المرابحة" لأنها مواعدة أولا ثم بيع بالمرابحة والأكثر شيوعا واستعمالا في هذه المصطلحات: "بيع المرابحة للآمر بالشراء"
- تعريف عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء:
    تعرض بيع المرابحة للآمر بالشراء لكثير من الانتقادات وأثير حوله العديد من الشبهات والكثير من الجدل، كعدم وجود اختلاف بين البنوك الإسلامية والبنوك التجارية الربوية في تطبيقه، وقيل: "إن صيغة المرابحة التي تجربها البنوك الإسلامية لا تختلف في شيء عن الاقراض الربوي من ناحية الدور الاقتصادي وإن اختلفت عنها في الشكل القانوني".
    ولأهمية هذه المعاملة سنتناولها بالبحث، مركزين على ما يعتريها من أخطاء ومخالفات أثناء تطبيقها سواء من قبل المصرف الإسلامي أو من قبل عملائه مع ذكر أهم الصعوبات التي تعترض هذه الصيغة ابتداءً بتعريف هذا العقد مع ذكر أهم ضوابطه.
    أ- تعريف عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء:
    عقود المرابحة للآمر بالشراء إحدى صيغ التوظيف التي تستأثر بجانب هام من الاستثمار الذي تقوم به المصارف الإسلامية ومضمون بيع المرابحة أن يقوم شخص يرغب في شراء سلعة معينة بطلب إلى المصرف الإسلامي، فيشتري المصرف تلك السلعة بعقد منفصل ويتحقق له قبضها وتكون تحت ضمانه، ثم يقوم بعرضها على الآمر بالشراء ليتحقق بذلك الإيجاب والقبول، ويتمم بيعها بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم وبعقد آخر غير العقد الأول وغالبا ما يتم دفع ثمن السلعة من طرف الآمر بالشراء مؤجلا لأجل محدد.
    وتكون هذه العملية مركبة من وعدين، وعد بالشراء من العميل الذي يطلق عليه الآمر بالشراء، ووعد من المصرف بالبيع بطريقة المرابحة، أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على الثمن الأول، بشرط أن يخبر المصرف الإسلامي الآمر بالشراء بثمن السلعة الأصلي، وأن يتحقق التراضي بينهما حول مقدار الربح، وألا يضيف المصرف الإسلامي على رأس المال (أي ثمن السلعة الأصلي) إلا ما قرره الفقهاء في ذلك.
    * بيع المرابحة والبيع بالتقسيط:
    إن طريقة دفع الثمن في عقد البيع من حقوق العقد التي يجري تنفيذها حسب اتفاق أطراف العقد، ولا علاقة لطريقة دفع الثمن بجوهر العملية التعاقدية في بيع المرابحة التي تقوم على أركان وشروط محددة، ومن ثم فإن طريقة دفع الثمن في المرابحة ليست ركنا ولا شرطا لصحة البيع ولم يعتبرها أحد من الآئمة كذلك، إذ لا يعتبر دفع الثمن شرطا في انتقال ملكية المبيع التي تتم بمجرد العقد.
    وقد يدفع الثمن مؤجلا أو مقسطا حسب اتفاق أطراف العقد، وحسب ما تقتضيه مصلحتهما، وهنا قد يعرض بائع السلعة بثمنين لنفس السلعة، بالأقل في حالة النقد أو المعجل وبالزيادة في حالة الدفع الآجل أو القسط، والمشتري لنفس السلعة بالخيار بين هذين الثمنين.
    وإذا كان كذلك فلا بأس أن يكون إيجاب البائع على نحو ما ذكر وأن يكون الخيار للمشتري في قبوله، ومن ثم يعتبر ملتزما بما ألزم به نفسه، ومن هنا فلا بأس أن يكون الثمن المؤجل أزيد من الثمن المعجل، فللأجل قسط من الثمن.
    بشرط هام وهو ألا تتكرر الزيادة بتكرار الأجل وإلا وقع المحظور شرعا وهو الربا.
    ب- أوجه الاتفاق والاختلاف بين المرابحة الفقهية والمرابحة للآمر بالشراء كما تطبقها المصارف الإسلامية:
    إن المرابحة للآمر بالشراء فرع عن المرابحة الفقهية التي تعد الأصل ولا جرم أنهما يشتركان في الأركان والشروط ويختلفان في بعض الأحكام وطرق التطبيق.
    1- أوجه الاتفاق:
   ـ يعتبر العقد الذي يتم بموجبه انتقال ملكية السلعة من البائع إلى المشتري في المرابحتين عقد مرابحة.
    ـ في نوعي المرابحة يشترط المعرفة والعلم بكل ما يتصل بمواصفات السلعة وتكاليفها وطريقة السداد وغير ذلك.
    ـ العلم من قبل البائع والمشتري بثمن السلعة الأصلي والربح الذي يضاف إليه مع مصاريفهما، لأن الجهل بذلك قد يثير الخلافات والنزاع.
    ـ يحقق نوعا المرابحة هدف المشتري في الحصول على سلعة يحتاج إليها وبعقد يتم الاتفاق فيه مع من يوفر له هذه السلعة وهو البائع في المرابحة الفقهية والمصرف في المرابحة للآمر بالشراء.
    2- أوجه الاختلاف:
    إن بيع المرابحة للآمر بالشراء هو من الصيغ والأساليب الجديدة في التعامل، والذي تتعامل به المصارف الإسلامية منذ نشأتها في حين أن المرابحة الفقهية تم التعامل بها قديما وإلى الوقت الحاضر.
    ـ طرفا العقد في المرابحة الفقهية هما البائع والمشتري، على خلاف المرابحة للآمر بالشراء التي تتم بين أكثر من طرفين وهم: بائع السلعة والمصرف ومشتري السلعة أو العميل، وفي هذه الحالة لا يكون المصرف مالكا للسعلة ابتداء كما في المرابحة الفقهية وإنما يعد المصرف بشرائها بناء على طلب العميل ووعده بالشراء.
    ـ لا تتضمن المرابحة البسيطة الوعد، سواء من البائع أو المشتري لأن البائع فيها يكون مالكا للسلعة وبإمكانه تسليمها عند العقد، بينما في المرابحة للآمر بالشراء يقوم المصرف بشراء السلعة بناء على طلب العميل ووعده بشرائها مرابحة منه.
    ـ إن ملكية السلعة في المرابحة الفقهية هي الوسيلة للربح وذلك ببيعها للمشتري، في حين أن طلب المشتري هو السبب الذي يدعو إلى امتلاك السلعة من قبل المصرف في المرابحة للآمر بالشراء فبدون وجود المتعامل –الآمر بالشراء لا يمكن للمصرف أن يقوم بشراء السلعة وقبضها وامتلاكها.
    ـ تزداد درجة المخاطرة في المرابحة الفقهية لأن التاجر يخاطر بشراء السلعة وانتظار من يشتريها، وتتمثل هذه المخاطرة في احتمال عدم بيع السلعة أي عدم توفر المشتري لها أو احتمال بيعها بخسارة أي بأقل من ثمن شرائها، أو احتمال تعرضها للتلف والهلاك، في حين أن البائع (المصرف) في المرابحة للآمر بالشراء لا يتحمل مثل هذه المخاطر، إذ أن مخاطرته تقتصر على الفترة التي تفصل بين امتلاكه للسعلة بشرائها وبيعها للمتعامل الآمر بالشراء، وهي فترة قصيرة جدا لا تكاد تذكر، ومن ثم فإن المخاطرة في هذه تكون منخفضة جدا وترتبط باحتمالات عدم الشراء أو عدم السداد من طرف العميل.
    ـ يكون ثمن المرابحة الفقهية نقدا معجلا وقد يكون مؤجلا في بعض الحالات، في حين أن الثمن في المرابحة للآمر بالشراء يتم في الغالب بأقساط ودفعات مؤجلة.
    - حكم عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء:
    إن الجديد في عقد المرابحة للآمر بالشراء هو تسميته فقط أما حقيقة هذه المعاملة فهي مذكورة في الفقه الإسلامي، والعمدة في تخريج صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء مبنية على ما ذكره الإمام الشافعي في كتابه الأم، يقول رحمه الله: "وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال: أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا وإن شاء تركه، وهكذا إن قال: اشتر لي متاعا ووصفه له أو متاعا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول ويكون هذا فيما أعطي من نفسه بالخيار، وسواء هذا ما وصفت إن كان قال: ابتاعه منك بنقد أو بدين يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول، فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنهما تبايعا قبل أن يملكه البائع، والثاني أنه على مخاطرة إنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا".
    وقد وهل جماعة من الباحثين في موضوع المعاملات المالية المعاصرة فحسبوا أن بيع المرابحة للآمر بالشراء من نوازل العصر وقضاياه المعاصرة، فوقعوا في نوع من الغلط والوهم نتيجة لذلك، والحال أن هذا الفرع الفقهي بصوره مدون عند الفقهاء المتقدمين في مباحث البيوع والحيل، كمحمد بن الحسن الشيباني ومالك في الموطأ والباجي في المنتقى وابن القيم في إعلام الموقعين وغيرهم كثير. وهذه نقول من كلامهم:
    1- من الحنفية: قال محمد بن الحسن الشيباني: "قلت: أرأيت رجلا أمر رجلا أن يشتري دارا بألف درهم وأخبره أنه إن اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها فتبقى في يد المأمور كيف الحيلة في ذلك؟
    قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام ويقبضها ويجيء الآمر ويبدأ ويقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم. فيقول المأمور هي لك بذلك فيكون ذلك للآمر لازما، ويكون استيجابا من المأمور للمشتري، أي ولا يقل المأمور مبتدئا بعتك إياها بألف ومائة لأن خياره يسقط بذلك فيفقد حقه في إعادة البيت إلى بائعه، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار فيدفع عنه الضرر بذلك".
   2- ومن المالكية: قال الإمام مالك في الموطأ في باب بيعتين في بيعة: "أنه بلغه أن رجلا قال لرجل ابتع لي هذه البعير بنقد حتى ابتاعه منك إلى أجل، فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه".
    وهذه المسألة مبسوطة في كتب الفقه المالكي كالمنتقى للباجي والكافي لابن عبد البر وخليل في مختصره وابن رشد الجد في المقدمات.
    يقول ابن رشد رحمه الله: "والعينة على ثلاثة أوجه، جائزة ومكروهة ومحظورة، فالجائزة أن يمر الرجل بالرجل من أهل العينة فيقول له هل عندك سلعة كذا ابتاعها منك؟ فيقول له:لا، فيخبره أنه قد اشترى السلعة التي سأل عنها فيبيعها بما شاء من نقد أو نسيئة والمكروهة أن يقول له: اشتر سلعة كذا وكذا فأنا أربحك فيها وأشتريها منك، من غير أن يراوضه على الربح، والمحظورة أن يراوضه على الربح فيقول له: اشتر سلعة كذا وكذا بعشرة دراهم نقدا، وأن أبتاعها منك باثني عشر نقدا، والثانية أن يقول له: اشترها لي بعشرة نقدا وأنا أشتريتها منك باثني عشر إلى أجل، والثالثة عكسها وهي أن يقول له اشترها لي باثني عشر إلى أجل وأنا أشتريها منك بعشرة نقدا، والرابعة أن يقول له: اشترها لنفسك بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا، والخامسة أن يقول له: اشترها لنفسك بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك باثني عشرة إلى أجل والسادسة عكسها وهي أن يقول له: اشترها لنفسك أو اشتر، ولا يزيد على ذلك باثني عشر إلى أجل، وأنا أبتعاها منك بعشرة نقدا، فأما الأول وهو أن يقول: اشترها لي بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا، فالمأمور أجير على شراء السلعة للآمر بدينارين، لأنه إنما اشتراها له، وقوله: وأنا أشتريها منك لغو لا معنى له، لأن العقدة له بأمره، فإن كان النقد من عند الآمر أو من عند المأمور بغير شرط فذلك جائز، وإن كان النقد من عند المأمور بشرط فهي إجارة فاسدة، لأنه إنما أعطاه الدينارين أن يبتاع له السلعة وينقذ من عنده الثمن عنه فهي إجارة وسلف ويكون للمأمور إجارة مثله، إلا أن تكون إجارة مثله أكثر من الدينارين فلا يزاد عليهما على مذهب ابن القاسم في البيع والسلف، إذا كان السلف من غير البائع وفاتت السلعة أن للبائع الأقل من القيمة بالغة ما بلغت، يلزم أن يكون للآمر ههنا إجارة مثله بالغة ما بلغت وإن كانت أكثر من الدينارين، والأصح ألا تكون له أجرة، لأنا إذا جعلنا له الأجرة كانت ثمنا للسلف فكان تتميما للربا الذي عقدا فيه، وهو قول سعيد بن المسيب، فهي ثلاثة أقوال فيما يكون له من الأجرة، إذا نقد المأمور الثمن بشرط، وهذا إذا عثر على الأمر بحدثانه ورد السلف إلى المأمور قبل أن ينتفع به الآمر، وأما إن لم يعثر على الآمر حتى انتفع الآمر بالسلف قدر ما يرى أنهما كانا قصداه فلا يكون في المسألة إلا قولان، أحدهما: أن للمأمور إجارته بالغة ما بلغت، والثاني: أنه لا شيء له ولو عثر على الآمر قبل الابتياع وقبل أن ينقد المأمور الثمن، لكان النقد من عند الآمر، ولكان فيما يكون للأجير قولان: أحدهما أن له إجارة مثله بالغة ما بلغت، والثاني: أن له الأقل من إجارة مثله أو الدينارين وابن حبيب يرى أن المأمور إذا نقد فقد تقدم الحرام بينهما فتدبر ذلك وأما الثانية وهو أن يقول: اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا، وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فذلك حرام لا يحل ولا يجوز، لأنه رجل ازداد في سلفه، فإن وقع ذلك لزمت السلعة الآمر، لأن الشراء كان له، وإنما أسلفه المأمور ثمنها ليأخذ به منه أكثر منه إلى أجل، فيعطيه العشرة معجلة ويطرح عنه ما أربى ويكون له جعل مثله بالغا ما بلغ في قول، والأقل من جعل مثله أو الدينارين اللذين أربى له بهما في قول، وفي قول سعيد بن المسيب لا أجرة له بحال، لأن ذلك تتميم للربا، كالمسألة المتقدمة، قال في سماع سحنون: وإن لم تفت السلعة فسخ البيع، وهو بعيد، فقيل معنى ذلك إذا علم البائع الأول بعملهما، وأما الثالثة وهي أن يقول له اشترها لي باثني عشر إلى أجل وأنا أبتاعها منك بعشرة نقدا فذلك أيضا حرام لا يجوز. ومكروهه أنه استأجر المأمور على أن يبتاع له السلعة بسلف عشرة دنانير يدفعها إليه ينتفع بها إلى الأجل ثم يردها إليه، فيلزم الآمر السلعة باثني عشر إلى أجل ولا يتعجل المأمور منه العشرة النقد، وإن كان قد دفعها إليه صرفها عليه، ولم تترك عنده إلى الأجل، وكان له جعل مثله بالغا ما بلغ في هذا الوجه باتفاق، وأما الرابعة وهي أن يقول له: اشتر سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا. فاختلف في ذلك قول مالك: فمرة أجازه إذا كانت البيعتان جميعا بالنقد وانتقد، ومرة كرهه للمراوضة التي وقعت بينهما في السلعة قبل أن تصير في ملك المأمور، وأما الخامسة وهي أن يقول اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهذا لا يجوز إلا أنه يختلف فيه إذا وقع، فروى سحنون عن ابن القاسم، وحكاه عن مالك أن الآمر يكره الشراء باثني عشر إلى أجل، لأن المشتري كان ضامنا لها لو تلفت في يده قبل أن يشتريها منه الآمر، ولو أراد أن لا يأخذها بعد اشتراء المأمور كان ذلك له واستحب للمأمور أن يتورع فلا يأخذ من الآمر إلا ما نقد في ثمنها، وقال ابن حبيب يفسخ البيع الثاني إن كانت السلعة قائمة وترد إلى المأمور فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم قبضها الآمر، كما يصنع بالبيع الحرام لأنه كان على مواطأة بيعها قبل وجوبها للمأمور فدخله بيع ما ليس عندك وأما السادسة وهي أن يقول له: اشترها لنفسك باثني عشر إلى أجل وأنا أبتاعها منك بعشرة نقدا، فروى سحنون عن ابن القاسم أيضا أن البيع لا يرد إذا فات ولا يكون على الآمر إلا العشرة، وأحب إليه أن لو أردفه الخمسة الباقية، لأن العقدة الأولى كانت للمأمور ولو شاء المشتري لم يشتر، وقال ابن حبيب يفسخ البيع الثاني على كل حال، كما يصنع بالبيع الحرام، للمواطأة التي كانت للبيع قبل وجوبها للمأمور فإن فاتت ردت إلى قيمتها يوم قبضها الثاني وهو ظاهر رواية سحنون أن البيع الثاني يفسخ ما لم تفت السلعة.
    وقال الباجي: "ولا يمتنع أن يوصف بذلك من وجهة أنه لزم مبتاعه بأجل بأكثر من الثمن فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمن بيعتين إحداهما الأولى وهي بالنقد والثانية المؤجلة وفيها مع ذلك بيع ما ليس عنده، لأن المبتاع بالنقد قد باع من المبتاع بالأجل البعير قبل أن يملكه وفيها سلف وزيادة، لأنه يبتاع له البعير بعشرة على أن يبيعه منه بعشرين إلى أجل يتضمن ذلك أنه سلفه عشرة في عشرين إلى أجل، وهذه كلها معان تمنع جواز البيع والعينة فيها من سائرها..."
    وقال الدردير: "بيع من طلبت منه سلعة للشراء وليست عنده لطالبها بعد شرائها جائزة، إلا أن يقول الطالب اشترها بعشرة نقدا  وأنا آخذها منك باثني عشر إلى أجل، فيمنعه ما فيه من تهمة سلف جر نفعا، لأنه كأنه سلفه ثمن السلعة يأخذ عنها بعد الأجل اثني عشر".
    وقال ابن القيم: "رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد. فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر ثم يقول للآمر اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار فإن لم يشترها الآمر إلا بالخيار فالحيلة أن يشترط له خيار أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه.
    ومن هذه النقول يتبين أن بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي تطبقه المصارف الإسلامية ليس أمرا جديدا، كما تبين هذه النصوص أن السلعة التي يطلب الآمر شرائها قد تكون معينة وقد تكون موصوفة وقد لا تكون معينة ولا موصوفة كما في عبارة الإمام الشافعي "أو متاعا أي متاع شئت"، كما تبين أن الآمر بالشراء قد يشتري السلعة بنقد وقد يشتريها إلى أجل وفي الحالتين يكون الشراء بربح محدد، وهذه هي صورة المرابحة للآمر بالشراء.
     * مناقشة وترجيح:
    يظهر من هذه النقول أن حكم هذه المعاملة عند الآئمة رحمهم الله هو الجواز إذا لم تكن ملزمة للطرفين وعدم الجواز إذا كانت ملزمة لهما. وهذا واضح في عبارة الإمام الشافعي "وإن تبايعا على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ" وواضح أيضا من عبارة الباجي: "ولا يمتنع أن يوصف بذلك من وجهة أنه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من الثمن" أما الإمام محمد بن الحسن الشيباني فاستعمل خيار الشرط في هذا البيع وهذا يدل على أنه يرى أن إلزام الآمر بالشراء أمر غير جائز لأنه لو كان جائزا لم تكن هناك حاجة إلى الحيلة.
    وما تقدم نقله من كلام ابن رشد المالكي، في صورة هذا البيع التي تنبني على التواعد بين الطرفين غير الملزم مع عدم ذكر مسبق لمقدار الربح وتراوض عليه فحكمها الجواز عند الحنفية والمالكية والشافعية وذلك لأنه ليس في هذه الصورة التزام بإتمام الوعد بالعقد أو بالتعويض عن التلف وهلاك السلعة، فلو عدل أحد الطرفين عن رغبته في إتمام العقد فلا إلزام عليه ولا يترتب عليه أي أثر، فهذه الدرجة من المخاطرة هي التي جعلت هذا البيع جائزا.
    والتعليل الذي يستنبط من أقوال هؤلاء الآئمة رحمهم الله بعدم جواز الإلزام وهو:
    1- أن البيع مع الإلزام قد يقع قبل أن يملك البائع السلعة كما قرر الإمام الشافعي    والباجي.
    2- أن الإلزام يجعل هذه المعاملة تدخل ضمن البيعتين في بيعة المنهي عنها.
    3- أن الإلزام يجعل في المعاملة مخاطرة كما يقول الإمام الشافعي فإنك إن اشتريته بكذا أربحك فيه كذا".
    4- أن المواعدة والالتزام بالوفاء بها، قبل حيازة البائع للسلعة واستقرارها في ملكه مع ذكر الربح مسبقا واشتراط أنها إن هلكت فهي من ضمان أحدهما بالتعيين فحكمها البطلان لأنها كالقرض بفائدة.
    5- أن في هذه المعاملة سلف وزيادة كما في عبارة الباجي، يقول الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير: "وهذه كلها معان تمنع جواز البيع والأظهر منها عندي هو أن الإلزام بالوعد يجعل هذه المعاملة من قبيل بيع الإنسان ما لا يملك، ويفهم من أقوال الأئمة أن المعاملة تجوز إذا جعل للطرفين الخيار، أو جعل لأحدهما الخيار، وقد صرح الإمام الشافعي بذلك، بل إن الإمام الشافعي جعل الخيار للمشتري من غير شرط، وحكم بأن اشتراط الإلزام مفسد لعقد البيع بين الآمر والمأمور".
    - الفتاوى الجماعية الصادرة في موضوع بيع المراحة للآمر بالشراء:
    - الفتوى رقم: من الفتاوى الجماعية المبكرة في هذا الموضوع ما صدر عن المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي، بعد أربع سنوات من ظهور أول بنك إسلامي ونص الفتوى: "الوعد بالشراء مرابحة: يطلب العميل من المصرف شراء سلعة معينة يحدد جميع أوصافها ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به العميل بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما، وهذا التعامل يتضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقا لذات الشروط ومثل هذا الوعد ملزم للطرفين طبقا لأحكام المذهب المالكي وملزم ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه. وتحتاج صيغ العقود في هذا التعامل إلى دقة شرعية فنية وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى إصدار قانون بذلك".
    - الفتوى رقم 2: وبعد أربع سنوات، عقد المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، بعد إعداد جيد وكتابة قدر كاف من الأبحاث ودعوة عدد كبير من فقهاء العصر والباحثين في موضوع الاقتصاد الإسلامي، وقد كان لبيع المرابحة النصيب الأوفى من البحث والمناقشة.
    وأصدر المؤتمر بخصوص بيع المرابحة فتوى صدر الجزء الأول منها بالإجماع والجزء الثاني اشتد حوله الخلاف، ولم يتمكن المؤتمرون من الجمع بين الآراء المتعارضة.
    الجزء الأول من الفتوى: "يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة للآمر وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق، هو أمر جائز شرعا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم تبعية الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي".
    الجزء الثاني من الفتوى: "وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزما للآمر أو للمصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعا، وكل مصرف مخير في أخذ ما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية".
    ولعل المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي الصادر عن الفتوى رقم 1 لم يأخذ حظه من الإعداد الكافي، والفتوى ينقصها الدقة فبيع المرابحة كما تجربه المصارف الإسلامية اتفق حوله الفقهاء المعاصرون، وظلت مسألة الإلزام بالوعد محل خلاف ونزاع يصعب حسمه. ومع هذا فالمؤتمر هو خطوة أسهمت في طرح الموضوع للنقاش من جوانبه المختلفة ومهدت لعقد مؤتمرات أخرى نضج من خلالها الموضوع.
    وأما ما يتعلق بالفتوى الثانية فإن جزءها الأول صدر بإجماع المشاركين، وأما ما يتعلق بمسألة الإلزام بالوعد التي تناولها الجزء الثاني من الفتوى فهي محل خلاف بين الفقهاء إلى يومنا هذا.
    وتتابعت المؤتمرات تناقش موضوع بيع المرابحة للآمر بالشراء، تصدر الفتاوى والقرارات ولعل أهمها وآخرها قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس ونص القرار:
    "أولا: إن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعا هو بيع جائز طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
    ثانيا: الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزما للواعد ديانة إلا لعذر وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
    ثالثا: المواعدة وهي التي تصدر من الطرفين تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما فإذا لم يكن هناك خيار، فإنها لا تجوز لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده.
ويوصي المؤتمر في ضوء ملاحظاته أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء، يوصي بما يلي: أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية في شتى أساليب تنمية الاقتصاد ولاسيما إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة أو المضاربة مع أطراف أخرى.
    ثانيا: أن تدرس الحالات العملية لتطبيق المرابحة للآمر بالشراء لدى المصارف الإسلامية لوضع أصول تعضم من وقوع الخلل في التطبيق وتعين على مراعاة الأحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للآمر بالشراء".
الفتاوى الفردية الصادرة في جواز بيع المرابحة للآمر بالشراء
    1- فتوى الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله.
    السؤال: إذا رغب عميل البنك الإسلامي شراء بضاعة ما تكلفتها ألف ريال سعودي وأراها البنك الإسلامي أو وصفها له ووعده بشرائها منه مرابحة بالأجل لمدة سنة بربح قدره مائة ريال سعودي لتكون القيمة الكلية ألف ومائة ريال سعودي وذلك بعد أن يشتريها البنك من مالكها بدون إلزام العميل بتنفيذ وعده المذكور أو المكتوب، فما رأيكم في هذه المعاملة، وجزاكم الله خيرا.
    أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز بما يلي:
    "إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال فلا حرج في المعاملة المذكورة إذا استقر المبيع في ملك البنك الإسلامي وحازه إليه من ملك بائعه، لعموم الأدلة الشرعية. وفق الله الجميع لما يرضيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
    2- فتوى مستشار بيت التمويل الكويتي، الشيخ بدر المتولي عبد الباسط.
    تقدم الأستاذ أحمد بزيع الياسين رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي بسؤال إلى فضيلة الشيخ بدر المتولي عبد الباسط قال فيه: "نرجو إفتاءنا في مدى جواز قيامنا بشراء السلع والبضائع نقدا بتكليف من الآخرين، وبيعها لهم بالآجل، وبأسعار أعلى من أسعارها النقدية، ومثال ذلك أن يرغب أحد الأشخاص في شراء سلعة أو بضاعة معينة لكنه لا يستطيع دفع ثمنها نقدا فيطلب منا شراءها له، ودفع ثمنها نقدا ثم بيعها عليه بالآجل مقابل ربح معين متفق عليه مسبقا.
    أجاب فضيلة الشيخ بقوله:
    "إن ما صدر من طالب الشراء يعتبر وعدا.. ونظرا لأن الأئمة اختلفوا في هذا الوعد أهو ملزم أم لا، فإني أميل إلى الأخذ برأي ابن شبرمة رضي الله عنه الذي يقول: إن كل وعد بالتزام لا يحل حراما ولا يحرم حلال يكون وعدا ملزما قضاء وديانة وهذا ما تشهد له ظواهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية. والأخذ بهذا المذهب أيسر على الناس، والعمل به يضبط المعاملات ولهذا ليس هناك مانع من تنفيذ مثل هذا الشرط والله ولي التوفيق".
    - التطبيق العملي لبيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامبة:
    - الصيغة المصرفية لعقد بيع المرابحة للآمر بالشراء.
    صور بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تتعامل به المصارف الإسلامية هي:
    الصورة الأولى: أساسها التواعد غير الملزم بين الطرفين مع عدم ذكر مسبق لمقدار الربح، وصورتها أن يرغب العميل شراء سلعة بعينها فيذهب إلى المصرف ويقول اشتروا هذه البضاعة لأنفسكم ولي رغبة بشرائها بثمن مؤجل أو معجل بربح وسأربحكم فيها.
    الصورة الثانية: وأساسها التواعد غير الملزم بين الطرفين، مع ذكر مقدار ما سيبذله من ربح. وصورتها أن يرغب العميل شراء سلعة معينة ذاتها أو جنسها، فيذهب إلى المصرف ويقول اشتروا هذه السلعة لأنفسكم ولي رغبة في شرائها بثمن مؤجل أو معجل وسأربحكم زيادة على رأس المال: ألف ريال مثلا.
    الصورة الثالثة: وأساسها المواعدة الملزمة بالاتفاق بين الطرفين مع ذكر مقدار الربح، وصورتها أن يرغب العميل شراء سلعة معينة ذاتها أو جنسها، المنضبطة عينها بالوصف فيذهب إلى المصرف ويتفقان على أن يقوم المصرف ملتزما بشراء البضاعة من عقار أو آلات أو نحو ذلك، ويلتزم العميل بشرائها من المصرف بعد ذلك ويلتزم المصرف ببيعها للعميل بثمن اتفقا عليه مقدارا أو أجلا أو ربحا.
وصور المرابحة التي تروج اليوم في المصارف الإسلامية إنما تجور بشروطها إذا توفر فيها عنصران:
    1- أن يوضح البنك في استثماراته الخاصة صفات البضائع التي يقوم البنك ببيعها من نوعها وجنسها وما إلى ذلك من الصفات التي لابد من ذكرها لكي لا يبقى في العقد الإبهام والجهالة التي تؤدي إلى النزاع بين المتعاقدين، إضافة إلى ذكر مقدار النفع الحاصل للبنك على هذا العقد وتحديد مدة الأداء ومقدار الأقساط.
    2- لا يصح عقد يختلف فيه مبلغ الثمن معجلا ومؤجلا وعلى قلة مدة العقد وكثرتها بل الواجب على البنك أن يقدم نموذجا من البضائع ثم يحدد آداء الثمن في مدة معينة في أقساط معينة مع إيضاح ربح البنك.
    ويؤكد هذا ما جاء في فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي ونصها: "من المقرر فقها في بيع المرابحة أن يكون الثمن الأصلي للسلعة معلوما لمن يشتري بطريق المرابحة وأن تكون جميع التكاليف التي تحملها المشتري الأصلي في الحصول على السلعة معلومة لمن يشتري بطريق المرابحة ولذلك يعبر الفقهاء عن بيع المرابحة بأنه بيع السلعة بما قامت به مع زيادة ربح يتفق عليه وبذلك فإنه لابد من توضيح كل ذلك بجميع أوراق المرابحة المودعة بملف كل عقد من عقودها".
وهذه الإجراءات يجب أن تمر عبر مراحل وخطوات منظمة هي:
    *المرحلة الأولى: وفيها يطلب الآمر بالشراء من المأمور (المصرف) أن يشتري سلعة مسماة أو موصوفة: "يكلف العميل البنك في بيع المرابحة بالقيام بشراء سلعة يحدد مواصفاتها على أن يشتريها العميل بعد ذلك بنفس ثمن الشراء الأول مضافا إليه نسبة من الربح متفق عليها".
    *المرحلة الثانية: وتسمى مرحلة الوعد بالشراء، حيث يعد الآمر بالشراء أنه متى اشترى المأمور السلعة فإنه (أي الآمر) سيقوم بشرائها منه وسيربحه فيها. والوعد هو الذي يصدر من الآمر بالشراء أولا، ويكون ملزما للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد وإما بتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
    *المرحلة الثالثة: إذا قبل المأمور طلب الآمر بالشراء فعليه أولا أن يقوم بشراء السلعة المطلوبة شراء صحيحا تؤول بموجبه ملكية السلعة إليه، ولا تتم هذه المرحلة إلا بعد أن يتم تنظيم عقد بين البنك وبين الراغب في الشراء.
    وقد قيد الفقهاء هذا الدور الأساسي للمصرف في عملية المرابحة وبضوابط هي:
    أ- ضرورة التزام المصارف في تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء بالضوابط التي تظهر دور المصرف في العملية وتستبعد إلقاء جميع أعبائها على الآمر بالشراء ومن هذه الضوابط.
    1- تولي المصرف شراء السلع بنفسه أو بوكيل عنه غير الآمر بالشراء.
    2- دفع ثمن الشراء منه مباشرة إلى البائع دون توسط الآمر بالشراء.
    3- تسلم المصرف السلعة بحيث تدخل في ضمانه.
    4- إرفاق المستندات المثبتة لعملية شراء المصرف السلعة وتسلمه إياها.
    ب- لمراعاة هذه الضوابط وأمثالها لابد من الاهتمام بمن يناط بهم تطبيق بيع المرابحة وغيره، لذا تؤكد لجنة مجمع الفقه الإسلامي بجدة على ضرورة اهتمام البنوك الإسلامية بتأهيل القيادات والعاملين فيها بالخبرات الوظيفية الواعية لطبيعة العمل المصرفي الإسلامي وتوفير البرامج التدريبية المناسبة بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب وسائر الجهات المعينة بالتدريب المصرفي الإسلامي.
    المرحلة الرابعة: بعد أن يمتلك المصرف السلعة يجب أن يعرضها مجددا على الآمر بالشراء وفقا لشروط الاتفاق الأول.
    المرحلة الخامسة: بعد عرض السلعة على الآمر يكون له الخيار في أن يعقد عليها البيع حسب الاتفاق الأول أو أن يعدل عن شرائها عند من لم يقل بالإلزام في المواعدة.
وذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى إلزام الآمر بالشراء بوعده قضاء ولا تتاح له فرصة الخيار، وهذا ما تؤكده فتوى بيت التمويل الكويتي ونصها: "إن ما صدر من طالب الشراء يعتبر وعدا ونظرا لأن الأئمة اختلفوا في هذا الوعد هل هو ملزم أم لا فإننا نميل إلى الأخذ برأي ابن شبرمة رضي الله عنه الذي يقول: إن كل وعد بالتزام لا يحل حراما ولا يحرم حلال يكون وعدا ملزما قضاء وديانة. وهذا ما تشهد له ظواهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والأخذ بهذا المذهب أيسر على الناس والعمل به يضبط المعاملات، لهذا ليس هناك مانع من تنفيذ هذا الشرط".
    المرحلة السادسة: إذا اختار الآمر إمضاء البيع، فعندئذ ينعقد البيع على سلعة مملوكة للمأمور يقوم بتسديد قيمتها في موعد مؤجل. ويجوز للطرفين (العميل والمصرف) تعديل جميع شروط التعامل المطبقة، كتغيير النسب في العقود مثلا على أن يتساوى الطرفان في العلم بذلك حسما للنزاع.
    هذه بعض أحكام المرابحة للآمر بالشراء مرتبة حسب مراحلها، والتي سنحاول بيانها بتفصيل في مبحث أحكام المرابحة للآمر بالشراء.
    - الجوانب الشرعية والتطبيقية لبيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية:
    درجت بعض المصارف الإسلامية على تطبيق بعض الجوانب الشرعية في المرابحة للآمر بالشراء حتى أصبحت من لوازمها، مع أن هذه الجوانب ليست لازمة في أصل هذه المعاملة، ومنها:
    أ- أخذ العربون من الواعد:
    والعربون صورتان: أن يكون جزءا مقدما من الثمن في حال تمام البيع على كل حال، ثم إما أن يعاد لدافعه إن لم تتم الصفقة، أو أن لا يعاد بل يؤخذ في حال العدول من دافعه عن إتمام الصفقة. وما دام حكم العربون فيه خلاف وقد قام الدليل على جوازه، فوجوده في بيع المرابحة لا يختلف في الحكم عن وجوده في البيوع الأخرى لكن بعض من تكلم في مسألة لزوم الوعد ربط بين العربون وبين هذا اللزوم الذي يستحسن عدم وجوده، مع أن العربون ليس فيه مزيد إلزام في لزوم الوعد في ذاته بل هو في معنى التعويض عما لحق بالطرق الآخر من ضرر وليس عملا على إبرام العقد، فإبرام العقد شيء والتعويض عن ترك التعاقد بذلك المال شيء آخر.
    وظهرت صورة يدفع فيها الواعد عربونا ثم إذا أخل بالتعاقد لا يرد إليه، إلا إذا هيأ بمعرفته مشتريا آخر بحيث لا يقع الضرر وقد يدفع الواعد قبل دخوله في المواعدة عربونا للمصدر، ثم يأتي للمصرف الذي يبدي رغبته في شراء السلعة موضوع المرابحة فيفرج المصدر عن عربون الواعد، ثم يشتري المصرف السلعة ويبيعها مرابحة للعميل الواعد.
ب- تخفيض الثمن بالسداد المبكر وطريقة احتساب الثمن في بيع المرابحة:
    من المقرر فقها في بيع المرابحة أن يكون الثمن الأصلي للسلعة معلوما لمن يشتري بطريق المرابحة، وأن تكون جميع التكاليف التي تحملها المشتري الأصلي في الحصول على السلعة معلومة كذلك لمن يشتري بطريق المرابحة، ويقضي هذا الاتفاق أن أي تغيير في العقود التي تعقد في المستقبل يجب أن يوافق عليها الآمر بالشراء، أما إذا تم تعديل العقود وتغيير ما تم التراضي عنه بإرادة المصرف فقط فهذا لا يجوز شرعا، لأنه بفقد العقد عنصر التراضي وهو شرط صحته والأصل في بيع المرابحة مراعاة الأمانة، لذا فإن أي زيادة على السعر الأصلي لابد أن يعلم بها المشتري، وإن كان الاتفاق أن تكون الزيادة على السعر الأصلي والمصاريف، فللمصرف أن يضيف المصاريف التي تعارف التجار على إضافتها، كمصاريف التخزين والحمل وغير ذلك، ولا يقول اشتريتها بكذا ولكن يقول وقفت على البنك بكذا وقد قرر الفقهاء أن يدخل التأمين في التكلفة على ألا يخضع التأمين لنسبة الربح في المرابحة، بل يضاف مقداره على رأس المال فقط لأنه ليس محلا للبيع كالسلعة، بل عبء مقرر عليها، فيضاف برقمه الصافي دون نسبة ربح عليه.
    والمتعارف عليه بين المصارف الإسلامية أن تضاف إلى ثمن البضاعة المبيعة بالمرابحة المصاريف المنضبطة التي جرى بها العرف، وتزيد في قيمة البضاعة وتتصل بها مباشرة. أما أجور الموظفين والمراجعين فلا تضاف لأنها من تمام عملية الشراء التي بها يستحق الربح الأصلي.
    أما بالنسبة للمخلصين في الجمارك فإن كانوا من خارج موظفي المصرف، فإن ما يدفع إليهم يضاف إلى الثمن، وإذا كانوا من موظفي المصرف فيضاف فقط ما يدفع عادة على تخليص السيارة الناقلة للسلعة ذاتها ولا يضاف أجر الموظف المخلص على أنه يمكن تغطية المصاريف التي لا تضاف شرعا إلى الثمن عن طريق ثمن الربح ونسبته. وهذا ما نصت عليه الفتوى رقم 477 الصادرة عن بيت التمويل الكويتي: "سؤال: عملية مرابحة دفعت عليها رسوم أرضية بضاعة استوردت من إيطاليا ووصلت إلى ميناء الكويت. ولكن المستندات تأخرت مما ترتب على ذلك دفع رسوم الأرضية، أي رسوم التخزين في الجمارك وسبب التأخير هو البنك الخارجي والبريد. والواعد بالشراء يرفض تحمل ذلك الفتوى: بتحمل بيت التمويل رسوم الأرضية التي وجبت قبل العقد بينه وبين الواعد وقبل تمكين الواعد من تسلم البضاعة حتى لو كان العلم بها متأخرا بعد العقد والتمكين، وهذه الرسوم التي يدفعها بيت التمويل لا يصح إلحاقها بالثمن، أما ما يجب من رسوم أرضية بعد العقد والتمكين للواعد في تسلم البضاعة فيتحملها المشتري".
    - الحط من ثمن المرابحة عند السداد المبكر:
    بيع المرابحة يشتمل على البيع بالأجل، والأجل في البيع له حصته من الثمن، ومما لا خلاف فيه أنه لا يمكن شرعا أن يزاد الثمن إذا زاد الأجل كما لا يمكن أن ينقص إذا نقص الأجل وهي صور الربا في الجاهلية يطلق على الأولى: زدني أنظرك، وعلى الثانية: ضع وتعجل
    وفي المرابحة للآمر بالشراء من يشتري بالأجل لمدة ما ثم يقوم  بالسداد قبل مضيها يشعر أنه قد غبن لأنه اشترى حالا بسعر الآجل. وهذا ما دفع المصرف الإسلامي بباكستان إلى إصدار تعليماته للمصارف بشأن التزام تخفيض الثمن في حالة السداد المبكر.
    واختلف فقهاء الرعيل الأول في هذه المسألة، فذهب الشافعية والمالكية إلى عدم جواز ذلك مطلقا لأنه ربا، وقال الحنفية والحنابلة أنه لا يجوز إلا في دين الكتابة لأن الربا لا يجري بين المكاتب ومولاه في ذلك. واختار ابن تيمية وابن القيم رواية لأحمد ابن حنبل وهو قول ابن عباس والنخعي ورجحه الشوكاني وهو جواز ذلك وحجتهم في ذلك أنه ضد الربا صورة ومعنى لأن الربا يتضمن الزيادة في الأجل والدين وذلك إضرار محض بالغريم وهذا الصلج يتضمن براءة الذمة من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بالآخر بخلاف الربا فإن ضرره لاحق بالمدين ونفعه مختص برب الدين.
    وجاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي: "الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء كانت بطلب الدائن أو المدين ضع وتعجل جائزة شرعا لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية، فإذا دخل بينهم طرف ثالث لم تجز لأنها حينئذ تأخذ حكم حسم الأوراق التجارية".
    ويبين هذا القرار أن الفقهاء قيدوا جواز خصم المصرف من ثمن المرابحة إذا قام العميل بالسداد قبل الأجل على أساس ألا يشترط العميل الحط وإنما يكون بإرادة منفردة من الدائن (المصرف) إن شاء، أي دون شرط ملفوظ أو ملحوظ.
    ويعلق الدكتور عبد الستار أبو غدة على هذه المسألة قائلا: "ولا يخفى ما في ذلك من خلل شرعا، بالرغم من وقوع الخلاف في قاعدة "ضع وتعجل" فإن ما استقر عليه الفقه منع الحط من الثمن المؤجل إذا تم تعجيله ما دام ذلك الحط بشرط ملفوظ أو عرف ملحوظ".
    - وصدر عن المصرف الإسلامي الدولي في مصر فتوى تفصل هذا الموضوع ونصها:
    سؤال: هل يجوز شرعا منح المتعاملين مع المصرف بعض الجوائز في حالة قيامهم بسداد أقساط المرابحة قبل أجل الوفاء بمالا يؤثر على ربح المصرف من العملية ككل؟
    الجواب:
    أولا: إن جائزة السداد المبكر هذه عبارة عن التنازل عن جزء من الدين في مقابل الوفاء به قبل حلول أجله وهي المعروفة في كتب الفقه الإسلامي بقاعدة ضع وتعجل أي ضع جزءا من الدين وتعجل الوفاء به قبل أجله.
    ثانيا: لا خلاف بين المجتهدين في جواز الوفاء بالدين قبل حلول أجله برضا الدائن والمدين وفي جواز تنازل الدائن عن جزء من الدين لمن قام بسداد الدين قبل حلول أجله دون شرط، لأن ذلك ليس ربا ولا يتضمن شبهة الربا، جاء في مجلة الأحكام الشرعية مادة 753: ويجوز أن يقضي المقترض خيرا مما أخذ أو دونه برضاهما ولو بزيادة أو نقص في القدر أو الصفة من غير شرط ولا مواطأة.
    ثالثا: أما الاتفاق بين الدائن والمدين بدين مؤجل على أن يقوم المدين بسداد الدين قبل أجله على أن يسقط الدائن جزءا من هذا الدين وهو المعبر عنه بضع وتعجل،  والمسمى بجائزة السداد المعجل، وفي خطابكم فهو من المسائل التي اختلف فيها المجتهدون، جاء في بداية المجتهد لابن رشد: الثاني ضع وتعجل وأجازه ابن عباس من الصحابة ونفر من فقهاء الأمصار ومنعه جماعة منهم ابن عمر من الصحابة ومالك وأبو حنيفة والثوري وجماعة من فقهاء الأمصار، واختلف قول الشافعي في ذلك، وأجاز مالك وجمهور من ينكر ضع وتعجل أن يتعجل الرجل في دينه المؤجل عرضا يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه، وعمدة من لم يجز ضع وتعجل أنه شبيه بالزيادة مع النظرة المجمع على تحريمها ووجه شبهه بها أنه جعل للزمان مقدارا من الثمن بدلا منه في الموضعين جميعا، وذلك أنه هنالك لما زاد له في الزمان زاد له عرضه ثمنا وهنا لما حط حط عنه الزمان حط عنه في مقابله ثمنا، وعمدة من أجاز ما روي عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا يا نبي الله: إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضعوا وتعجلوا" فبسبب الخلاف معارضة قياس الشبه لهذا الحديث وجاء في المغني لابن قدامة: إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته، لم يجز وكرهه زيد بن ثابت وبن عمرو المقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والشافعي ومالك والثوري وإسحاق وأبو حنيفة، وقال المقداد لرجلين فعلا ذلك: كلاهما قد أذن بحرب من الله ورسوله، وروي عن ابن عباس أنه لم يربه بأسا وروي عن النخعي وأبي ثور لأنه أخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالا، وقال الخرقي، لا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته ولنا أنه بيع الحلول فلم يجز كما لو زاده الذي له الدين فقال له: أعطيك عشرة دراهم وتعجل لي المائة التي عليك، والذي أراه هو:
   أولا: أنه لا مانع في أن يقوم قطاع الاستثمار في إجراء خصم معين لمن يقوم بالسداد قبل حلول الدين دون اتفاق مسبق مع العميل.
    ثانيا: أنه لا مانع من أن يقوم القطاع باقتراح سياسة عامة تطبق في كل حالات السداد المبكر، دون اتفاق مع العملاء على ذلك، ولا مانع أن يعلم العملاء بهذه السياسة مسبقا دون أن يكونوا طرفا في وضعها أو يطلب منهم الموافقة عليها.
    ثالثا: على أنه في الحالات الخاصة التي تقتضي المصلحة فيها حصول المصرف على ديونه قبل موعدها من بعض العملاء الذين يرفضون ذلك دون خصم معقول يجوز الاتفاق فيها مع العميل على هذه الجائزة بصفة فردية وذلك عملا برأي ابن عباس والنخعي وأبي ثور، وإن كان الجمهور على خلاف هذا الرأس لأن المسألة محل اجتهاد".
    ج- أخذ الضمان من الواعد:
    الأصل في الضمان أن يؤخذ في الحق الذي وجب أو انعقد بسبب وجوبه، وقد أجاز بعض الفقهاء ومنهم الحنفية والحنابلة أن يطلب الضمان لحق سيجب فيما بعد وسموه "ضمان الدرك".
    وسماه بعض الفقهاء "ضمان السوق" لأنه يحصل لتمكين غريب يريد العمل في السوق فيكفله تاجر معروف تجاه كل ما سيترتب بذمته وبذلك يعمل في السوق.
    وإذا أجرى المصرف الإسلامي مرابحة عن طريق استيراد ما يحتاجه العميل  من خلال البيانات التي يقدمها العميل عن البضاعة وعن المصدر، وقد يكون في ذلك بعض التوريط للمصرف إذا تعامل مع مصدر لا يعلم جديته في التعامل وأمانته فيه، وقد يدفع له الثمن أو جزءا منه، من خلال فتح الاعتماد ثم لا يفي بما التزم تجاه المصرف وحينئذ يحتاج الأمر إلى جهد كبير لاستخلاص المصرف حقه ومع هذا الجهد فقد لا يتمكن منه، وهذا ما دفع بعض المصارف إلى أن تطلب من الواعد قيامه بكفالة المصدر وهي معاملة مستقلة عن المرابحة.
    د- المرابحات الخارجية والاعتمادات المستندية:
    اختلف الفقهاء المعاصرون حول مسألة الإلزام بالوعد في المرابحات الداخلية التي تتم بين البنك وعميله داخل وطنهما، أما في معاملات البنوك الإسلامية مع وكلائها ومراسيلها في الخارج، فقد اتفق الفقهاء على أن الوعد ملزم في هذه الحالة دون خلاف يذكر. والصيغة المستعملة لدى كل المصارف الإسلامية في هذه الحالة هي نموذج الاعتمادات المستندية المقررة من قبل غرفة التجارة الدولية.
    وتفصيل المسألة كما يلي: أنه عندما يرغب أحد في استيراد سلعة عن طريق الاقتراض من بنك ربوي فإنه يتفق مع البنك على القرض وفائدته أي الربا الذي يلتزم به تبعا للزمن المتفق عليه، ويقوم البنك بفتح اعتماد مستندي للمقترض ويستورد السلعة لحسابه أي أنها تكون ملكا للمقترض، غير أن المستندات تأتي للبنك ويسملها للعميل بعد اتخاذ ما يراه من إجراءات ويمكن أن تظل البضاعة رهنا إلى أن تتم هذه الإجراءات، والبنك في هذه الحالة يتعامل في مستندات تطابق شروط فتح الاعتماد والتزامه يقف عند هذه المستندات ولا يتعداها إلى السلع ذاتها.
    وعندما قامت المصارف الإسلامية رأت أن البديل الإسلامي أن تقوم باستيراد السلعة لحسابها ثم بيعها بالأجل عن طريق المرابحة. والمصرف الإسلامي لا يقوم بالبيع في هذه الحالة إلا بعد التملك والحيازة، كما تقع عليه تبعة الهلاك قبل التسليم والرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي بعد التسليم.
    ويتم تنفيذ عمليات المرابحة الخارجية بواسطة البنوك التقليدية المراسلة التي عقدت معها البنوك الإسلامية ترتيبات في هذا الخصوص في صورة اتفاقيات عامة تحدد إطار التعامل وطريقة تنفيذ عملية المرابحة والوثائق المطلوبة للتأكد من أن عملية الشراء والبيع حقيقية وليست مجرد ستار لمعاملة ربوية.
    - وقد تقع بعض المصارف الإسلامية في تجاوزات محظورة شرعا أثناء تنفيذها للمرابحات الخارجية منها:
    1- أن بعض المصارف تفتح الاعتماد المستندي باسم العميل والأصل أن المصرف يجب أن يفتح الاعتماد المستندي باسمه لأنه هو الذي يستورد ثم بعد أن يملك ويحوز السلعة يبيعها للعميل، وإذا صدرت المستندات باسم العميل هذا يعني أن السلعة لم تدخل    في ملك المصرف.
    2- بيع المرابحة عن طريق تظهير مستندات الشحن وهذا يعني أنه لا حيازة ولا ضمان ولا تسلم ولا تسليم ولا رؤية للسلع، ويكون الشراء عن طريق التظهير ثم يتم بيع المرابحة عن طريق التظهير مرة أخرى، وهذه أكبر التجاوزات التي تحصل في المرابحات الخارجية.
    وقد وضع الفقهاء لتجنب هذه المخالفات الشرعية مجموعة من الضوابط الشرعية لبيع المرابحة للآمر بالشراء بواسطة الاعتماد المستندي:
    1- يتم فتح الاعتماد باسم البنك لا باسم الآمر بالشراء.
    2- أن يقوم البنك بشراء السلعة من البائع (المصدر) باسمه ولحسابه هو لا باسم العميل (الآمر بالشراء) أو لحسابه.
    3- أن يتحمل البنك تبعة الهلاك قبل التسليم والرد بالعيب الخفي.
    4- بعد تملك المصرف السلعة وتسلمه لها ودخولها في ضمانه يقوم بإبرام عقد بيع مرابحة مع الآمر بالشراء وفق الشروط المتفق عليها في طلب الشراء.
    - الوعد ومدى قوة إلزامه في المرابحة للآمر بالشراء
    حين كثر تعامل البنوك الإسلامية بصيغة المرابحة للآمر بالشراء أثيرت حولها بعض التساؤلات مثل: هل يبيع المصرف الإسلامي البضاعة لعميله قبل أن يتملكها فيكون قد باع ما لا يملك وهو محرم شرعا؟ فقيل إن البنك يرتبط مع عميله بوعد بالبيع والشراء، وحين يتسلم البضاعة يقوم ببيعها للعميل تنفيذا للوعد. وهنا طرح سؤال آخر: ماذا لو رفض العميل تنفيذ وعده؟ ماذا يكون مصير البضاعة والمصرف الإسلامي ليس مؤهلا للتجارة في كل أصناف السلع؟ فقيل إن الوعد ملزم على رأي ابن شبرمة من المذهب المالكي.
    إذا دخل الموعود له في تكلفه بسبب الوعد، ورد آخرون بأن الرأي الغالب هو أن الوعد ملزم ديانة لا قضاء.
    واستند الخلاف حول هذه المسألة الفقهية حتى احتلت مكان الصدارة في أعمال مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدبي سنة 1399 هـ 1979م، وكان رأي الأكثرية جواز الإلزام بالوعد في هذه المعاملة وجاءت توصية المؤتمر على النحو التالي: "يرى المؤتمر أن هذا التعامل يتضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقا لذلك الشرط، إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه.
    وتحتاج صيغ العقود في هذا التعامل إلى دقة شرعية فنية وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى إصدار قانون بذلك".
    وبحث هذا الموضوع مرة أخرى في مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت في جمادى الثانية 1403هـ مارس 1983م. وأصدر فيه المؤتمر التوصية التالية: "..المادة الثامنة: يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق هو أمر جائز شرعا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزما للآمر أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعا وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه".
    وقد أجمع المؤتمرون بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء، أما التوصية الخاصة بجواز الإلزام بالوعد فكانت رأي الأكثرية وبحث هذا الموضوع مرة ثالثة في ندوة البركة الأولى للاقتصاد الإسلامي المنعقدة بالمدينة المنورة، رمضان 1403هـ يونيو 1983م، وجاءت الفتوى على النحو التالي:
    "وأما صورة المرابحة للآمر بالشراء فإن اللجنة تؤكد ما ورد في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي المنعقد في الكويت مع ما تضمنت من تحفظات بالنسبة للإلزام".
    والجدير بالذكر أن هذه المؤتمرات لم تحسم أصعب الخلافات الفقهية حول هذه الصيغة وهي مسألة الإلزام بالوعد ولم تتركها غفلا، بل أقرت مبدأ التخيير، لكل مصرف الأخذ بأحد الوجهين أي الإلزام وعدمه.
    وبناء عليه اختلف العمل في البنوك الإسلامية بالنسبة لإلزام الآمر بوعده وعدمه، تبعا لاختلاف فتاوى هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية، وتضمنت عقود بعض البنوك نصا صريحا يعطي الآمر الخيار في الشراء وعدمه عندما يقدم له البنك السلعة المطلوبة.
- التأصيل الفقهي للمسألة:
    اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم الإلزام بالوعد في المرابحة الآمر بالشراء على قولين:
    القول الأول: يرى أن بيع المرابحة للآمر بالشراء مع الإلزام بالوعد بيع جائز.
    القول الثاني: يرى أن بيع المرابحة للآمر بالشراء مع الإلزام بالوعد غير جائز شرعا.
    واستدل المجيزون لهذه المعاملة بنصوص لفقهاء الرعيل الأول لعل من أشهرها وأكثرها تداولا نص الإمام الشافعي الذي يدل على جواز هذه المعاملة في حالة الوعد غير الملزم، بحيث يكون الطرفان بالخيار، فإذا كانت المعاملة ملزمة للطرفين فإن حكمها هو الحرمة لقول الإمام الشافعي: "وإن تبايعا على أن ألزما أنفسهما، فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع، والثاني: أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا".
    ولما استدل الفقهاء المجيزون للمرابحة للآمر بالشراء عموما بنص الإمام الشافعي، احتاجوا إلى دليل يجيزون به مسألة الإلزام بالوعد في هذه المعاملة، فوجدوا ضالتهم في نص ابن شبرمة القائل: "إن كل وعد بالتزام لا يحل حراما ولا يحرم حلالا يكون وعدا ملزما قضاء وديانة، واعتبر الفقهاء المانعون لمسألة الإلزام بالوعد هذا الأمر من قبيل التلفيف بين أقوال المجتهدين على مسألة لم يقل بجوازها على هذه الكيفية أحد منهم، يقول د. رفيق المصري:
    "وهذا التلفيق ليس من النوع الجائز لأنه يؤدي إلى أمور محرمة، منها الوقوع فيما نهي عنه من بيع ما ليس عندك".
    ومذاهب العلماء في مسألة الإلزام بالوعد إذا أخلف الواعد وعده هل يلزم به قضاء  وحكما، على ثلاثة أقوال:
    القول الأول: عدم الإلزام بالوفاء به مطلقا. وهو مذهب الجمهور، ورواية عن مالك ومذهب ابن حزم وبه قال ابن بطال وابن عبد البر وتعقبه الحافظ ابن حجر بوجود المخالف لكنه قليل.
    القول الثاني: الإلزام بالوفاء بالوعد مطلقا، قال به عمر بن عبد العزيز وابن الأشوع الهمداني الكوفي وابن شبرمة.
    القول الثالث: وفيه تفصيل، إن أدخل الواعد بوعده في كلفة لزم الوفاء به وإلا فلا يلزم الوفاء به وهي رواية عن مالك رحمه الله، واستدل أصحاب القول الأول بالإجماع على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء، قال المهلب "إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع، وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع العزماء" وقال ابن بطال: "لم يرو أحد من السلف وجوب القضاء بالعدة، أي مطلقا وإنما نقل عن مالك أنه يجب ما كان بسب" وقال الحافظ ابن حجر: "ونقل الإجماع في ذلك مردود فإن الخلاف مشهور لكن القائل به قليل وقال ابن عبد البر وابن العربي: أجل من قال به عمر بن عبد العزيز".
    واستدل أصحاب القول الثاني بالنصوص الشرعية الدالة على أن الوفاء بالوعد محمود من القرآن والسنة.
    أما أصحاب القول الثالث فحجتهم عموم حديث رفع الضرر في قوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"، جاء في أضواء البيان: "والذي يظهر لي في هذه المسألة والله تعالى أعلم، أن إخلاف الوعد لا يجوز لكونه من علامات المنافقين ولأن الله تعالى يقول: "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" وظاهر عمومه يشمل إخلاف الوعد ولكن الواعد إذا امتنع من إنجاز الوعد لا يحكم عليه وبه لا يلزم جبرا بل يؤمر به ولا يجبر عليه لأن أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر على الوفاء به لأنه وعد بمعروف محض والله أعلم".
    ويعلق الدكتور سامي حسن حمود على هذه المسألة قائلا: "إن القول الوارد في مذهب الإمام مالك في الإلزام بالوعد إنما يتعلق بمسائل المعروف والإحسان دون عقود المعاوضات، وهذا الاعتراض لا يتفق مع المثل الإسلامية التي توجب الوفاء بالوعد فإن قيل بأن الوفاء واجب ديانة وليس قضاء، نقول: وماذا يمنع من انتقال الإلزام من منطقة الأخلاق إلى منطقة الإلزام بالقضاء؟ ثم أليس الوفاء بالعهود مما أمر به الله تعالى"
    أما النقطة الثانية وهي الأقوى في الاستدلال على عدم صحة اشتراط لزوم الوعد فهي ما احتج به الفريق الذي يرى أن كلام الإمام الشافعي نفسه ينفي هذا الإلزام بدليل ما جاء في آخر العبارة المنقولة عن كتاب الأم بقوله رحمه الله تعالى: "وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع والثاني على أنه مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا" إن من يعيد قراءة هذا النص يجد أن المقصود هو قيام المتواعدين بإلزام نفسيهما بالبيع بأن قال أحدهما للآخر بعتك بالمرابحة ما سوف أشتريه بناء على طلبك ولكن الحال الواقع في صيغة المرابحة للآمر بالشراء أن هناك مرحلتين منفصلتين هما: مرحلة المواعدة ومرحلة المبايعة وبينهما فاصل زمني هو حضور البضاعة أو التمكن من إبرام العقد عليها. وهذا بخلاف الإلزام بالبيع مسبقا حيث يصبح العقد باتا أما كون الواعد ملزما فإنه يفيد الإجبار على إبرام العقد حيث يمكن أن يتحقق ذلك أو لا يتحقق، فإذا أمكن تحقيق التنفيذ بإبرام عقد البيع كان به، وإلا كان هناك محل للمطالبة بجبر الضرر الواقع على أحد الطرفين المتواعدين والذي قد يكون المصرف الإسلامي أو من يتعامل معه، وهذا هو مبرر القول بالإلزام في المواعدة ".
  خلاصة:
    انتهى الرأي بشأن مسألة الإلزام بالوعد في المرابحة للآمر بالشراء إلى أن البنوك بالخيار من شاء أخذ بالإلزام ومن لم يشأ لم يأخذ به، وحينئذ على المصرف الإسلامي أن يتحرز في عدم التعامل إلا في الأصناف التي يمكن له تصريفها إذا عدل طلابها عن شرائها.
    ولا يمكن القول إن المصارف الإسلامية تستوي جميعا في موقفها من بيع المرابحة بحيث تتفق على صورة أو صور موحدة منه فهناك مصارف تطبق الإلزام بالمواعدة على كل من المصرف والعميل فيلتزم المصرف بشراء السلعة وبيعها إلى العميل، كما يلتزم العميل بشراء السلعة من المصرف. وثمة مصارف أخرى تطبق مبدأ الإلزام بالوعد على المصرف فقط دون العميل فإذا اشترى المصرف السلعة التزم ببيعها إلى العميل إذا رغب في ذلك، وربما لا توجد مصارف تطبق عدم الإلزام بالنسبة لكل من المصرف والعميل، إلا أنه يمكن القول بأن المصارف التي تلزم نفسها دون العميل ليست بعيدة عن الخيار للطرفين، لأن المصرف غير ملزم بشراء السلعة إنما يلزم فقط بيعها إذا اشتراها وهناك مصارف تطبق الإلزام في المرابحات الخارجية، والخيار في المرابحات الداخلية.
    - ويمكن القول في الختام أن:
    1- صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء هي إحدى الصيغ المقبولة شرعا في التعامل المصرفي الإسلامي، استنادا إلى رأي الإمام الشافعي الذي يكفي عند الفقهاء المعاصرين لإعطاء هذه الصيغة الكساء الذي يدخلها في نطاق المعاملات الشرعية المعتبرة.
    2- يحتل بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية مكانة مهمة إذا ما قورن بعمليات المشاركة أو المضاربة حتى إن بعض المصارف الإسلامية تكاد تقصر عملياتها التمويلية عليه. وذلك لأن مال المصرف فيه يكون مضمونا بأصله وربحه معا، في صورة تدفقات نقدية معلومة المبالغ والآجال مسبقا.
    3- المرابحة في المصارف الإسلامية غالبا ما تكون مرابحة مؤجلة لا حالة ومن المقرر شرعا أن الثمن المؤجل يكون أكثر من الثمن الحال، ولكن جواز الفرق بين الثمن المؤجل والمعجل لا يجوز الاستناد إليه لتمرير بعض الحيل الربوية مثل بيع العينة، أو ما يماثله من حيل تستند إلى الحلال وصولا إلى الحرام.
    4- يختلف تطبيق المرابحة في المصارف الإسلامية من مصرف إلى آخر باختلاف إدارته وهيئة الرقابة الشرعية لديه، فهي بيع جاد في بعض المصارف وصوري في مصارف أخرى.
    5- تقوم المرابحات الخارجية على الاعتمادات المستندية وهي جائزة باتفاق الفقهاء على الأخذ بمبدأ الإلزام فيها.
    6- إن مسألة الإلزام بالوعد وكونها ملزمة ديانة أو ملزمة قضاء هي من المسائل الاجتهادية التي يحتمل فيها الخلاف، وإذا كان هناك من يرى التمسك بالقول بعدم الإلزام بالوعد فإن منهج العدل في الشرع الإسلامي يستلزم الأخذ بمبدأ التعويض عن الضرر الذي قد يصيب الطرف الذي يتعرض له، فالإلزام في الشراء ليس بيعا بدليل أنه لو كان بيعا لانتقل الملك مباشرة بمجرد حضور المبيع، والإلزام مقتضاه أمران إما أن يكون هناك تنفيذ لما تم الاتفاق عليه أو ألا يتم التنفيذ فيكون التعويض عن الضرر الناتج عن عدم التنفيذ، فمفهوم الإلزام ومقصوده ألا تخرج عملية البيع بتحايل قد يتضرر فيه البنك أو يتضرر فيه العميل.
( انظر موقع الموسوعة الشاملة الإصدارالأخير ).
  والحمد لله رب العالمين
 ============================
فهرس الموضوعات:
- مدخل.
- تعريف بيع المرابحة.
- حكم بيع المرابحة الفقهية.
- شروط بيع المرابحة الفقهية.
- أحكام المرابحة الفقهية.
- الاجتهادات الفقهية المعاصرة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وتطبيقاته في المصارف الإسلامية.
- نشأة بيع المرابحة للآمر بالشراء.
- الألفاظ التي تطلق على المرابحة للآمر بالشراء.
- تعريف عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء
= أوجه الاتفاق والاختلاف بين المرابحة الفقهية والمرابحة للآمر بالشراء كما تطبقها المصارف الإسلامية.
- حكم عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء.
- الفتاوى الجماعية الصادرة في موضوع بيع المراحة للآمر بالشراء.
- التطبيق العملي لبيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامبة.
- الجوانب الشرعية والتطبيقية لبيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية.
- فهرس المصادر والمراجع:
- أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة ومعضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام. أبو الأعلى المودودي. ترجمة محمد عاصم الحداد. الدار السعودية للنشر والتوزيع 1985م.
- الاقتصاد الإسلامي. علال الخياري. شركة النشر والتوزيع الدار البيضاء.
- بلغة السالك لأقرب المسالك للشيـخ أحمد الصاوي. المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
- بدائع الصنائع وفي ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني. المطبعة الجمالية بالقاهرة. الطبعة الأولى. 1328هـ.
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لمحمد بن رشد القرطبي. دار الفكر بيروت.
- البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم. المطبعة العلمية الطبعة الأولى.
- البنك اللاربوي في الإسلام باقر الصدر. بيروت. دار التعارف للمطبوعات. 1990م.
- البنوك الإسلامية، فليح حسن خلف، عالم الكتب الحديث، الأردن.2002م.
- البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم والتقليد والاجتهاد. جمال الدين عطية. كتاب الأمة. الطبعة الأولى 1407هـ.
- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي. موقع المكتبة الشاملة. الإصدار الثاني.
- تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية سامي حمود. عمان. مطبعة الشرق. الطبعة الثانية 1982 م.
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي. مؤسسة الرسالة. بيروت. الطبعة الأولى2006 
- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. دار الفكر بيروت.
- الدر المنتقى محمد علاء الدين الامام دار الطباعة العامة 1319هـ.
- الدر المختار شرح تنوير الأبصار للحصفكي طبع الأستانة 1277 هـ.
- السياسة المالية في الإسلام وصلتها بالمعاملات المعاصرة عبد الكريم الخطيب. دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان. الطبعة الثانية. 1975م.
- الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير دار المعارف مصر. 1393هـ.
- شرح الزرقاني على مختصر خليل. دار الكتب العلمية. بيروت الطبعة الأولى 2002م.
- الشامل في معاملة المصارف الإسلامية محمود عبد الكريم أحمد رشيد. دار النفائس. عمان الأردن. الطبعة الأولى2001م
- الشرح الكبير للدردير وهو شرح مختصر خليل. مطبوع مع حاشية الدسوقي. المطبعة الأزهرية. مصر.
- الشركات. على  الخفيف. معهد الدراسات العربية. 1962م.
- فتاوى ندوات البركة. قرص مدمج.
- قوانين الأحكام  الشرعية لابن جزي. مكتبة عالم الفكر. القاهرة.
- فتح القدير لابن الهمام مع التكملة " نتائج الأفكار" لقاضي زاده الطبعة الأولى 1315هـ المطبعة الأميرية بمصر.
- الفقه على المذاهب الأربعة الجزري. دار الرشاد الحديثة. الدار البيضاء دون تاريـخ.
- الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي. دار الفكر دمشق الطبعة الأولى.1406هـ.
- فتاوى ابن تيمية. مطابع الرياض.
- الفقه الإسلامي محمد يوسف موسى. دار الكتاب العربي بمصر. الطبعة الأولى. دون تاريــخ.
- كتاب فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي قرص مدمج.
- الكافي في فقه أحمد. لابن قدامة. المكتب الإسلامي بدمشق. الطبعة الأولى
- موطأ الإمام مالك. رواية يحي بن يحي الليثي دار النفائس بيروت الطبعة الأولى. 1390هـ.
- المدونة الكبرى للإمام مالك رواية سحنون. مطبعة السعادة. مصر.
- المبسوط للسرحيني دار المعرفة للطباعة. لبنان. الطبعة الثانية
- الموسوعة الفقهية الكويتية. صادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون السعودية. الطبعة من 1404 إلى 1427. مطابع دار السلاسل الكويت.
- مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج. محمد الشربيني. مطبعة الجلبي 1377هـ.
- المغني لابن قدامة المقدسي. مكتبة الرياض الحديثة.د.ت.
- مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب. مكتبة النجاح ليبيا.
- المضاربة للإمام الماوردي دراسة وتحقيق وتعليق الدكتور عبد الوهاب حواس. دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع المنصورة. الطبعة الأولى 1989م.
- مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي وبعض تطبيقاته الدكتورة سعاد إبراهيم صالح. الطبعة الأولى. 1986م. دار الضياء القاهرة.
- مجلة مجمع الفقه الإسلامي. الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. جدة. 1998م.
- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار لابن محمد الشوكاني. دار الكتب العلمية. بيروت لبنان.د.ت.
- الموسوعة الفقهية الكويتية.
- لائحة الأقراص المدمجة:
ـ المكتبة الآلفية للسنة النبوية، إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي، عمان، الأردن.
ـ الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه، إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي، عمان، الأردن.
ـ المحدث، تصميم وإدارة طلبة دار الحديث النبوي الشريف سابقا، مؤسسة مدرسة واشنطن، أمريكا.
ـ مكتبة الفقه وأصوله، إعداد الخطيب للتسويق والبرامج، الإشراف العلمي: مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي، عمان، الأردن.
ـ موسوعة الفقه الإسلامي وأصوله، إعداد قسم البرمجة، دار الفكر، دمشق، سوريا.  
ـ مكتبة الفقه الإسلامي، شركة العريس للكمبيوتر، بيروت، لبنان.
ـ فقه المعاملات، الإصدار الأول 1996، مؤسسة صخر ومجموعة دلة البركة. 
ـ الفتاوى الاقتصادية، الإصدار الثاني 1997، مؤسسة صخر ومجموعة دلة البركة.
ـ المكتبة الشاملة. الإصدار الأول والثاني والتحديث الأخير. المبثوثة على شبكة الأنترنيت WWW.shamela .ws.
   وصلى الله وسلم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
 

bottom of page